هجرة الأطباء... القطاع الصحي الجزائري في خطر

هجرة الأطباء... القطاع الصحي الجزائري في خطر

18 فبراير 2022
يعمل الأطباء في ظروف صعبة أحياناً (بلال بنسالم/ Getty)
+ الخط -

باتت هجرة الأطباء الجزائريين إلى الخارج، خصوصاً نحو فرنسا، من أكثر القضايا التي تثير اهتمام المواطنين خلال الفترة الأخيرة. والأمر لا يتعلق فقط بخسارة كوادر طبية كفؤة، إذ تخصص البلاد جزءاً من الموازنة لتعليم وتأهيل هذه الكوادر، في وقت تستفيد منها دول أخرى.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُهاجر فيها أطباء جزائريون من البلاد. إلّا أنّ موجة الهجرة الأخيرة تزامنت مع الأزمة الصحية في ظلّ تفشي فيروس كورونا الجديد، التي أدت إلى وفاة نحو 451 طبيباً من مختلف التخصصات. عمل الاختصاصي بأمراض وجراحة الأنف والأذن والحنجرة نور الدين بلواهم في المستشفى الحكومي في ولاية ميلة، شرقي الجزائر، مدةً تزيد عن سبع سنوات، بعدما قضى 12 سنة في الدراسة. الظروف الصعبة التي تمر فيها البلاد دفعت بلواهم إلى اتخاذ قرار الهجرة. تقدم بطلب للعمل في فرنسا التي تعلن عن وظائف شاغرة للأطباء سنوياً، وقد تم قبول طلبه. يقول لـ"العربي الجديد": "في الحقيقة، لم أختر الهجرة لأسباب مادية ومهنية فقط، بل السبب هو القيمة التي تمنحها لك الجهة التي تعمل لديها. قيمتك كطبيب وباحث ومتابع للتطور الحاصل في علوم الطب والمساهمة في تقدم العلم، كلها عوامل تدفعك لاختيار الهجرة"، مشيراً في الوقت نفسه إلى تردّي الأوضاع الاجتماعية وتراجع مكانة الطبيب في البلاد. 
ولا تختلف قصة بلواهم عن قصص عشرات الأطباء الذين اختاروا الهجرة، ليفقد القطاع الصحي في الجزائر عشرات الكوادر الذين قضوا سنوات طويلة في التعليم والتخصص في بلادهم. كما تخسر المؤسسات الصحية الحكومية كوادرها، الأمر الذي يؤثر على القطاع الصحي في البلاد. 
من جهتها، تقول أستاذة الطب في جامعة الجزائر فريدة آيت حمي، لـ "العربي الجديد"، إنّ الأزمة الاقتصادية تعدّ السبب الأساسي لهجرة الأطباء وهروب الكوادر ذات الكفاءات العالية، مضيفة أن "غالبيتهم يطمحون إلى تحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والحصول على أجور أفضل بكثير من الجزائر. الطبيب في فرنسا يحصل على امتيازات السكن وأجر يتجاوز 3500 يورو، بينما لا يتجاوز في الجزائر 400 يورو في المصحات والمستشفيات الحكومية". وتوضح: "أعتقد أنّه ليس من العدل أن يتقاضى طبيب يعمل في المهنة منذ أكثر من 20 عاماً نحو 1500 يورو". تضيف: "أجور الأطباء الحكوميين أقل أحياناً من أجور عمال النظافة في بعض المؤسسات". 

ويبحث الأطباء عن العمل في أجواء مريحة، علماً أنّ غالبية الكوادر الصحية التي غادرت الجزائر تعتبر متفوقة في مختلف التخصصات، بل إنّها من النخب. تقول الطبيبة المتخصصة في التخدير سمية لعريبي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذا الخيار نابع من المعاناة في المستشفيات الجزائرية وعدم توفير الإمكانيات. كما أنّ تطوير الأداء المهني والبحث العلمي ليس متوفراً بالقدر المطلوب في الجزائر". وغالباً ما يطلب الأطباء من المرضى إجراء فحوصات، إلا أنها غير متوفرة في المستشفى الحكومي، ما يضطرهم للجوء إلى المختبرات الخاصة". 

من اعتصام لأطباء في الجزائر (بلال بنسالم/ Getty)
من اعتصام لأطباء في الجزائر (بلال بنسالم/ Getty)

في هذا السياق، لا ينفي المسؤولون في الجزائر العجز في الإمكانيات في المستشفيات، خصوصاً في المدن الداخلية والجنوب، على الرغم من الاستثمارات الضخمة في القطاع الصحي، إلا أنها غير كافية. وهناك تدنٍّ في الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين وما يقابلها من أجور لا ترق إلى جهود الكوادر في الدولة. وتشير الأرقام إلى أن هناك ستة آلاف طبيب جزائري يعملون في المستشفيات الفرنسية، وأن 25 في المائة من الأطباء الأجانب في فرنسا هم من الجزائر والمغرب. ويصف عضو نقابة ممارسي الصحة في الجزائر خالد بتقة، لـ"العربي الجديد"، أن الجزائر "تخسر رأسمالاً بشرياً مؤهّلاً أنفقت على تعليمه وتدريبه أموالاً ضخمة. لكن في النهاية، يصبح منتجاً يتمّ استقطابه من قبل الدول المتقدمة التي هيأت له الظروف الملائمة لإتمام أبحاثه العلمية". وتعدّ هجرة الكوادر الجزائرية من أخطر المشاكل التي تواجه التنمية في البلاد. وتفيد بعض الدراسات بأن أكثر من 20 ألف شاب جزائري، ممن يختارون استكمال الدراسات العليا في أوروبا وكندا والصين، لا تعود غالبيتهم إلى أرض الوطن عندما يحصلون على وظائف مغرية، لكنهم لا يترددون في تقديم المساعدة وإفادة البلاد بكل ما هو متاح. وعدا عن الأطباء، هاجر الآلاف من الخبراء والأساتذة والباحثين والتقنيين. في هذا الإطار، يتوجب على "الحكومة أن تخلق البيئة الحاضنة للكفاءات والخبرات الجزائرية، بهدف الحد من هجرتها، واستقدام بعض من هاجر لإفادة البحث والجامعة والصناعة والزراعة في الجزائر"، بحسب بتقة.
وتشكو مختلف القطاعات في الجزائر من هجرة الكفاءات، وخصوصاً في مجالات الصحة والتعليم والتخطيط والبحث العلمي، وهو ما يفسر ضياع الجهود والطاقات الإنتاجية والعلمية لهذه العقول لصالح البلدان المتقدمة. 

وعلى الرغم من مساعي الحكومة الجزائرية، منذ اعتلاء الرئيس عبد المجيد تبون الحكم في ديسمبر/ كانون الأول عام 2019، لإيجاد حل للأزمة، وحثّ الرئيس الحكومة على وضع خطة لاستعادة الأطباء والكوادر العلمية الجزائرية من الخارج، فإن الواقع يختلف تماماً. وتقول الباحثة في علم الاجتماع من جامعة "وهران" مفيدة غربي، لـ"العربي الجديد"، إن "الفشل الحكومي لا يرتبط باستعادة الكفاءات من الخارج فحسب، بل في إقناع من هم في الجزائر بالبقاء". تضيف أن "الكفاءات تهاجر في مسعى لتحقيق ذاتها فكرياً ومهنياً لضمان ظروف عمل أفضل ومعيشة مريحة تكفل لهم حرية التفكير والإبداع". وعن الأسباب التي تدفع الأطباء إلى الهجرة، فهي "الإحباط العلمي والمهني الذي يعيشه الباحثون والكوادر في الجامعات في ظل عدم توفر مؤسسات للبحث العلمي، وخصوصاً في المراكز والجامعات". وتشير إلى "الافتقار إلى الكتب والمجلات العلمية والمعدّات والأجهزة، وانعدام التوازن في النظام التعليمي ومشاريع التنمية، وعدم تقدير العلماء وتهميشهم في أوساطهم، بالإضافة إلى انتشار الرشوة والفساد والمحسوبية. كل ما سبق يولد شعوراً بالإحباط لدى المتعلمين من أصحاب الشهادات العليا، ما يدفعهم إلى الهجرة قسراً".

المساهمون