استمع إلى الملخص
- يواجه النازحون ظروفاً معيشية صعبة في خيام مؤقتة، مع نقص حاد في الغذاء والماء، ويضطرون للنزوح المتكرر بسبب القصف المستمر، كما يروي النازحون قصصاً مؤلمة عن رحلاتهم الشاقة.
- تشهد مناطق مثل خانيونس وبيت لاهيا نزوحاً جماعياً بعد تهديدات بالإخلاء، وتدعو الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجات السكان.
يستمر الفلسطينيون في قطاع غزة في النزوح من مكان إلى آخر بحثاً عن الأمان، في ظل اشتداد القصف الإسرائيلي، ويشكون صعوبة الأمر هذه المرة بسبب المجاعة
يعيش سكان قطاع غزة موجة نزوح جديدة في مختلف المحافظات، لا سيّما شمالي القطاع الذي يمر بإحدى أقسى مراحل النزوح منذ اندلاع حرب الإبادة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تزامناً مع العملية العسكرية الإسرائيلية التي أعلن البدء بتنفيذها يوم الجمعة الماضي. وتنهال الصواريخ والقذائف الإسرائيلية من كل حدب وصوب على المدنيين العزل، الذين ينام معظمهم في خيام متفرقة.
وأصبح النزوح القسري السمة اليومية لأهالي القطاع على امتداد الحرب، في ظل غياب مأوى آمن، وانهيار الخدمات الإنسانية التي تُشكل الحد الأدنى من مقومات الحياة. وتتزامن موجة النزوح الحالية مع شبح المجاعة الذي يطارد السكان بفعل استمرار إغلاق المعابر الحدودية مع القطاع منذ ما يزيد عن 75 يوماً.
وتواصل قوات الاحتلال قصف كل محافظات القطاع، متجاهلةً الضغوط الدولية المتزايدة عليها لوقف العمليات العسكرية وفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية، في ظل تفشي المجاعة بشكل غير مسبوق.
وعلى مدار الأيام القليلة الماضية، لم يتوقف القصف الإسرائيلي على مناطق شمال القطاع، إذ أصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء أيضاً، ما أجبر آلاف العائلات الفلسطينية على حمل أمتعتها وخيامها والتوجه إلى مدينة غزة وغربها. وعقب بدء العملية العسكرية الجديدة، أصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء فورية لأهالي مدينة خانيونس، يوم الاثنين الماضي، ملوحاً بشن هجوم غير مسبوق.
ثلاثة أيام قاسية أمضاها الفلسطيني محمود شقورة جراء شدة القصف والقذائف الإسرائيلية التي انهالت على منطقة الفاخورة، غرب مخيم جباليا، شمالي القطاع، وبات الخطر يداهم عائلته أكثر من السابق. حمل أمتعته وخيمته التي كان قد نصبها في منطقة سكنه، واصطحب عائلته وهمَّ بالنزوح إلى حيث قد يجد الأمان، فوصل إلى منطقة حي الشيخ رضوان، وسط مدينة غزة، التي تعج بالنازحين، وراح يزيل بعض القمامة وأكوام الحجارة ليضع مكانها خيمته. يقول لـ"العربي الجديد": "خلال اليومين الماضيين، لم يتوقف إطلاق النار والقذائف والانفجارات الضخمة، بالإضافة إلى تعمد الاحتلال استهداف المدنيين، ما زاد من حالة القلق التي تُسيطر علينا". يضيف: "بعد رحلة شاقة ومميتة، وصلنا إلى هذه المنطقة هاربين من قذائف الموت التي تلاحقنا في كل لحظة. نزحت 11 مرة لكن كانت هذه الأقسى، خصوصاً أننا نعاني بسبب المجاعة".
يتابع: "قطعنا مسافة طويلة من جباليا سيراً على الأقدام، ونحن نحمل أمتعتنا وأغراضنا الشخصية، وذلك بسبب عدم قدرتنا على دفع بدل النقل المرتفع".
وصل غنام غنام إلى منطقة حي الشيخ رضوان، وراح يزيل الحجارة المتراكمة مع أولاده، ونصب خيمته على قارعة الطريق بعد رحلة نزوح من منطقة مشروع بيت لاهيا، شمالي القطاع، كانت مليئة بالتعب والمشقة ومحفوفة بالمخاطر.
يقول غنام، وهو رب أسرة مكونة من عشرة أفراد، لـ"العربي الجديد": "كانت الليالي الأخيرة قبل النزوح صعبة وقاسية. لم نكن نستطيع التحرك مُطلقاً وكأن حرب الإبادة عادت من جديد، والاحتلال ازداد شراسة وقتلاً وعنفاً ضد المدنيين العزل وكل ما هو متحرك في تلك المنطقة، ما دفعني للنزوح مجدداً".
يمسح بيديه قطرات العرق التي سالت على وجنتيه وهو يحاول إقامة دورة مياه مُغطاة بشادر أبيض، مستنداً إلى أربعة ألواح من الخشب. يضيف: "رغم أنني نزحت عشر مرات، إلا أن هذه المرّة كانت الأقسى. بالكاد نستطيع السير بسبب المجاعة وعدم توفر أدنى مقومات الحياة".
ويبعث غنام رسالة إلى جميع شعوب العالم والمجتمع الدولي، قائلاً: "كفى صمتاً. عليكم بالضغط على إسرائيل من أجل وقف حربها المسعورة على القطاع ووقف شلال الدم الفلسطيني. حسبنا الله ونعم الوكيل".
الفلسطيني حسام أبو سعدة، الذي يسكن في مشروع بيت لاهيا، شمالي القطاع، يقول: "اشتدّ علينا القصف وأصبحت القذائف تصل إلى خيامنا، ما دفعنا إلى النزوح مجدداً، حتى استقر بنا الحال في منطقة حي النصر، شمالي القطاع. الآن، أعيش مع عائلتي على قارعة الطريق بعدما غمرت مياه الصرف الصحي الخيمة. رحلة النزوح هذه المرّة صعبة ومليئة بالتعب والإرهاق". يحكي بصوت يملأه القهر: "ما إن نستقر في مكان معين حتى نضطر إلى النزوح مرّة أخرى. أصبحنا أرواحاً بلا أجساد. لم نعد نقوى على الحياة. نحن مشردون بلا مأوى. نتمنى أن تتوقف هذه الحرب التي لم ترحم البشر ولا الحجر".
أما الفلسطيني محمد أبو العيش، فقد عاش بدوره تفاصيل قاسية جراء القصف المستمر لمنطقة تل الزعتر الواقعة شرق مخيم جباليا، شمال القطاع، على مدار أكثر من أربعة أيام، قبل أن يضطر إلى النزوح القسري. يقول لـ"العربي الجديد": "قصفت طائرات الاحتلال الطابق الثالث من المنزل الذي أعيش فيه، وارتقى أكثر من 17 شهيداً، الأمر الذي أدى إلى خلق حالة من الخوف بين جميع أفراد العائلة، خصوصاً الأطفال. وفي اليوم الذي تلاه، قصف الاحتلال منزلاً آخر مقابلاً لمنزلي، فزادت حالة الخوف".
ويوضح قائلاً: "اضطررنا للنزوح من المنزل والتوجه إلى بيت أحد الأقارب قرب مستشفى العودة في تل الزعتر، لكن الأوضاع اشتدت أكثر، فنزحنا إلى أقرب منطقة نشعر فيها بالأمان ونهدئ من روع أطفالنا. توجهنا إلى وسط مدينة غزة في رحلة نزوح كانت قاسية وصعبة للغاية". يضيف: "نعيش ظلماً كبيراً جراء النزوح المتكرر، الذي تزامن هذه المرّة مع تفشي المجاعة في القطاع، وهو ما زاد المعاناة".
كانت المسنة نهلة أبو رواع تجلس أمام خيمة نصبتها داخل مدرسة تؤوي نازحين في مدينة غزة، تقول: "عشنا أياماً قاسية وصعبة للغاية في معسكر جباليا جراء شدة القصف وإطلاق القذائف خلال الأيام الماضية، ما دفعنا للنزوح القسري بحثاً عن منطقة آمنة". تتابع: "نعيش حياة مأساوية وفي بيئة غير نظيفة تساعد في انتشار الأمراض بين النازحين، تضاف الى ذلك حالة المجاعة التي تضرب قطاع غزة منذ الشهر الماضي".
وتشير المعلومات إلى أن عدد النازحين في مدينة غزة بلغ حوالي 270 ألفاً في الوقت الحالي، بعد نزوح أكثر من 150 ألف مواطن من محافظة شمال غزة وسط ظروف معيشية قاسية، بحسب مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان.
لم يقتصر النزوح القسري على مناطق شمال القطاع، إذ شهدت مدينة خانيونس بأكملها، وخصوصاً أحياءها الشرقية، حركة نزوح جماعية لآلاف المدنيين بعد التهديدات المباشرة من جيش الاحتلال بالإخلاء الفوري.
وعلى وقع أزيز الرصاص وإطلاق القذائف، حزمت المُسنة الفلسطينية أم غانم صادق أمتعتها وهمّت بالنزوح من وسط مدينة خانيونس إلى منطقة المواصي غرباً، التي يدّعي الاحتلال آنها "مناطق آمنة". تقول لـ"العربي الجديد": "في ظل انعدام الخيارات المتاحة لدي، وبعد إطلاق النار الكثيف، لم يكن أمامي إلا النزوح نحو المواصي هرباً من الموت وبحثاً عن منطقة يسود فيها الأمان ولو قليلاً. كانت تلك الرحلة شاقة ومؤلمة، في ظل شح وسائل النقل والمواصلات، ما دفعنا للسير على الأقدام". تضيف: "سئمنا من النزوح المتكرر منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر وحتى الآن، الأمر الذي ينعكس سلباً على حياتنا اليومية ويزيد أعباء الحياة الملقاة على عاتقنا".
وشهدت خانيونس بأكملها، وخصوصاً أحياءها الشرقية، حركة نزوح جماعية لآلاف العائلات الفلسطينية، بعد تهديدات الاحتلال بالإخلاء الفوري من أجل البدء بالعملية العسكرية التي أعلن عنها. ولم يعد النزوح في غزة فقط انتقالاً من مكان إلى آخر، بل هو انتقال دائم نحو المجهول، وسط موت وجوع وقهر.
وتؤكد الأمم المتحدة الحاجة الملحة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مشيرة إلى أن القطاع بحاجة إلى 500 شاحنة على الأقل من المساعدات والسلع التجارية يومياً. وذكر برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من 116 ألف طن من الغذاء، وهي كمية تكفي لإطعام مليون شخص لمدة تصل إلى أربعة أشهر، جاهزة للدخول.