نساء الجنوب السوري... شريكات في إعادة البناء

10 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 02:48 (توقيت القدس)
رفع علم الثورة في سورية، 13 ديسمبر 2025 (سمير الدومي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- لعبت المرأة السورية في الجنوب دوراً محورياً في المجتمع، حيث تميزت في مجالات الزراعة والصناعة والإدارة، ونجحت في إدارة المشاريع الصغيرة والحرفية، متحملة تبعات النزوح والاعتقال والانتهاكات.
- قدمت نساء مثل مها الحامد وابتسام حرب نماذج ملهمة في ريادة الأعمال، مما وفر فرص عمل للأسر، بينما أنشأت سلمى الحريري مشغل خياطة ناجحاً، وقادت هادية عزام مبادرات تعليمية.
- انخرطت النساء في العمل التطوعي والمبادرات التعليمية، مثل نموذج شادية البكر عبر واتساب، وشاركن في حملات إعادة التأهيل الحضري، رغم مواجهة عقبات تمويلية وبيروقراطية.

وسط التحوّلات التي شهدتها سورية خلال الحرب وبعد سقوط النظام، تحافظ المرأة السورية في جنوب البلاد على دورها الفاعل، وتجهد لتعزيز الأسس الاجتماعية، جامعةً ما بين أدوار عدّة؛ الأمومة والتعليم والنشاط المجتمعي والإنتاج. وقد شاركت بفاعلية في القطاع الزراعي كما الصناعي والإداري، وتميّزت في إدارة المشاريع الصغيرة المنزلية والحرفية. يأتي ذلك في حين أنّ المرأة السورية تحمّلت، كما الرجل، تبعات النزوح والاعتقال والانتهاكات باختلافها.
في ريف السويداء، تأتي تجربة مها الحامد نموذجاً لتحويل التحديات إلى فرص. فهي كانت قد أطلقت، قبل ثلاثة أعوام، مشروعاً لإنتاج الألبان والأجبان بأدوات بسيطة، قبل أن يتطوّر في خلال أشهر قليلة ويتحوّل إلى منظومة إنتاجية تشمل كذلك الخبز العربي والمأكولات المجفّفة، موفّرةً الدخل لنحو عشرين أسرة. وتقول الحامد لـ"العربي الجديد" إنّ "مشروعنا لبنة في اقتصاد المحافظة، وننافس بمنتجاتنا محلياً بجودة عالية".
بدورها، تشير ابتسام حرب لـ"العربي الجديد" إلى أنّ مشروعها الإنتاجي المتخصّص في الصناعة الغذائية المنزلية، الذي أطلقته قبل سنوات بمشاركة عدد من صديقاتها وبإمكانيات محدودة، "حقّق نمواً غير متوقّع رغم التحديات". وتشرح أنّ المشروع الذي يشمل "منتجات متنوّعة، من مخللات وشنكليش ومربيات وفواكه وخضار مجفّفة ودبس الطماطم، ساهم في توسيع نطاق العمل. فقد تجاوز عدد العاملات في المشروع عشرين امرأة، الأمر الذي جعله ملهماً لمبادرات نسائية مماثلة في المحافظة". تضيف حرب أنّ مشروعها يوفّر اليوم "سبل العيش لأسر عديدة، ويساهم في تعزيز الإنتاج والتسويق والمنافسة".

وكما في السويداء كذلك في محافظة درعا، تحمّلت المرأة السورية وما زالت، مع الرجل، أعباء التربية والعمل والإنتاج، فشاركته في الحقل وتربية الماشية وصناعة المنتجات الزراعية، فيما تنشط كذلك في الأعمال اليدوية والصناعات النسوية. وفي هذا الإطار، تمكّنت سلمى الحريري، استناداً إلى تدريب مجاني قدّمته منظمة مجتمع مدني، من إنشاء مشغل خياطة ناجح. وقد بدأت بماكينة خياطة، قبل أن توسّع عملها ليشمل التطريز والتزيين بالخرز. وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ المتغيّرات في سورية أوجدت "آمالاً لم نكن نحلم بها".
من جهة أخرى، قادت نساء سوريات مبادرات نوعية لسدّ فجوات في التعليم. وفي مثال على ذلك، وفّرت هادية عزام، مع فريق تطوّعي، في السويداء حصصاً دراسية مخصّصة لمتسرّبين وكذلك لتلاميذ الشهادات. تقول عزام لـ"العربي الجديد" إنّ "في المرحلة الانتقالية الحاسمة التي تعيشها سورية، نعمل على تسريع وتيرة مساهمتنا، بوصفنا نساء فاعلات، في بناء المجتمع"، موضحةً "ركّزنا جهودنا على معالجة ظاهرة تسرّب التلاميذ من المدارس وتمكّنّا في الأشهر الماضية من إعادة أعداد كبيرة منهم إلى المسار التعليمي على الرغم من التحديات الأمنية والمعيشية". وتشير عزام إلى أنّه "بالتعاون مع كوادر تعليمية متخصّصة، أطلقنا كذلك دورات مجانية لتلاميذ الشهادتَين الإعدادية والثانوية، من أجل ضمان استمرارية مسارهم التعليمي". وترى عزام أنّ "تمكين المرأة ركيزة أساسية في عملية البناء التعيلمي والفكري والنفسي للأطفال والشبّان في سورية"، في هذه المرحلة التي تستدعي تركيزاً استثنائياً.

وفي ريف القنيطرة، ابتكرت شادية البكر، إلى جانب مدرّسات أخريات، نموذجاً تعليمياً عبر تطبيق واتساب في أثناء انقطاع العملية التعليمية، ثمّ طوّرنَه إلى برامج صيفية لتعويض الفاقد التعليمي. وتقول البكر لـ"العربي الجديد": "نُعدّ جيلاً قادراً على مواكبة مرحلة البناء" في سورية.

امرأة في ورشة خياطة في سورية - 7 مارس 2017 (سمير الدومي/ فرانس برس)
في ورشة خياطة بسورية، 7 مارس 2017 (سمير الدومي/ فرانس برس)

في سياق متصل، انخرطت كثيرات من نساء الجنوب السوري في العمل التطوعي منذ عام 2011، وهنّ يكملنَ مسيرتهنّ في المرحلة الانتقالية. وفي السويداء، انخرطت شابات سوريات في حملات إعادة التأهيل الحضري، وتتولّى كثيرات منهنّ قيادة برامج تمكين اليافعين وتدريب النساء على الحرف. ويبيّن الصحافي علي الحسين من السويداء لـ"العربي الجديد" أنّ "58% من المشاريع الصغيرة الناشئة في السويداء ودرعا بقيادة نسائية. كذلك فإنّ أكثر من 60% من المبادرات التعليمية التطوّعية تقودها نساء"، مشيراً إلى "تضاعف عدد الورش الحرفية النسوية بنسبة تفوق 200% منذ عام 2023".

وعلى الرغم من النجاحات، تواجه هذه المشاريع عقبات تمويلية وبيروقراطية. وتقول الحريري لـ"العربي الجديد": "نحتاج إلى دعم لوجستي وتسهيلات تسويقية"، في حين تشير عزام إلى ضرورة "إدراج المبادرات التعليمية من ضمن السياسات التعليمية الوطنية".
ويبدو أن محافظات الجنوب السوري تشهد تحوّلاً تدريجياً من "تمكين المرأة" إلى "تمكين المجتمع عبر المرأة". في السويداء صارت "تعاونيات الحمد" نموذجاً يُحتذى به، فيما تحوّلت بعض ورش الخياطة في درعا، بدعم من منظمات المجتمع المدني، إلى مراكز تدريب. وتؤشّر هذه الدينامية إلى تحوّل عميق في البنية الاجتماعية، إذ تصير المرأة شريكاً أساسياً في صنع القرار الاقتصادي كما التربوي.

المساهمون