نساء السويد... مكوّن مهم من البيئة المتطرّفة

نساء السويد... مكوّن مهم من البيئة المتطرّفة

20 ابريل 2021
محازبات لليمين المتطرّف في حملة سياسية في استوكهولم (إريك سيماندر/ فرانس برس)
+ الخط -

 

يُعتقد أنّ التشدّد والتطرّف والعنف أمور ترتبط بالرجل بشكل أساسي، فيما تُبرّأ المرأة منها. لكنّ الأمر ليس كذلك، وتبدو الأخيرة أشدّ شراسة في أحيان كثيرة.

تشير دراسة سويدية متخصصة في تحليل الاتجاهات الفكرية لدى النساء في البلاد إلى وجود قابلية لدى السويديات على التوجّه نحو التطرّف العنفي بأشكاله المختلفة بنحو 15 في المائة كمتوسط. والدراسة صدرت عن معهد دراسات المستقبل لمصلحة مجلس وزراء دول الشمال، وحظيت باهتمام وحدة الأبحاث الأمنية في جهاز الاستخبارات السويدي "سابو"، فيما بثّ التلفزيون السويدي بعضاً من محتواها قبل أيام. وهي تبيّن أنّ ثمّة مطرّفة أنثى واحدة من بين كل سبعة متطرّفين في السويد، فيبدو واضحاً بالتالي أنّ النساء يؤدّينَ دوراً مهماً في مجال التشدّد والتطرّف في هذا البلد الاسكندينافي.

ولا يخفي جهاز الاستخبارات السويدي أنّه على اطلاع بأنّ ثمّة سويديات ناشطات في البيئات المتشددة. وقد وضع الجهاز الأمني بالتعاون مع الشرطة السويدية خارطة حول "الصلات المتطرّفة للنساء في بيئات التشدّد ما بين العامَين 2007 و2016، وجرى من خلالها التعرّف وتحديد أولئك الأكثر ميلاً إلى التشدّد بناءً على معلومات خاصة بأرقام الضمان الاجتماعي"، وفق ما أفادت الدراسة السويدية الحديثة. والنسبة المحددة بنحو 15 في المائة من النساء السويديات تشمل الناشطات في دوائر اليسار واليمين المتطرفَين والحركات الإسلامية في البلد، بحسب الدراسة التي تشرح أنّ دورهنّ نشط وهنّ على مستوى عال من المشاركة في الجرائم بحسب التصنيف الأمني للنشاط. وقد يشمل النشاط كذلك التشدّد في المجال الجندري المتعلق بأدوار الرجل والمرأة في المجتمع.

ويكشف الأستاذ المساعد في علم الجريمة أمير رستمي، وهو أحد المشاركين في إعداد الدراسة، أنّ "في التطرّف اليساري، تبدو الإناث أكثر نشاطاً من الذكور بشكل واضح جداً، فيما تشارك أخريات في دوائر الإسلام السياسي بفعالية لكن من دون أن يضطلعنَ بأدوار ومواقع مركزية". ولاحظ معدّو الدراسة في هذا الإطار، أنّ الإناث المرتبطات بالتطرّف اليساري السويدي "أكثر نشاطاً ومشاركة في الأعمال الإجرامية المرتبطة بهذا التيار مقارنة بالذكور، وجرائمهنّ قد تكون منظمة وليست عشوائية".

وممارسة العنف، بغض النظر عن التوجّه السياسي، هي من أشكال التطرّف النسوي التي يواجهها الأمن السويدي، بحسب تقارير صادرة عن الشرطة السويدية. وقد أعلنت الأخيرة، تزامناً مع صدور نتائج الدراسة المشار إليها آنفاً، أنّ الاستخبارات السويدية حققت مع نحو 200 امرأة متهمة بالتطرّف العنيف في عام 2017. ويرسم الجهاز الأمني في استوكهولم خريطة تطرّف النساء "خصوصاً الجانب الخفي من التحيّزات المتطرفة، التي لا تكون عادة بمتناول الأمن والسلطات عموماً". وبمثل تلك المعطيات، يبدو أنّ السويد باتت في السنوات الأخيرة "نقطة جذب ساخنة" للتطرّف السياسي في منطقة الشمال الأوروبي. يجد الباحثون معدّو الدراسة كذلك قواسم مشتركة ما بين بلدهم وبلجيكا وهولندا في ما يتعلق بالتطرّف السياسي في المجتمعات.

ومن الممكن ملاحظة تصدّر نساء في الشمال الأوروبي خطاب اليمين المتشدّد على طريقة مارين لوبين زعيمة "التجمع الوطني" في فرنسا، وجورجيا ميلوني زعيمة الحركة الفاشية الإيطالية. فكوبنهاغن تشهد منذ ربع قرن تصدّر خطاب يميني متطرّف بوجه نسائي يتمثّل في زعيمة "حزب الشعب الدنماركي" بيا كيرسغورد، وقد برزت كذلك وزيرة الهجرة السابقة من يمين الوسط إنغا ستويبرغ التي انشقت عن الحزب العريق لأنّها وجدته "متراخياً" في قضايا الهجرة. وفي خلال السنوات الأخيرة، لمع نجم شخصية نسائية متشددة أخرى في السويد، وهي زعيمة حزب "البرجوازية الجديد" بيرنيلا فيرموند. بدورها، تواصل زعيمة "الديمقراطي المسيحي" إيبا بوسك ثور تقدّمها بخطاب متشدّد تجاه المهاجرين في بلدها. وفي السياق اليميني المتشدّد نفسه، وعلى الرغم من أنّ الحركة الفاشية الشمالية (جبهة مقاومة الشمال) لا تكنّ احتراماً كبيراً للنساء ولديها نظرة تقليدية إلى دور المرأة في المجتمع كمنجبة ومربية أطفال وخاضعة لإرادة الزوج، فإنّ هذه الحركة تجذب مزيداً من النساء المتطرّفات. وتجتذب بيئات التشدّد العنفي في المجتمعات الاسكندينافية عدداً متزايداً من المراهقات، وهو ما تلاحظه الأجهزة الأمنية في بيئة "جيل الهوية" الناشطة في مجموعة دول الشمال (فنلندا والسويد والنرويج والدنمارك)، وتحذّر في تقاريرها منذ عام 2017 من تنامي توجّهات التطرّف في المجتمعات.

الصورة
شرطة وتوقيف امرأة في السويد (كريستين أولسون/ فرانس برس)
عملية توقيف في استوكهولم (كريستين أولسون/ فرانس برس)

ولا يقتصر الأمر على التطرّف اليميني في الدراسات الأمنية، خصوصاً تلك الصادرة عن مراكز الوقاية من التشدّد في أجهزة الاستخبارات، بل تشمل أقصى اليسار الذي تنشط في إطاره نساء مستعدات لمواجهات في الشارع مع مجموعات اليمين المتطرّف. وإلى هذَين المعسكرَين، يضمّ أمنيون وباحثون في شؤون التشدّد في اسكندينافيا، الإسلام المتشدد النسوي، وهو ما شملته الدراسة السويدية المذكورة في تغطيتها، لتزايد انتشار التشدّد بين نساء البيئة المسلمة في جنوب البلاد، كذلك الأمر في النرويج التي حذّرت تقارير جهاز استخباراتها من تنامي ذلك بين النساء. ويربط خبراء في علم الاجتماع ما بين سياسات التشدّد مع المهاجرين وتنامي التطرّف بين المسلمين عموماً، فيما ينظر إلى اليمين المتطرّف على أنّه "ناجم عن موقف معادٍ للديمقراطية وللإدارات الحاكمة". أمّا التشدّد اليساري العنفي، خصوصاً في الحركة المعادية للفاشية (أنتيفا) فيبدو أنّه يتوسع في مواجهة التطرّف اليميني والسياسات العنصرية، حيث وجدت في هذا الجزء من القارة الأوروبية.

في سياق متصل، نقلت صحيفة "أفتون بلادت" السويدية عن كبيرة محللي المعلومات في جهاز الاستخبارات السويدي آن هاغستروم أنّ "انتساب النساء إلى تلك البيئات المتطرّفة لا يأتي دائماً على خلفية تحكّم بهنّ أو من دون إرادتهنّ". ورأت هاغستروم أنّ "النساء يبدينَ قابلية أكبر لارتكاب أعمال عنف خطيرة وإرهاب". وعلى الرغم من تسجيل الدراسة السويدية أنّ الإناث أكثر تواصلاً مع السلطات الاجتماعية والصحية - النفسية مقارنة بالذكور، فإنّها تلفت إلى "أنّهنّ لم يكنّ دائماً بمستوى الرادار للكشف عن تطرفهنّ". ونقلت كذلك الصحيفة نفسها عن مسؤول مركز "التطرف العنفي" في السويد، يوناس ترولا، أنّ "الأمن السويدي وحده الذي كان يضعهنّ في مستوى راداره، ولمواجهة الظاهرة يتطلّب العمل المبكر لمنع الجريمة. وهذا يتطلب أن يكون المجتمع على دراية بوجود التطرّف النسوي". وتعود هاغستروم لتتناول قضايا "نساء داعش" كمثال على أنّ "التطرّف ليس رغماً عن إرادتهنّ. فكثيرات ادّعينَ أنّهنّ كنّ فقط مسؤولات عن المنازل وتأمين الطعام وتربية الأطفال. لكنّ السؤال يبقى: منازل من تلك؟ وارتكاب جرائم تيسّر الإرهاب لا ينظر إليها القضاءان السويدي والأوروبي الآن على أنّها صادرة عن نساء مجبرات".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

تجدر الإشارة إلى أنّ النساء يشكّلن نسبة تتراوح ما بين 11 في المائة و18 من أفراد المجموعات المتطرّفة في السويد، ومتوسّط أعمارهنّ يُقدَّر بنحو 28 عاماً، علماً أنّ أكثرهنّ لم يكملنَ دراستهنّ، ومعظمهنّ مولودات في السويد. وقد اشتُبه بنحو 68 في المائة منهنّ بارتكاب جرائم تطرّف، بعضها قيد التحقيق. يُذكر أنّ المتزوّجات من قياديّين في الجماعات اليمينية المتطرّفة لا يشاركنَ كناشطات في الميدان. كذلك فإنّ نساء اليمين المتطرّف اللواتي هنّ من أصول سويدية كنّ أقلّ ارتباطاً بسوق العمل ويعتمدنَ على الإعانة الاجتماعية التي تقدّمها الدولة.

المساهمون