نازحو مخيمات شمال الضفة الغربية... أجواء النكبة من جديد

13 فبراير 2025
فلسطيني داخل مبنى دمره جيش الاحتلال في مخيم الفارعة، 12 فبراير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من مخيم الفارعة بعد عدوان استمر أسبوعين، مما أدى إلى نزوح عشرات العائلات وتدمير منازلهم، مثل عائلة صفاء الغول التي اضطرت للنزوح بعد اقتحام منزلهم.

- لجأ النازحون، مثل الحاج وائل أبو شمعة وعائلته، إلى المسجد في مخيم طولكرم، حيث يعيشون في ظروف صعبة مع نقص الاحتياجات الأساسية، مما أدى إلى انقطاع الطلبة عن مدارسهم.

- يشير رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم طولكرم إلى نزوح أكثر من 85% من السكان، مع تدمير مئات المنازل، ويؤكد على ضرورة تدخل الحكومة لتقديم الدعم والإغاثة.

رغم انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي، أمس الأربعاء، من مخيم الفارعة للاجئين الفلسطينيين جنوب مدينة طوباس شمالي الضفة الغربية المحتلة، بعد عدوان موسع استمر لنحو أسبوعين، لم تعد عشرات العائلات التي نزحت منه تحت تهديد جنود الاحتلال، لأسباب منها خوفها من عودة اقتحام المخيم أو الدمار الذي لحق بمنازلها، وانعدام ظروف المعيشة الكريمة.

عائلة صفاء الغول المكونة من 11 فرداً، نزحت من مخيم الفارعة في اليوم الثالث للعدوان، بعدما اقتحم جنود الاحتلال العمارة السكنية التي يقطنون فيها وأجبروهم تحت جنح الظلام والبرد على الخروج دون السماح لهم بأخذ أي شيء. تقول صفاء لـ"العربي الجديد": "منذ اليوم الأول فرض الاحتلال حصاراً خانقاً على المخيم وأغلق مداخله وعشنا أياماً عصيبة للغاية، ولا سيما أننا نقطن بالقرب من مقر لجنة الخدمات الشعبية الذي هدم الاحتلال واجهته الأمامية وحوله إلى ثكنة عسكرية لجنوده".

كان قرار العائلة، التي تضم الأم وأبناءها الذكور وزوجاتهم وابنتيها، ومنهم صفاء، بالصمود ورفض الخروج، رغم انقطاع المياه والكهرباء، وتلا ذلك نقص الغذاء والدواء وعدم توافر مستلزمات الأطفال. تضيف: "في اليوم الثالث داهم جيش الاحتلال منزلنا واعتقل أحد أشقائي، وشرع في تدمير محتوياته بالكامل، ثم أبلغنا الضابط الإسرائيلي بأن علينا المغادرة وعدم الرجوع إليه إلا بعد ثلاثة أسابيع، وخلال خروجنا لاحظنا نصبهم للقناصة على نوافذه وسطحه". لم تجد العائلة سوى منزل أحد أبناء عمومتهم الذي رحّب بهم، رغم ضيق مساحته، ولا سيما أنه بات يضم نحو 30 شخصاً، فقد سبقتهم إليه أسرة نازحة من المخيم.

مرت الأيام ثقيلة، لكن الأمل بالعودة كان يحدو الجميع، ومع تباشير انتهاء العملية وانسحاب الاحتلال من المخيم، خرج الذكور لتفقد بيوتهم، وهنا كانت الصاعقة، تصف صفاء الاتصال الذي أجراه معها شقيقها فور وصوله إلى بيتهم بأنه مؤلم جداً، حيث فتح لهم الكاميرا ليشاهدوا الدمار الذي حل به، لدرجة أن الاحتلال هدم جدراناً داخلية وغيّر من معالمه. توضح صفاء: "وين نرجع! ما في بيت. بدو إعادة ترميم من الصفر. هذا مش حالنا وحدنا، بل أكثر من 250 عائلة تعرضت بيوتها للتخريب والتدمير المقصود. رح يضلوا نازحين حتى يرمموا منازلهم".

لم يجد سوى المسجد 

أما الحاج وائل أبو شمعة من مخيم طولكرم شمالي الضفة الغربية، فلم يجد غير المسجد بيت الله ليلجأ إليه برفقة عائلته، ويقول لـ"العربي الجديد": "كنّا نشاهد عبر شاشات التلفزة أهلنا في غزة وهم ينزحون من مكان لآخر، ولم نتوقع للحظة أن نعيش المعاناة ذاتها، فها أنا منذ عشرين يوما أعيش ومعي العشرات في المسجد، النساء والأطفال في الدور السفلي ونحن الرجال في المصلى الرئيسي".

يضيف: "نحاول جاهدين أن نحافظ على حرمة المسجد، لكن السيطرة على هذا العدد الكبير ليس سهلاً. في النهار نرتب أمورنا، ولكن في الليل لا ينام الأطفال وهم يصرخون ويبكون من شدة البرد الذي نهش أجسادهم، هذا إضافة إلى وجود مرضى وشخص يعاني من إعاقة حركية".

ومع بدء الفصل الدراسي الثاني، انقطع معظم الطلبة عن مدارسهم، حيث يقول أبو شمعة: "خرجنا بملابسنا، أصغر أبنائي بالجامعة، ولدي 3 أحفاد بالمدرسة، وطبعاً لم يذهب أي منهم إلى مدرسته أو جامعته، أسوة بالغالبية العظمى من النازحين". ولا يعلم أبو شمعة المدة التي سيمضيها في المسجد، قائلاً: "نحاول أن نستأجر بيتاً في طولكرم أو المناطق المجاورة لها. لكننا لا نملك المال، ولا يوجد لدينا أقارب نذهب إليهم، يجب على محافظة طولكرم والحكومة الفلسطينية التحرك العاجل لإيواء الآلاف".

أكثر من 85% من مجمل سكان المخيم أجبرتهم قوات الاحتلال على النزوح، منذ بدء عدوانها في 27 يناير/كانون الثاني الماضي

ويشير رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم طولكرم، فيصل سلامة، إلى أن أكثر من 85% من مجمل سكان المخيم أجبرتهم قوات الاحتلال على النزوح، منذ بدء عدوانها في 27 يناير/كانون الثاني الماضي، إذ تعرّض نحو 300 مبنى يضم منازل وشققاً تسكن فيها عشرات الأسر للتدمير أو الحرق، ونحو 2000 منزل لحقت بها أضرار جزئية، بتدمير واجهاتها الأمامية وأبوابها، وإتلاف محتوياتها كافة من الغرف الداخلية والأثاث، وبالتالي لم تعد تصلح للسكن.

وعن متابعتهم لشؤون النازحين، يقول سلامة في حديث لـ"العربي الجديد": "إن اللجنة، بالتنسيق مع الجهات الرسمية والشعبية، تحاول جاهدة أن تحصي أماكن وجودهم، فهناك من ذهب عند أقاربه، وهناك من يقيم حالياً في بعض المقرات التابعة لجمعيات خيرية واجتماعية، وجزء يقيم في بعض المساجد، من وصلنا إليهم وفرنا لهم اللوازم، وبخاصة الأغطية والفُرُش والحرامات والطرود الغذائية والدواء".

تشتت العائلات 

أما الكاتب والمحلل السياسي سري سمّور من جنين، فيشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك كارثة حقيقية تتعلق بمصير أكثر من 40 ألف شخص نزحوا من مخيمات شمال الضفة الغربية وتشتتوا في كل مكان، وتفرقت عائلاتهم، ولم يعد لهم بيت يعودون إليه. ويقول سمور: "آلاف العائلات هُجِّرت قسراً منذ بدء الهجوم أولاً على مخيم جنين ثم مخيمي طولكرم ونور شمس، والفارعة، والاحتلال كان معنياً جداً بجعل مخيمات اللاجئين في الشمال غير صالحة للسكن، وبالتالي تلك الأسر تعيش النكبة من جديد بعد أن عاشها أجدادهم عامين 1948 و1967". ويؤكد سمور أن على الحكومة، بالتنسيق مع الجهات كافة ذات الصلة، المسارعة لإنقاذهم وتشكيل لجان عمل لحصرهم أولاً وتقديم ما يلزم لهم بشكل إغاثي، ومن ثم وضع الخطط لإيوائهم.

المساهمون