نازحو الصومال... كميات طعام قليلة جداً في رمضان

نازحو الصومال... كميات طعام قليلة جداً في رمضان

18 ابريل 2022
النازحون الصوماليون غير قادرين حتى على تأمين طعام رمضان (العربي الجديد)
+ الخط -

 

فعلياً، يواجه أكثر من مليون نازح في الصومال مآسي الأوضاع المعيشية القاسية التي تمنعهم من تلبية أي من متطلبات إحياء شهر رمضان، حتى أنّ كميات الطعام قليلة جداً ولن تكفي لتقاسم أفراد الأسر الوجبات بطريقة لائقة، وقد تنعدم الحصص.

استقبل النازحون الذي يقطنون في مخيمات عشوائية خارج العاصمة مقديشو، شهر رمضان بجيوب خالية وسط الغلاء، الأمر الذي زاد معاناتهم بشكل غير مسبوق بعدما سجلت أسعار المواد الضرورية لهذا الشهر تحديداً ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة تفوق 50 في المائة. وقد شمل هذا الارتفاع مختلف أنواع السلع الاستهلاكية والحاجيات الأساسية، من بينها الفاصولياء التي ارتفع سعرها من أقلّ من دولار أميركي واحد إلى دولارَين، وأسعار سلع غذائية أخرى عدّة مستوردة من الخارج مثل الأرزّ والمعكرونة التي زادت من أقلّ من نصف دولار لتصل دولار واحد، علماً أنّ الدولار الأميركي الواحد يعادل 25 ألف شلن بحسب سعر الصرف في السوق الصومالية. 

ومع هذا الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الاستهلاكية التي دأب النازحون الصوماليون في الأصل على مواجهتها بقدرة شرائية محدودة، تفاقم وضعهم المعيشي السيئ لدرجة فقدان القدرة على تقسيم القليل من الطعام المتوفر بين وجبات الإفطار والسحور بالإضافة إلى إطعام صغارهم في النهار، الأمر الذي يحرم كثيرين من البالغين من الاستمتاع بوجباتهم الرئيسة في شهر رمضان. ويتزامن الوضع المعيشي المتردي مع حلول فصل الصيف، وسط ارتفاع كبير في تعرفة الكهرباء باعتبار أن سعر الكيلواط الواحد يناهز نصف دولار، الأمر الذي يعرّض النازحين لحرارة الشمس القوية في النهار ومشقات جوع الصيام في الليل.

الصورة
لا حياة كريمة للنازحين (العربي الجديد)
لا حياة كريمة للنازحين (العربي الجديد)

الأهم منع الجوع

في أحد المخيمات، تقول تمرة إبراهيم النازحة من قرية فرحان بإقليم شبيلى السفلى لـ"لعربي الجديد": "نزحت إلى هذا المخيم بعدما أهلك الجفاف مزرعتنا التي لا مياه صالحة للشرب ولا غذاء فيها. وحين وصلنا فوجئنا بارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في شكل مخيف". تضيف تمرة: "لا نملك ما نأكله للإفطار في شهر رمضان، ولا تتوفر لنا مستلزمات أساسية لتغطية احتياجاتنا الخاصة بالإفطار والسحور، وهمنا الأكبر حالياً هو الحصول على طعام يمنع الجوع عنا في هذا الشهر الفضيل". 

وتعيش تمرة مع أولادها في مخيم للنازحين خارج العاصمة. وهي بين مئات من الأسر النازحة المتضررة من مشكلة الجفاف والقحط في جنوب الصومال، علماً أن المخيم يضم مئات من الأسر العالقة فيه منذ أعوام، من دون أن تتوفر لهم مستلزمات الحياة الكريمة، الأمر الذي يضاعف حجم المعاناة في تلك المخيمات، خاصة في شهر رمضان الذي يتطلب تجهيز الأسر الصومالية أنواعاً مختلفة من الوجبات الضرورية للصائمين، وتخصيص حصص غذائية للأطفال الذين يتحملون عادة الجوع حتى وقت الإفطار مع توفير مشروبات ساخنة لهم فقط، مثل الشاي بالحليب لمقاومة الجوع خلال فترات النهار، الأمر الذي يعرض كُثر منهم إلى سوء تغذية وأمراض ناجمة عنها.

الصورة
الجفاف وتلف المحاصيل الزراعية يفاقم الأزمات (العربي الجديد)
الجفاف وتلف المحاصيل الزراعية يفاقم الأزمات (العربي الجديد)

من جهتها، تقول خديجة محمد، التي تعيش مع أطفالها في المخيم منذ سنوات لـ "العربي الجديد": "تنقلت بين مخيمات عدة داخل مقديشو بسبب تقلبات الأحوال المعيشية بين مخيم وآخر، ثم انتقلت أخيراً إلى مخيم العدالة خارج العاصمة". وتشير إلى أنّها تعاني من مشاكل صحية ولا تستطيع العمل، وتعيش مع أطفالها الثلاثة مع أحد أقربائها من دون وجود معيل آخر.

تتابع خديجة: "لم نتلقَ بعد مساعدات غذائية ووجبات إفطار الصائم التي كانت توفرها أحياناً الهيئات والمنظمات العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية، وينتظر أطفالي الطعام حتى الإفطار للحصول على قسمتهم مثل حال الصائمين، ويشربون المياه فقط، وحتى المياه المثلجة لا يمكن أن أشتريها بالنسبة لي بسبب ارتفاع الأسعار". 

الصورة
الأسر الفقيرة تنتظر المساعدات الإغاثية (العربي الجديد)
الأسر الفقيرة تنتظر المساعدات الإغاثية (العربي الجديد)

تآلف مع الأسوأ 

أما القادمون الجدد الذين لم يألفوا حياة النزوح سابقاً فحالهم أكثر صعوبة، إذ يواجهون ظروفاً معيشية قاسية، بعدما تحوّلوا من أسر زراعية منتجة ميسورة الحال إلى أسر فقيرة تنتظر المساعدات الإغاثية، وهو أمر يزعجهم ويؤرقهم في شهر الخير والجود.

في السياق، تخبر مسلمة عثمان التي نزحت من قرية بول شيخ بإقليم شبيلى السفلى (جنوب) "العربي الجديد" أنها وصلت إلى المخيم في يناير/ كانون الثاني الماضي، ولم تتلقَ حتى الآن مساعدات إغاثية من المنظمات المحلية والإقليمية، و"المشكلة التي تؤرقني هي أننا نعيش في الظروف المعيشية ذاتها التي أجبرتنا على النزوح من قريتنا. كنت أعيل أسرتي من خلال ممارسة أعمال متواضعة في المدينة، لكن مع حلول شهر رمضان فقدت القدرة على العمل بسبب مرضي، فيما لا تتوفر لنا مساعدات إغاثية حتى الآن، على الرغم من أننا موجودون في المخيم منذ أربعة أشهر".

الصورة
بعض الأطفال يشربون فقط المياه (العربي الجديد)
بعض الأطفال يشربون فقط المياه (العربي الجديد)

بعض المساعدات

وعلى الرغم من شحّ المساعدات الإنسانية وخاصة وجبات الإفطار المخصصة للأسر الفقيرة والنازحين، بدأت بعض الجمعيات المحلية في توزع وجبات إفطار الصائم على الأسر النازحة في ضواحي العاصمة من اجل تخفيف معاناتهم في شهر رمضان. 

ويشرح مدير مكتب صندوق الإغاثة الأفريقي خالد أحمد لـ "لعربي الجديد" أن المكتب في الصومال وزّع نحو 800 سلة غذائية تتضمن الأرز والدقيق والسكر والتمر والزيت على 800 أسرة فقيرة في أنحاء البلاد، فيما استفاد نحو 200 نازح في مخيمات مقديشو من هذه السلل الغذائية. ويشير إلى أن احتياجات النازحين في ضواحي مقديشو كثيرة خاصة في شهر رمضان، وهم يحتاجون إلى مزيد من الدعم الإغاثي لسد احتياجاتهم الضرورية". 

وتشهد أسواق العاصمة مقديشو عادة خلال شهر رمضان ارتفاعاً في أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية نتيجة تزايد الإقبال عليها. وتزامن هذا العام مع ارتفاع أسعار القمح عالمياً بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط الماضي، وتأثير الجفاف على الإنتاج الزراعي المحلي، وتلف محاصيل زراعية خاصة الفاصوليا والذرة بنوعيها الشامية والرفيعة، والتي تعتبر جزءاً أساسياً من موائد الصائمين في رمضان، الأمر الذي يؤثر سلباً على حياة كثير من الأسر النازحة التي تعيش في ضواحي مقديشو، ويتجاوز عدد أفرادها المليون.

المساهمون