نازحو زغرتا... حسن ضيافة وخوف من انعدام التدفئة

27 نوفمبر 2024
تم تأهيل المطبخ لتوزيع الغذاء على النازحين في زغرتا (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه النازحون في زغرتا الشمالية تحديات كبيرة، منها نقص وسائل التدفئة والاحتياجات الأساسية مثل الملابس الشتوية والإنترنت، مما يزيد من صعوبة الحياة في ظل البرد القارس.
- تطوعت سيدات من المجتمع المحلي ونازحات لتأهيل مطبخ فندقي لتوفير وجبات الطعام، وتسعى المتطوعات لتلبية احتياجات النساء، لكن تبقى مشكلة التدفئة دون حل.
- رغم وصول بعض المساعدات، إلا أن حجمها لا يغطي جميع الاحتياجات، وتواجه السلطات صعوبة في التوزيع العادل بسبب العدد الكبير من النازحين والإجراءات الحكومية البطيئة.

يبدو عدم وجود خطة لتأمين وسائل التدفئة أكبر التحديات التي يواجهها النازحون اللبنانيون في زغرتا الشمالية، على الرغم من التدني الكبير في درجات الحرارة.


تستقبل قرى قضاء زغرتا، أحد أقضية محافظة الشمال اللبنانية، عدداً كبيراً من النازحين من القرى الجنوبية والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع. وتضم حوالي 16 ألف نازح، من بينهم أربعة آلاف موزعون على 18 مركز إيواء في قرى قضاء زغرتا ـ الزواية بحثاً عن الأمان. ويتوزّع البقية على شقق مستأجرة، بالإضافة إلى بعض فنادق المنطقة التي تؤجر الليلة بـ 15 دولاراً أميركياً، فيما يقطن البعض الآخر عند أصدقائهم ومعارفهم. 
تعيش ابنة بلدة الخضر البقاعية (قضاء بعلبك) فدوى حمزة في إحدى غرف مهنية زغرتا، مع عشرة أفراد من أسرتها، الذين نزحوا بعدما استشهد عدد من أفراد عائلتهم. وتقول لـ"العربي الجديد": "غالبية رجال العائلة بقوا في الخضر، واستشهد عددٌ منهم، لأنهم رفضوا الخروج من البلدة، ولم يعتادوا التهجير والسكن في المدارس. نحن النساء خرجنا من المنزل لحماية أطفالنا. رغم أننا نعتبر أنفسنا بين أهلنا، لكن ظروف النزوح صعبة، ولسنا معتادين عليها، لكننا نحاول التأقلم. اشتريت فناجين خاصة لبناتي كي يشعرن بأنهن يمتلكن شيئاً خاصاً بهن". 
كنوع من التكيف المجتمعي الذي تفرضه الحرب، تطوعت سيدات زغرتا المنضويات في جمعية تابعة لآل فرنجية، لتأهيل المطبخ الفندقي في المهنية، ومعهن نازحات، بهدف تأمين وجبات الطعام لجميع مراكز الإيواء. وتقول إحدى المتطوعات من مدينة زغرتا، إيفات شيعا، لـ"العربي الجديد": "في البداية، كانت تصل وجبات الطعام من جمعية كاريتاس، وبعض المبادرات الفردية، إلى مراكز الإيواء باردة، فارتأينا في جمعية دنيانا تأهيل المطبخ، وجعلناه مركزياً يؤمن الطعام لجميع النازحين في مراكز الإيواء". 

خطة التدفئة غير جاهزة وهناك إرباك نظراً للعدد الهائل من النازحين

وتقول منال خريس، من بلدة الخيام، جنوبي لبنان، التي تسكن في طرابلس (شمال لبنان) منذ 30 عاماً: "تطوعت في هذه الظروف لخدمة أبناء الجنوب والبقاع. أحاول قدر المستطاع تأمين الاحتياجات الأساسية التي تلائم أبناء بيئتنا، لا سيما احتياجات النساء من ثياب معينة وأخرى للصلاة". وتتطوع النازحات بدوامي عمل صباحي ومسائي في المطبخ للعمل. من جهتها، تقول نهى من بلدة السكسكية (قضاء صيدا): "في المطبخ أشغل نفسي عن الأخبار فيمرّ الوقت بسرعة. ظروف التهجير قاسية والمسؤولون عن المطبخ يحاولون إكرامنا مادياً، ويعاملوننا كمُنتجات". تتابع: "عمر طفلي 13 عاماً. بعدما ينتهي من الدراسة أونلاين، يتوجه إلى كنيسة مار يوسف القريبة من المهنية للمساعدة في توضيب الحصص الغذائية، وتوزيعها، ويحصل على بدل مادي رمزي يشعره بأن له دوراً في مساعدة الأهالي".
ويواجه غالبية النازحين صعوبة في تأمين الإنترنت لضمان دراسة أولادهم أونلاين، نظراً للكلفة المادية. وتقول ناديا عبد الرضا من بلدة قانا الجنوبية، التي تسكن في إحدى الشقق المفروشة في إهدن، إن "ابنتها تجلس على الرصيف بالقرب من أحد مقاهي إهدن لاستخدام الإنترنت حتى تتمكن من متابعة دراستها من الساعة التاسعة وحتى الثانية عشر ظهراً". وتتحدث عبد الرضا عن مشكلة التدفئة في إهدن (بلدة جبلية تقع في قضاء زغرتا) وتقول: "نحن أبناء الجنوب لسنا معتادين على البرد القارس والتدفئة في المناطق الجردية تكلفتها مرتفعة. لا نعلم حتى الآن ما إذا كانت هناك مبادرات لتأمين التدفئة في المنطقة. ليس علينا في الوقت الحالي سوى الصمود، ونأمل العودة إلى منازلنا قبل اشتداد الشتاء". خسرت ناديا عملها في المحاسبة في الجنوب الذي يؤمن لها مردوداً مالياً جيداً، فيما دمّر مطعم زوجها في قانا بشكل تام، وبدأت أموال العائلة تنفد. 

حجم المساعدات التي تصل عبر الدولة لا تغطي احتياجات الجميع (العربي الجديد)
المساعدات الرسمية لا تغطي احتياجات الجميع (العربي الجديد)

يشير مسؤول خلية الأزمة في تيار المردة  فادي عنتر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "خطة التدفئة لم تجهز بعد، وهناك بعض الإرباك نظراً إلى العدد الهائل من النازحين. في المرحلة الأولى جرى تأمين الحرامات، وقرابة ألف سجادة للأرض، وهي غير كافية في الوقت الحالي. هناك أولوية في تأمين التدفئة للمناطق الجردية كإهدن، التي يلزمها نوع خاص من مدافئ المازوت والحطب. وفي ما يتعلق بالقرى الساحلية، من المرجح اعتماد وسائل التدفئة على الكهرباء والغاز، لكن هناك خوف من أن تشكل خطراً على النازحين نظراً لاكتظاظ الغرف".
تتوفر في مراكز الإيواء التي جلنا عليها مياه ساخنة وكهرباء بشكل دائم، مع تنبيه النازحين إلى ضرورة الانتباه إلى استعمال المياه الساخنة لتلبية النازحين. وتجهزت مهنية زغرتا ببعض الغسالات، كي يتوقف الأهالي عن غسل ثيابهم بوسائل بدائية. وجهّزت بعض غرف المهنية والمدارس بمستلزمات أولية للتدفئة منها السجاد الصوف للأرض، والأغطية الشتوية، لكن نظراً لأن حجم الغرف كبير، فيلزمها تأمين أنواع كبيرة من وسائل التدفئة، سواء التي تعمل على المازوت أو الحطب. التدفئة على الغاز والكهرباء لا يمكن أن تفي بغرض التدفئة بشكل ملائم. 
وصلت مساعدات قليلة من قبل الهيئة العليا للإغاثة وخلية الأزمة في شمال لبنان. ففي بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، جال الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة، اللواء محمد خير، على مراكز الإيواء في زغرتا، ووزع 300 سجادة مقدمة من هيئة الجالية اللبنانية في غانا. 
يقول عنتر إن حجم المساعدات التي تصل عبر الدولة وعبر قائمقام زغرتا، إيمان الرافعي، لا تغطي احتياجات الجميع. يضيف أن "خطة الدولة التي لا إمكانيات فيها لن تكون نافعة، وكذلك توفر الإمكانيات من دون خطة. إجراءات الدولة قد تأخذ وقتاً، فيما العمل الاجتماعي على الأرض أسرع. لا يمكن أن ينتظر النازح قرابة الأسبوع للحصول على احتياجاته الأساسية". 

تطوع نازحون في المطبخ (العربي الجديد)
تطوع نازحون في المطبخ (العربي الجديد)

عاش الجنوبيون ظروفاً صعبة في رحلة النزوح من مكان إلى آخر. ويشير ابن بلدة قعقيعة الجسر (قضاء النبطية) علي سلامة، الذي لجأ إلى مدرسة طوني فرنجية التكميلية، لـ"العربي الجديد": "خرجت من منزلنا أحمل مبلغ 900 دولار أميركي من عملي في الخردة، وتوجهت مع زوجتي وثلاثة أطفال، إلى منطقة المغيرية في قرى قضاء صيدا، حيث لم يوفر لنا مسكن. ثم توجهنا إلى زغرتا، وكانت غرف المدرسة ممتلئة. سكن كل فرد من أفراد أسرتي في غرف مشتركة مع النازحين، ريثما يجري تأمين غرفة خاصة لنا". يتابع: "الظرف صعب، ولم نتلق حتى اليوم مساعدات مالية، لكننا هنا لا نحمل هم الأكل والاحتياجات الأساسية. حتى الآن، هناك نقص في تأمين الثياب والسجاد، لأننا جئنا من دون ثيابنا الشتوية". 
تقول قائمقام قضاء زغرتا، إيمان الرافعي، لـ"العربي الجديد"، إن "عدد النازحين في قضاء زغرتا يقدر بـ 16 ألف شخص، 4000 آلاف منهم موزعون على مراكز الإيواء، وحوالي 2000 شخص من النازحين مسجلة أسماؤهم للحصول على مساعدات. وتقتصر مساعدات لجنة الطوارئ في الشمال على توزيع الحصص الغذائية، وحصص النظافة الشخصية، والأغطية الشتوية". وتشير الرافعي إلى أن "العائق الحالي هو مشكلة التدفئة، ومن الواضح أن آلياتها معقدة من قبل الدولة اللبنانية، بالإضافة إلى توزيعها على المناطق". 
تضيف: "حتى اليوم، لم تتضح آلية التدفئة التي يجب تركيبها في مراكز الإيواء. أحصت غرفة عمليات زغرتا عدد الغرف في مراكز الإيواء التي تحتاج إلى تدفئة، وأرسلتها إلى المعنيين، لكنني لا أدري ما إذا كانت هناك أية هبة مقدمة لمدافئ، سواء إن كانت تعمل بالكهرباء أو الغاز. كما نواجه مشكلة في تأمين المحروقات، كون المناطق المرتفعة تحتاج إلى التدفئة على مدار الساعة. فقرارات لجنة الطوارئ الوزارية تأخذ وقتاً كبيراً لتصل إلينا". 
وتختم الرافعي: "من المؤكد أن حجم المساعدات لا يغطي عدد النازحين، لا سيما أن محافظة الشمال تستقبل عدداً كبيراً من النازحين، وما يصل عبر لجنة الطوارئ والهيئة العليا للإغاثة يوزع بالتساوي بين الأقضية. العدد الأكبر للنازحين يأتي بالدرجة الأولى في عكار والمنية ثم طرابلس، تليها زغرتا والكورة والبترون، ما يشكل إرباكاً في توزيع الحصص والمساعدات". 

في منطقة الكورة (شمال لبنان)، فإن عدد النازحين أقل من منطقة زغرتا، إذ تضم 1500 نازح. أحد مراكز الإيواء هو عبارة عن شقق سكنية للطلاب، يضم حوالي 205 نازحين، هجّر بعضهم مرتين. كحال العم علي قاسم من بلدة عيتا الشعب (قضاء بنت جبيل)، الذي نزح إلى الضاحية الجنوبية منذ ثلاثة عشر شهراً. وفي 27 سبتمبر/ أيلول، نزح إلى منطقة الكورة. يقول لـ"العربي الجديد": "ما نمرّ به صعب علينا، خصوصاً أبناء القرى الحدودية، نشعر بعدم استقرار منذ عام. إلا أن ما يخفف عنا الآن وجودنا في مكان يتمتع بنوع من الاستقلالية والخصوصية، حيث جميع الاحتياجات الأساسية مؤمنة. ننتظر توفير مستلزمات التدفئة، ونأمل أن نعود إلى بيوتنا قبل اشتداد الشتاء". 
للمرة الأولى، يعيش أهالي بلدة كفرحتى (شرق صيدا) ظروف التهجير، خلال الحروب السابقة، كانت العائلة تستقبل نازحين من القرى الحدودية. وتقول ابنة البلدة ريهام حرب: "لم نكن نتخيل أننا سنترك منازلنا، وهي المرة الأولى التي نعيش مع أطفالنا التهجير. توجهنا إلى الشمال مع عدد من عائلات من البلدة". تضيف: "السكن في هذا الصرح أفضل من التوجه إلى المدارس، فهنا نوع من الاستقلالية، وتتوفر بعض الاحتياجات الأساسية، من مطبخ ومياه وكهرباء على مدار الساعة. وهناك توقيت معين لتوفر المياه الساخنة للاستحمام". تتابع: "حتى اليوم، لم نشهد أي مساعدات مالية. الموضوع فقط مقتصر على الحصص الغذائية. نواجه مشكلة الإنترنت لكون أطفالنا يتابعون صفوفهم أونلاين، وكلفة تعبئة الخطوط الخلوية باهظة الثمن. والإنترنت في المكان لا يستوعب الكم الهائل من الحاضرين". وتختم حرب: "نأمل أن نعود إلى قريتنا قبل أن تبدأ العواصف".

المساهمون