نازحو غزة... تكدس وانعدام خصوصية وشحّ طعام ومياه

27 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 15:39 (توقيت القدس)
ينزحون جنوباً عبر شارع الرشيد، 25 سبتمبر 2025 (أحمد العريني/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه النازحون في غزة ظروفًا معيشية صعبة تشمل التكدس وغياب الخصوصية في أماكن الإيواء، مع نقص حاد في الكهرباء والماء والغذاء، مما يؤثر على صحتهم الجسدية والنفسية.
- التعليم يمثل تحديًا كبيرًا في مراكز الإيواء، حيث تسعى المعلمات لتقديم التعليم بوسائل بدائية، مما يساعد في الحفاظ على الأمل للأطفال الذين تأثروا بالنزوح.
- يعاني النازحون من نقص في الرعاية الصحية وضغوط نفسية شديدة بسبب البطالة وغياب الدخل، مما يزيد من حالات القلق والاكتئاب.

يواجه النازحون في قطاع غزة سلسلة متشابكة من الأزمات التي تطاول كل زوايا حياتهم اليومية، وتحديات مركبة تهدد كرامتهم، وصحتهم، وأمنهم النفسي والجسدي، من بينها التكدس وغياب الخصوصية بفعل السكن في مدارس مدمّرة، أو خيام مهترئة لا تقي برداً ولا حرارة، في ظل غياب الكهرباء والماء.
ويمثل التغلب على الجوع معركة يومية في قطاع غزة بفعل اعتماد غالبية النازحين على مساعدات غذائية غير منتظمة، وغير كافية، وغير متوازنة غذائياً، في ظل نقص حاد في مواد الطعام الأساسية مثل الخبز، وحليب الأطفال، والخضروات، وتحاول الأمهات تجهيز الوجبات بما يتوفر، حتى لو كان بلا قيمة غذائية.
نزحت الفلسطينية سائدة الخالدي (43 سنة)، وهي أم لخمسة أطفال، من حيّ الشجاعية لتقيم في مدرسة تحولت إلى مركز إيواء، وتصف الظروف المعيشية بأنها غير آدمية، فالفصول وحتى الحمامات بلا أبواب أو نوافذ، أو كهرباء، فيما المياه قليلة. وتوضح لـ"العربي الجديد"، قائلة: "ينام أبنائي على بطانيات على الأرض، وأصغرهم (سنتين) أصيب بالتهاب رئوي بسبب البرد، ولا أستطيع مراجعة طبيب بسبب توقف معظم المراكز الصحية، والنقص الحاد في الأدوية".
وتشكل النظافة مأساة صحية بفعل ندرة المياه النظيفة، وتضطر الكثير من العائلات إلى استخدام المياه الملوثة، ويتشاركون في دورات المياه المهترئة، ما يخلق بيئة خصبة لانتشار الأمراض، إذ يعاني كثير من الأطفال من الطفح الجلدي، والتهاب العيون نتيجة قلة سبل النظافة.
تهتم المعلمة النازحة من مدينة غزة، افتكار أبو السعيد (38 سنة) بتعليم الأطفال داخل مدرسة إيواء غربي مدينة دير البلح (وسط)، محاولة تجاوز معوّقات التعليم، إذ لا مدارس، ولا مناهج، ولا حتى أقلام. وتقول لـ"العربي الجديد": "أجمع الأطفال في الفناء، وأعلمهم الأبجدية والأرقام باستخدام أغانٍ تعليمية، لكن من دون أي وسائل. المهم الحفاظ على استمرارية التعليم، وبقاء الأطفال على تواصل مع دفاترهم المهجورة بفعل العدوان".
وتبين أبو السعيد أن "التعليم ليس مجرد واجب، بل طاقة أمل، والأطفال يمتلكون طاقات كبيرة، لكن الحرب سرقت طفولتهم، ويحزنني شعور الخوف الذي ينتاب أطفالاً فقدوا أهلهم، أو بيوتهم، أو إخوتهم، وأحياناً يمسك هؤلاء بيدي لمجرد الإحساس بالأمان".

مشاهد النزوح متكررة في غزة، 22 سبتمبر 2025 (Getty)
معاناة النازحين متفاقمة في غزة، 22 سبتمبر 2025 (Getty)

ويبين الفلسطيني محمد رشيد (29 سنة)، الذي كان يعمل نجاراً في منطقة الشاطئ شمال غربي مدينة غزة، أن رحلة النزوح أثرت بحياته بعدما دُمرت ورشته بالكامل في قصف دمر بيته أيضاً. ويوضح لـ"العربي الجديد": "أعيش في خيمة مع زوجتي وطفلي يزن (4 سنوات)، وأنا عاطل بلا عمل، ولا دخل، ولا حتى شعور بالأمان، وأحياناً نقضي يومين من دون خبز، وأضطر إلى الوقوف في طوابير التكايا الخيرية للحصول على قوت يومنا".
ولا تتوفر للنازحين سبل الرعاية الصحية الكافية، فالعيادات المؤقتة تفتقر إلى الأدوية والأطباء، بينما يعاني أصحاب الأمراض المزمنة مثل السكري، الضغط، والسرطان بسبب انقطاع الدواء، وينتظر المرضى أياماً أو أسابيع للحصول على علاج بسيط، إن توفر.
يعاني الستيني أبو أحمد مهنا من مرض السكري منذ 15 عاماً، لكنه لم يحصل على علاجه منذ نزوحه نحو خانيونس، من جراء انهيار المنظومة الصحية. ويقول لـ"العربي الجديد": "اضطررت في البداية إلى تقسيم حبات الدواء المتبقية إلى نصفين، لكن الكمية التي كانت معي نفدت، ما بات يؤثر بقدرتي على ممارسة حياتي بشكل طبيعي، بينما تزيد قساوة العيش داخل الخيمة من معاناتي، وشعوري الدائم بالدوار وعدم التوازن".
ويلفت الخبير النفسي أدهم حسونة، إلى أن أغلب النازحين يفتقدون الأمان النفسي، ويشعرون بالقلق الدائم بفعل أصوات الطائرات والقصف، كذلك فإن ذكريات الهروب والنزوح تلاحق الأطفال والبالغين. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن تراكم الأزمات يزيد حالات القلق، والاكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة، التي أصبحت أمراضاً شائعة في غزة، فيما يعاني الأطفال من التبول اللاإرادي، ونوبات الصراخ، والعزلة".

يضيف حسونة: "تعتبر البطالة وغياب الدخل والمسّ بالكرامة من أبرز الآثار النفسية القاسية، إذ فقد الكثير من أرباب الأسر ورباتها مصادر رزقهم، ولا وجود لفرص العمل، حتى الأعمال البسيطة أصبحت شحيحة، والاعتماد الكلي على المساعدات يخلق شعوراً بالإذلال واليأس. حتى إن التنقل داخل القطاع بات محفوفاً بالمخاطر بسبب القصف، أو إغلاق الطرق، أو شح وسائل النقل، ما يؤثر في العلاقات الاجتماعية".
ويشدد على أن "الضغوط اليومية تؤدي إلى تزايد الخلافات، خصوصاً الأسرية، وينعكس الضغط النفسي على سلوك الأفراد، خصوصاً الأزواج والآباء، ويساهم تشابك الأزمات في زيادة الشعور بالعزلة، إذ يشعر النازح بأنه تُرك وحيداً في مواجهة الجوع والعطش والأمراض، فضلاً عن الشعور بغياب الأفق السياسي، والإهمال الدولي، ما يضاعف الشعور بالتيه والخذلان".

المساهمون