نازحو لبنان... مراكز إيواء لا تزال مفتوحة في بيروت

06 يناير 2025
في مبنى جامعة هاواي، 4 يناير 2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الوضع الإنساني للنازحين في بيروت: يواجه النازحون من الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع تحديات معيشية كبيرة في مراكز الإيواء ببيروت، معتمدين على المساعدات وسط نقص في التدفئة والملابس الشتوية، مما يؤثر بشكل خاص على الأطفال.

- التحديات الاقتصادية والاجتماعية: يعاني النازحون من ضغوط اقتصادية بعد فقدان وظائفهم ومصادر دخلهم، مع احتمالات زيادة الإيجارات ووجود آثار نفسية جراء الحرب، مما يعقد الوضع الاجتماعي والاقتصادي.

- الجهود المبذولة والدعم المتاح: تقدم الجمعيات والمنظمات دعماً محدوداً للنازحين، لكن تواجه تحديات نقص الموارد والتمويل، مع تهديدات بإخلاء مراكز الإيواء مثل مبنى جامعة هاواي، مما يفاقم عدم الاستقرار.

رغم سريان وقف إطلاق النار في لبنان، تمنع الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في قرى جنوبية وحدودية، وأوضاع المنازل كثيرين من العودة، ويتواجد بعضهم في مراكز إيواء بالعاصمة بيروت.

بعد شهر على توقف الحرب على لبنان، لا يزال العديد من أهالي الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع يتوزعون على مراكز إيواء في العاصمة بيروت، من بينها المدينة الرياضية والكرنتينا وهاواي في منطقة الحمرا. ويناهز عدد النازحين في المراكز الثلاثة 750.
في الباحة الخارجية للمدينة الرياضية التي سميت بقرية بنين، يشرب نازحون قهوتهم الصباحية مستغلين الطقس المشمس بعد أسبوع ممطر، فيما تبدو الحركة خفيفة داخل الأروقة، وتهتم سيدات بأعمال التنظيف. تقول الشابة عفيفة ترمس من بلدة طلوسة الحدودية، لـ"العربي الجديد": "نفسيتي مدمرة، ولا أعلم متى ينتهي النزوح، كما لا أعرف وضع منزلنا في الجنوب. يؤمن المركز الأكل والمنامة، لكننا نحتاج إلى أموال لجلب احتياجاتنا، علماً أن والدي يحتاج إلى إجراء عملية البروستات في أقرب وقت".
بدورها، تقول جميلة حسن (65 سنة)، النازحة من بلدة مشغرة في البقاع الغربي، لـ"العربي الجديد": "ننتظر أن يُصلح المالك الشقة التي كنا نعيش بها في الضاحية الجنوبية، مع احتمال أن يزيد الإيجار الشهري الذي كان 150 دولاراً. حتى لو دفع لي حزب الله مبلغاً للإيواء، فلا قدرة لدي على تأمين مستلزمات العيش، لذا أمكث في المدينة الرياضية لمحاولة تخفيف المصاريف".
تقاوم فاطمة الحسين، وهي أم لطفلتين، مشقة النزوح، وتقول لـ"العربي الجديد": "دمّر منزلنا في غارة استهدفت منطقة برج البراجنة بالضاحية، ونعيش أياماً صعبة في مركز المدينة الرياضية. الأطفال يحتاجون إلى مصاريف يومية، وإلى ثياب، ولا يمكن أن نحرمهم الأساسيات. أقوم بمهمات تنظيف وأخرى لوجستية لحساب الجمعية بأجر 10 دولارات يومياً، وما أشاهده على التلفزيون يُفقدني الأمل في العودة إلى الضاحية. قبل الحرب كنت أعمل مربية منزلية لطفل، وأسكن في شقة مستأجرة علمت أن صاحبها قد يرفع الإيجار بعد إعادة الإعمار، فأين أذهب ببناتي؟".
كانت أنيسة قاروط تعيش مع عائلتها في الضاحية، ونزحت خلال الحرب إلى مدرسة في رأس النبع، ثم انتقلت إلى المدينة الرياضية، وتقول لـ"العربي الجديد": "على الأقل لا أدفع هنا أجرة، علماً أنني لا أستطيع استئجار شقة، كما أن الأكل والشرب والكهرباء مؤمنة، وأيضاً الأدوية الأساسية، لكن الوضع الذي مررنا به خلال الحرب أثر في نفسيتي".

يواجه نازحو المدينة الرياضية مشكلة اقتصار التدفئة على الأغطية

ويشكو النازحون في المدينة الرياضية باقتصار التدفئة على الأغطية الشتوية، بينما يحتاج أغلبهم، وخصوصاً الأطفال، إلى ثياب شتوية ثقيلة.
بدورها، تخبر آيات علوية "العربي الجديد" أن منزلها المستأجر في بلدة بافليه بقضاء صور تهدّم، وخسر زوجها عمله. وتقول: "بعدما أمضينا شهرين ونصف في مركز الفندقية بالدكوانة، نُقلنا إلى المدينة الرياضية حيث السكن أفضل، لكن يلزمنا بعض الأموال لتسيير أحوالنا، وتأمين متطلبات ابني البالغ 9 سنوات. أصوات القصف والطيران خلقت ردود فعل عصبية ومتوترة لدى ابني، وهو لا يتقبل فكرة السكن في المدارس، ولم يلتحق بمدرسته، ويتابع صفوفاً في مركز المدينة الرياضية".
وتصف سيدة من بلدة طورا بقضاء صور، رفضت ذكر اسمها، الاستقرار في مركز المدينة الرياضية بعدما تضرر منزلها في صور بأنه "نعمة"، خصوصاً أن زوجها متقاعد. وتقول لـ"العربي الجديد": "يتوجه زوجي يومياً إلى طورا لمتابعة موضوع التعويضات والمسح، ومحاولة إصلاح الأضرار للعودة في أقرب وقت. في المدرسة التي تهجرنا إليها كنت أغسل الملابس بيدي، فيما يحتوي مركز المدينة الرياضية على غسالات ومياه ساخنة، ووجبات الأكل مؤمنة، وندفع أموالاً بسيطة لتأمين بعض الاحتياجات الأساسية للأولاد".

في المدينة الرياضية، 4 يناير 2025 (العربي الجديد)
في المدينة الرياضية، 4 يناير 2025 (العربي الجديد)

ويقول علي بزي المتحدر من بلدة بنت جبيل لـ"العربي الجديد": "لا أعرف مصير منزلي. صمدت طوال الحرب في بنت جبيل قبل أن تتوسع، ومنذ نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي نزحت إلى مدرسة الشويفات. أحتاج نحو 30 دولاراً يومياً لتأمين مستلزمات أطفالي الأربعة، وأجد صعوبة في البحث عن عمل في بيروت لأنني غريب عنها، علماً أنني كنت أعمل في الزراعة في قرى محيط بنت جبيل".
وتحدد ريم إسماعيل التي تعمل مع جمعية بنين التي تدير مركز الإيواء، عدد النازحين في المدينة الرياضية بـ380 شخصاً، وأن عائلتين ستأتيان من فندق جفينور ليصبح العدد 400 نازح. ويبلغ عدد غرف المدينة الرياضية 85 غرفة تتوزع عليها العائلات بحسب عدد الأفراد، وغالبيتها صغيرة تتسع لأربعة أو خمسة أفراد، والمتوسطة تتسع لستة أفراد، والكبيرة لنحو عشرة.
وتوضح إسماعيل لـ"العربي الجديد" أن "مركز المدينة الرياضية سيبقى مفتوحاً حتى انتهاء الإعمار، علماً أن عدداً كبيراً من العائلات من سكان قرى حدودية لا يعلمون شيئاً عن منازلهم. نوفر مستلزمات الأكل والشرب والمنامة والأدوية وبعض الخدمات الطبية، ويحتوي المركز على 4 صفوف لتعليم الأطفال، وتؤمن الدروس جمعيتي (سما) و(عامل). أغلقت مداخل المركز بنايلون سميك، وجرى توزيع مزيد من الأغطية الشتوية، لكن لا يمكن وضع وسائل تدفئة تستخدم الغاز أو الكهرباء".

حصص طعام في جامعة هاواي، 4 يناير 2025 (العربي الجديد)
حصص طعام في جامعة هاواي، 4 يناير 2025 (العربي الجديد)

ومن الأماكن التي لا تزال مفتوحة أمام النازحين مبنى جامعة هاواي في الحمرا. وتقول نجاة قرعوني الذي تدمّر منزلها في الغبيري لـ"العربي الجديد": "وعدتُ بتلقي 200 دولار شهرياً من حزب الله، لكن لم أتلقّ أي مساعدة، وقد خسرت عملي كممرضةً. بعض المستلزمات مؤمنة في المركز باستثناء التدفئة، أما الأغطية الشتوية فهي غير كافية". 
ويتحدث علي علوية من بلدة مارون الراس (جنوب) عن أمله في العودة إلى بلدته، واستئناف العمل في مهنة حدادة السيارات. ويقول لـ"العربي الجديد": "كنت أساعد الأيتام والفقراء في قريتي. اليوم بتّ أطلب مساعدة لي ولعائلتي. أعادتنا الحرب إلى الحضيض. لا بيت ولا مأوى، وأنا عاطل من العمل، وأنتظر اللقمة. قبل أسبوعين أعدت عائلتي إلى منزل قدمه أقارب بالمجان في بلدة أنصار، كي يلتحق أولادي بالمدرسة، لكنه أخاف من أن يطلب مني أصحاب المنزل إخلاءه في أي لحظة". ويضيف: "بقيت في هذه الغرفة في بيروت كي لا أخسر المأوى في حال تدهورت الأمور مجدداً. خسرت جنى العمر في هذه الحرب، ويصعب عليّ أن أفكر بالتأسيس من جديد، خصوصاً أن إسرائيل قد تستأنف الحرب".

نازحو مبنى جامعة هاواي مهددون بالمغادرة لأنه معروض للبيع

من جهتها، تقول رويدا سعيد من قرية مليخ بقضاء جزين، لـ"العربي الجديد": "كنت أسكن في الضاحية الجنوبية، وأنتظر حالياً الفرج. أعيش على راتبي التقاعدي، وأنا رقيب أول سابق في قوى الأمن الداخلي، وتحتاج ابنتي ذات الإعاقة إلى علاج ومصاريف تناهز 500 دولار شهرياً، ولا نعرف هل ستُدفع لنا تعويضات أو بدل إيواء".
ويقول حسن زاد، المسؤول عن مبنى جامعة هاواي، إن "المبنى يستضيف 250 شخصاً، لكنهم باتوا مهددين بالخروج منه في أي لحظة لأنه معروض للبيع. خلال أشهر الحرب كانت الدولة مسؤولة عن بعض الأمور، وحزب الله كان يسدد فاتورة اشتراك الكهرباء، وتبلغنا أخيراً أن هذه المبادرات ستتوقف، فيما نشعر بمسؤولية تجاه الموجودين في المكان، وأغلبهم من كبار السن وذوي الإعاقة، أو أفراد ليس لديهم عائلات".

وفي مركز الكرنتينا الذي تديره جمعية فرح العطاء، يقول المسؤول عنه المقدم المتقاعد علي حمادي لـ"العربي الجديد": "يستضيف المركز 120 شخصاً حالياً بعدما كان عددهم نحو 700، واستضفنا بعد الأحداث الأخيرة في سورية 33 من أفراد عائلات عراقية كانت تقطن في محيط السيدة زينب في دمشق. تذهب العائلات يومياً إلى منازلها المتضررة لإصلاحها كي يعودوا إليها في أقرب فرصة".
يتحدث علي الحسيني عن كوارث لحقت به من جراء الحرب، ويقول: "توقف عملي وتدمّر منزلي في الضاحية، وقبل أن أنزح أصيب ابني الذي كان يتحضر لدخول إلى الجامعة، بصدمة نفسية، وأحاول علاجه. يفترض أن يجري تعويضنا بمبلغ 8 آلاف دولار من قبل حزب الله لتأمين شقة وفرشها من جديد، لكن هذا المبلغ لا يكفي مع غلاء الأسعار".
وتقول سيدة لم تذكر اسمها تدمّرت شقتها في حيّ البياض بالنبطية، ونزحت إلى مركز الكرنتينا.: "بعدما توقفت الحرب بدأت بالعمل كممرضةً في مستشفى من أجل تأمين لقمة العيش. حتى لو أن مركز الكرنتينا مؤهل بالمستلزمات الأساسية، لكن لا تُقدَّم لنا أي مساعدات مالية. يلزمني نحو 10 دولارات يومياً من أجل مواصلات العمل، فيما لا يعمل زوجي. لم يعترف صاحب الشقة التي كنت أقطن بها في النبطية بأننا كنا مستأجرين عنده، إذ لم يكن هناك عقد إيجار، ويبدو أن لا أحد سيقدم لنا تعويضات".

المساهمون