نحو معاهدة لجوء أوروبية أكثر تشدّداً

نحو معاهدة لجوء أوروبية أكثر تشدّداً... تعزيز التضامن وآليات فحص وترحيل للاجئين

23 سبتمبر 2020
ستُناقَش معاهدة لجوء جديدة (ناصر السهلي)
+ الخط -

بعد خمس سنوات من أزمة اللاجئين، التي اعتُبرت خانقة لدول الاتحاد الأوروبي، تمضي المفوضية الأوروبية، برئاسة أورسولا فون ديرلاين، اليوم الأربعاء، نحو مناقشة معاهدة لجوء جديدة، في ظاهرها تضامن، وفي حقيقة ما تسرب عنها أنها أكثر  تشدداً مع قضايا اللجوء نحو القارة الأوروبية.

وبالرغم من تكتم المفوضية الأوروبية على خطتها لتوقيع دول الاتحاد على ميثاق جديد، قبيل مناقشات اليوم الأربعاء، فإن ما يرشح من عناصر الاتفاقية الجديدة ذهاب الأوروبيين إلى 10 نقاط لتعديل سياسات اللجوء.

القضية الأساسية التي واجهت دول الاتحاد في 2015 (28 دولة، واليوم 27 بعد خروج بريطانيا) تمثلت بالخلاف على كيفية توزيع اللاجئين/ المهاجرين، إذا كان بلد الوصول غير قادر على مجاراة الأعداد الواصلة. وحاول الأوروبيون في 2016 دفع إعادة توزيع إلزامي من جميع الدول الأعضاء. الموقف بات معروفاً، فعدد من الدول، في شرق القارة ووسطها وشمالها، عارضوا أو تهربوا من تنفيذ الخطة، التي جرى تعويضها باتفاقية "تركية-أوروبية" لإعادة المرفوضة طلباتهم في دول الاتحاد من اليونان، دولة الانتظار، إلى تركيا.

الصورة
ميثاق مهاجرين (ناصر السهلي)
إمكانية الرفض والترحيل قبل دخول الاتحاد الأوروبي (ناصر السهلي)

المناقشات الحالية تحاول إعادة إحياء النهج الذي لم يُلتَزَم، ومن بين أشياء أخرى سيتضمن الميثاق الجديد، وفقاً لما ناقشته لجان مختصة أوروبية، نقطة تتعلق بـ"الضغط على زر التضامن". ما يعني أن الدول التي ستطلب تضامن الدول الـ27 لتخفيف الأعباء يجب أن تنشأ لديها أزمة حادة في قدوم مهاجرين، وإذا أسفرت عمليات البحث والإنقاذ في المياه (خصوصاً المتوسط) عن عدم قدرة الدول على التعامل مع القادمين، أي إذا شكّل ذلك ضغطاً على نظام الهجرة في دول الاستقبال. وتطمح المفوضية الأوروبية إلى مسارعة الدول الأعضاء لتقديم يد العون للدول "بحيث لا تترك أية دولة تواجه بمفردها ضغوط الهجرة".

الصورة
ميثاق مهاجرين (ناصر السهلي)
نحو تسريع آليات الترحيل (ناصر السهلي)

وحاولت المفوضية الأوروبية خلال الأيام الماضية مناقشة فرض تخفيف الأعباء عن دول الاستقبال (كإيطاليا واليونان اللتين اشتكتا كثيراً من غياب التضامن الأوروبي)، ولكن من غير المعروف كيف سيطبّق هذا الفرض على دول مثل المجر وبولندا والدنمارك وأخيراً النمسا، التي ترفض أن تكون جزءاً من مناقشات ميثاق اليوم الأربعاء.

ويبدو واضحاً من مناقشات سياسة الهجرة الجديدة، من خلال ميثاق أوروبي، أن الهدف خلق آليات تضامن والتخطيط لاستقبال مختلف، حتى لا يقع الأوروبيون في مأزق شبيه بما جرى في معسكر موريا اليوناني الذي تعرض لاحتراق تام، وتشرد نتيجة ذلك 12 ألف طالب لجوء وهجرة، أو ما جرى على متن باخرة "ميرسك" الدنماركية في وقت سابق من الشهر الحالي، ببقاء نحو 30 مهاجراً على متنها لنحو 27 يوماً، قبل نقل المهاجرين إلى سفينة إنقاذ غير حكومية في البحر الأبيض المتوسط.

الوجه الآخر للتضامن

الشيء المركزي، خلف تعبير التضامن الأوروبي، وفقاً لمصادر خاصة بـ"العربي الجديد" في كوبنهاغن، ومطلعة على مناقشات أوروبية، أن الميثاق يركز أكثر على سياسة الترحيل. وفي السياق يناقش الأوروبيون "تسريع آليات ترحيل المهاجرين/ اللاجئين المرفوضين بطريقة أكثر فعالية عن السنوات التي سبقت، وخصوصاً منذ 2016، وتسعى المفوضية إلى فرض آليات وإجراءات تغير المعمول فيه في السنوات الماضية".

الصورة
ميثاق مهاجرين (ناصر السهلي)
مساعٍ لعدم تكرار أزمة 2015 (ناصر السهلي)

ولتطبيق تلك السياسة، تسمي المفوضية الأوروبية "تعزيز البعد الخارجي"، كإحدى دعائم رفض وترحيل الواصلين إلى البر الأوروبي. ويشمل ذلك إجراءات عدة، من أهمها العودة إلى ما طرح خلال 2016 و2017 لتعاون أوروبي مع دول المنشأ. وليس بالضرورة مع الدول الأصلية لطالبي اللجوء، بل دول أقام فيها أو عبرها هؤلاء قبل الإبحار و الوصول إلى أوروبا، ومن بينها دول في شمال أفريقيا.

ويقدم الاتحاد الأوروبي في سبيل تعزيز إعادة هؤلاء إلى دولة المنشأ "حوافز تساعد المهاجرين أو الراغبين في مغادرة البلاد للحصول على حياة أفضل، بدل المخاطرة بحياتهم في طريقهم إلى أوروبا، ثم إعادتهم مرة أخرى". وتسعى أوروبا إلى الاتفاق على "آلية مشتركة وفعالة لترحيل المرفوضة طلبات إقاماتهم" بدل الانتظار لسنوات في معسكرات ترحيل أو مخيمات مغلقة تضم عوائل وأطفال يكبرون في عزلة عن مجتمعات الاستقبال الأوروبية، كما هي الحالة على سبيل المثال في الدنمارك، وغيرها كجارتها السويد التي يمكن أن يبقى اللاجئ منتظراً سنوات عديدة دون إقامة وحق عمل، وفجأة يُبلَّغ بأنه على وشك الترحيل، بعد الاتفاق مع سلطات الدول الأصلية، وطبق ذلك بشكل خاص على اللاجئين الأفغان الذين رفضوا منذ سنوات.

أحد الإجراءات الأخرى التي يأمل الأوروبيون تبنيها تتمثل، استكمالاً لما سبق، بتبني نموذج يسمى "عملية المسح (الفحص screening سكريننغ)" للمهاجرين، حين يصلون إلى الحدود الخارجية لاتحاد الأوروبي (الممتدة عبر المتوسط وبحر إيجه ودول البلقان). والآلية المشار إليها ستزود "موظفي أوروبا لحماية الحدود واستقبال المهاجرين بأدوات وآليات تسرع من عملية التعرف إلى هوية الشخص والفحص الصحي ومواصفات السلامة وإجراء فحص أولي لبلد الشخص وما إذا كان هناك خطر على حياته أو لا لمنحه لاحقاً اللجوء من عدمه". ويعتبر الأوروبيون أن ذلك سيسهّل معرفة البلد الأصلي للأشخاص (حيث عانت مع بعض الحالات التي ادعت أنها من جنسيات معينة ولم تكن كذلك، ما أوقف عملية الترحيل)، وإمكانية رفضه على الحدود الأوروبية وعدم السماح للأشخاص بدخول أراضي الاتحاد الأوروبي، ما يعني "تسريع وتسهيل ترحيل مَن لا يملك سبباً وجيهاً للحصول على حماية".

وعلى الرغم من مناقشة الأوروبيين لما يسمى "البعد الخارجي"، فإن مشاكل تقنية عديدة واجهت تنفيذ مثل تلك السياسات المقترحة. فقد تقدمت الدنمارك منذ سنوات، مدعومة بمواقف دول أوروبية أخرى، باقتراحات إقامة معسكرات استقبال خارج الحدود الأوروبية، لمعالجة الطلبات دون حضور المهاجرين بأنفسهم إلى البر الأوروبي، واقتُرِحَت دول مثل تونس ومصر والمغرب وغيرها، ويبدو أن الميثاق الجديد لن يحتوي على إنشاء منصات استقبال خارجية. ويتجه الأوروبيون إلى تعزيز التعاون مع دول جنوب حوض المتوسط وشرقه لتعويض فكرة نقاط استقبال خارجية.

 

المساهمون