استمع إلى الملخص
- يستعد النازحون للعودة بتجهيز المستلزمات الأساسية، مثل الملابس والأغطية، مع أمل أن تكون منازلهم سليمة، بينما يرسل البعض أفراداً لتفقد المنازل أو يشتري الأدوات لإصلاح الأضرار.
- تواجه العائلات تحديات كبيرة بسبب فقدان المنازل أو قربها من مناطق الخطر، مع الحاجة إلى دعم مادي ونفسي لإعادة بناء الحياة بعد النزوح القسري.
يستعدّ النازحون الفلسطينيون، الذين لم يُسمح لهم بعد بالتوجه إلى مناطقهم، للعودة إلى منازلهم التي تركوها بسبب القصف والدمار والتهجير القسري، وحزموا أمتعتهم التي رافقتهم طوال فترة النزوح. ويعيش الفلسطينيون مشاعر الفرح والأمل مع اقتراب موعد رجوعهم إلى بيوتهم ومناطقهم السكنية التي حرموا منها عنوة. فرح ممزوج بالقلق والخوف من الخروقات الإسرائيلية وعدم الالتزام ببنود الاتفاق، ومما سيجدونه لدى العودة. وتحمل قلوبهم غصة فقدان الأقارب والجيران والأصدقاء.
بدأت عودة النازحين منذ اللحظات الأولى لإعلان بدء سريان وقف إطلاق النار يوم الأحد الماضي، في المناطق المحددة وفق الخرائط الإسرائيلية في بعض المحافظات الجنوبية، مثل مدينتي خانيونس ورفح، والمناطق الوسطى المحاذية لوادي غزة. وعاد بعض أهالي محافظة شمال قطاع غزة إلى ركام بيوتهم، فيما ينتظر أهالي محافظة غزة اليوم السابع من الهدنة، أي الخامس والعشرين من الشهر الجاري، للسماح لهم بالتوجه نحو مدينتهم، بعد انسحاب قوات الاحتلال من محور نتساريم (ممر يفصل مدينة غزة وشمالها عن المنطقة الوسطى وجنوب القطاع)، بحسب بنود الاتفاق.
توجه بعض الفلسطينيين برفقة عائلاتهم إلى المناطق المسموح بالعودة إليها، فيما أرسل آخرون أفراداً من العائلة أو الجيران لتفقد منازلهم قبل اتخاذ قرار العودة، في محاولة لمعرفة مدى صلاحية المنزل للسكن، أو إذا كان يحتاج لإصلاحات عاجلة. وينتظر بقيّة النازحين الموعد المحدّد للعودة إلى المناطق غير المسموح بالعودة إليها سوى في اليومين السابع والثاني والعشرين من الاتفاق.
ويجهز النازحون ما تبقى لديهم من مستلزمات أساسية كانوا قد نزحوا بها، مثل الملابس والأغطية والفرش، استعداداً لإعادة ترتيب حياتهم في منازلهم. كما جهزوا أدوات التنظيف، على أمل أن تكون منازلهم سليمة باستثناء بعض الأضرار والأتربة. وبدأ البعض بشراء الأدوات الأساسية للقيام ببعض الإصلاحات الأولية للنوافذ والأبواب والجدران المتضررة.
وتمثل العودة للنازحين فرصة لاستعادة جزء من حياتهم الطبيعية وأمانهم وذكرياتهم العائلية، فيما لا يفارقهم شعور القلق والخوف مما سيجدونه عند العودة، ومدى احتمال أن يكون المنزل قائماً وصالحاً للسكن، وإذا ما بقي شيء من الأثاث. إلا أن هذه الأفكار سرعان ما تتلاشى عند التفكير بلحظة العودة نحو الديار، وأولوية الأمر بالنسبة للفلسطينيين.
لدى النازحين حنين كبير للعودة إلى روتينهم المعتاد، كالجلوس مع الأسرة في المنزل، وإعداد الطعام، واستقبال الضيوف والجيران، وعودة الأطفال إلى غرفهم الخاصة ومدارسهم، علماً أن شريحة كبيرة من العائلات التي فقدت منازلها بالكامل، وتلك التي تخشى على سلامتها بفعل قربها من أماكن وجود قوات الاحتلال، والأكثر فقراً بفعل استنزاف الحرب قدرتها على تغطية تكاليف النقل أو إصلاح المنازل، ستكون عاجزة عن العودة.
في هذا السياق، تقول الفلسطينية، أم خليل السدودي، إنها سعيدة بسبب توقف القصف ومشاهد الأشلاء والدماء، إلا أن العودة ليست سهلة بسبب الازدحام الشديد الذي ستشهده الشوارع بفعل الرجوع الجماعي. تضيف: "نقضي وقتنا في تحضير الأغراض الأساسية، مثل أواني الطبخ، وبعض البطانيات، وأدوات التنظيف، لأنني متأكدة أن المنزل مليء بالأتربة والركام". تضيف في حديثها لـ"العربي الجديد" أن فرحتها ممزوجة بالقلق مما ستجده في بيتها أو منطقتها السكنية، هي التي لا تعرف شيئاً عن منزلها، كما لا تملك إجابات لأطفالها الذين لا يتوقفون عن السؤال عن ألعابهم وغرفهم. ولا تستطيع أن تشرح لهم إمكانية فقدان وتدمير كل شيء "نحن بحاجة إلى المساعدة لنستعيد حياتنا، لأن ما مررنا به أرهقنا نفسياً ومادياً".
من جهته، يتحدث العشريني، إياد أبو دية، عن تجهيزات اقتراب موعد عودته إلى منزله في مدينة غزة، قائلاً إن "المشاعر مضطربة تماماً. لا يزال لدي هاجس من احتمال عدم العودة"، مضيفاً أن الفرحة تبقى غير مكتملة بفعل تدمير الطبقات العلوية من عمارته السكنية، والقلق من عدم صلاحيتها للسكن. ويوضح أن أسرته تقوم خلال الأيام المتبقية من النزوح بتجهيز المتطلبات الأساسية، والتخلص من الأغراض غير الضرورية التي قد تشكل عبئاً خلال طريق العودة، الذي سيشهد ازدحاماً شديداً. وينوي حمل خيمته القماشية تحسباً لعدم قدرته على العيش داخل البيت الذي تعرض للقصف خلال العدوان الإسرائيلي.
ويتطلع أبو دية للعودة إلى حياته الطبيعية، وأن يتمكّن من استكمال دراسته الجامعية من دون عوائق. ويقول: "الحرب أخذت منا الكثير، لكنني أحاول أن أرى في العودة بداية جديدة. أتمنى أن نتمكن من إعادة ترتيب حياتنا، وأن تكون الهدنة بداية سلام حقيقي، لأننا تعبنا من النزوح والخوف".
بدوره، يقول الفلسطيني يوسف السباخي (55 عاماً) إنه عاد إلى منزله لكن المشهد كان صادماً بفعل الدمار الكبير في منطقة سكنه غربي مدينة رفح جنوب قطاع غزة. يضيف: "لا يزال بيتي صامداً لكنه متضرر جداً. في السقف شقوق كبيرة. الأبواب والنوافذ والجدران محطمة. ولم أجد شيئاً من مقتنياتي التي تركتها لحظة النزوح". سيعمل السباخي على إصلاح ما أمكن في بيته المتهالك، رغم الوضع الاقتصادي السيئ، بعدما أنهكه النزوح، واستنفد أمواله ومدخراته وأفقده مصدر دخله.
ويوضح السباخي أن المستقبل لا يزال غير واضح. مع ذلك، لا ينفك عن التمسك بالأمل لعودة كل شيء إلى طبيعته، إيماناً منه بأن العودة إلى البيت لا تقتصر على الجدران والسكن فقط، وإنما تحتاج إلى الأمن، وإعادة الحياة إلى طبيعتها، متمنياً أن تكون هذه الهدنة بداية لاستقرار طويل ونهاية للحرب القاسية. وتمتزج فرحة الرجوع بالخوف من المجهول، إذ إن العودة إلى المنازل في غزة ليست مجرد عملية انتقال مادية، بل تجربة إنسانية مليئة بالمشاعر المتداخلة، في الوقت الذي تتجلى الحاجة الماسة إلى دعم مادي ونفسي لإعادة بناء الحياة، بعد النزوح القسري الذي امتد خمسة عشر شهراً.