استمع إلى الملخص
- تعتبر مهنة نسج القش تحديًا في المنطقة الجبلية، حيث يتطلب جمع القش صعود الجبال وتحمل التعب، وتُستخدم السلال في أغراض متعددة، مما يعكس تغيرات الحياة.
- تستعيد النساء ذكريات الماضي ووفرة الفواكه والزيتون، ويأملن في العودة إلى بلدة حاس لجمع القش دون صعوبة، بعيدًا عن مرارة النزوح.
تبرز قصص ذكريات الحنين للأرض وخيراتها، للتين والزبيب والكراسي الخشبية وأحاديث الصبا، في سردية نساء سورية النازحات اللواتي يعشن في دوامة الشوق للماضي، متمسكات بما ترعرعن عليه، بعد حياة نزوح صعبة وفرقة عن الأولاد والإخوة، تعيشها صبحية سليمان وشقيقتها وصديقتهما صبحية زيدان. النساء الثلاث نزحن من بلدة حاس القريبة من مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي. وصلت بهنّ الأيام إلى مخيم قريب من بلدة قورقانيا في ريف إدلب الشمالي، حيث عُدن إلى ممارسة مهنة نسج أطباق وسلال القش، وهي مهنة تعلّمنها منذ الصغر، وحافظن عليها وتمسكن بها، لتكون وسيلة تجمع بين الحفاظ على التراث وكسب لقمة العيش.
تعتبر صبحية سليمان مهنة نسج القش تحصينًا للذاكرة، وفق حديثها لـ"العربي الجديد"، إذ ترى فيها ما يمنعها من نسيان من تحبهم ويقوي شوقها لبيتها وبلدتها. تقول: "كي لا ننسى بلدنا.. هنا العالم متفرق، وإخوتي وأخواتي بعيدون عني. هنا، في بيتي، نجتمع أنا وصديقاتي، نعيش من هذه المهنة".
والحصول على القش في المنطقة الجبلية التي يعشن فيها ليس أمرًا يسيرًا، وفق ما تشير سليمان، حيث يتطلب الأمر صعود الجبال وتحمل التعب، ما قد لا تقوى عليه حتى النساء في مقتبل العمر. تضيف: "نذهب لجمع القش، نبحث عنه كثيرًا ونتعب خلال عملية جمعه. بعدها نعود للبيت، ننظف القش ونجهزه، ونشتري أيضًا الخيوط البلاستيكية التي نستخدمها في النسج".
وصنعة سلال وأطباق القش لها العديد من الاستعمالات؛ منها ما يُستخدم لقطاف الزيتون، وبعضها أصبح يُستخدم في الوقت الحاضر كزينة تراثية في المنازل. كانت هذه السلال في الماضي من أساسيات الحياة في منازل الجدات، على خلاف هذه الأيام التي شهدت تغيرات كبيرة في طبيعة الحياة.
منذ أن كانت صبحية زيدان في الخامسة عشرة من عمرها، وهي تعمل في نسج أطباق وسلال القش. تستعيد الحنين لتلك الأيام التي كانت تجتمع فيها مع صديقاتها في ساحة أحد البيوت في بلدتها حاس، حيث كنّ يجلسن على كراسي خشبية، يتبادلن الأحاديث أثناء النسج. تقول: "عمري الآن 72 عامًا. منذ أن كنت في الخامسة عشرة، نصنع قففًا لحواش الزيتون. كانت تلك الأيام مختلفة؛ كنا نذهب للجبل، نجمع القش ونعود لنشتري ونبيع حسب الطلب".
تتابع زيدان قائلة: "لم نكن نعرف كأس الشاي؛ كنا نأكل الزبيب والتين الذي كان متوفرًا بكثرة، ليس كما في هذه الأيام. في الماضي، لم تكن حياتنا مليئة بالتوتر والانزعاج أو القهر. بعد النزوح، لم يبقَ لنا شيء. نروح عن أنفسنا الآن بالعمل. كل الفواكه والزيتون والزيت كانت من أرضنا. أتحسر على الزيتون الأسود والأخضر الذي كنا نحصل عليه من أرضنا. المهم الآن صحتنا".
وأصعب ما يعشنه في الوقت الحالي، هو البعد عن الأهل، من إخوة وأخوات، كون كل عائلة تعيش في مناطق مختلفة ضمن مخيمات النزوح الكثيرة في شمال غرب سورية، وغالبا ما يكون لمّ الشمل في يوم الجمعة، ليبقى نسج القش الخط الزمني لحياة النساء، اللواتي يتطلعن أن يعدن لبلدة حاس، ليعشن أياما فيها، يجمعن القش من أرضها، دون صعوبة ومشقة، بعيدا عن مرارة النزوح وتعب البحث عنه في الجبل، والمشقة في العودة للمخيم، ومن ثم تنظيف القش والبدء بنسجه.