ناجون من حصار الفاشر في السودان يروون هروبهم المرعب إلى طويلة

08 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 15:03 (توقيت القدس)
صورة متداولة لسودانيين عالقين في الفاشر، 7 سبتمبر 2025 (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني سكان الفاشر من حصار خانق فرضته قوات الدعم السريع منذ مايو 2024، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والماء، واضطرارهم للاعتماد على الأمباز للبقاء على قيد الحياة، وسط تحذيرات منظمات دولية من التداعيات المأساوية.

- يواجه النازحون رحلات خطرة إلى مدينة طويلة، حيث يتعرضون للعنف والنهب، ويعانون من نقص المأوى والطعام والإصابات غير الملتئمة، كما يروي ناظر مهنى علي عن فقدانه لوالده واضطراره للسير لأيام دون طعام.

- الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع خلفت عشرات الآلاف من القتلى وملايين النازحين، الذين يواجهون اتهامات بالتعاون مع الجيش ويتعرضون للاحتجاز والضرب، بينما ترتفع أسعار الأمباز بشكل كبير.

لمدّة أربعة أيام لم يشرب ناظر مهنى علي سوى مياه الأمطار وهو يسلك طريقاً خطراً غرب الفاشر بولاية شمال دارفور، غربي السودان، هرباً من هجمات قوات الدعم السريع على المدينة الوحيدة التي ما زالت تحت سيطرة الجيش، وسط الحرب المتواصلة. ويخبر علي وكالة فرانس برس بأنّ الوضع في الفاشر التي تحاصرها قوات الدعم السريع منذ مايو/ أيار 2024 كان "صعباً جداً بسبب الجوع والعطش"، الذي يشير إلى أنّه "كنّا نتناول فقط الأمباز عند الفطور والغداء"؛ والأمباز هي قشور الفول السوداني التي غالبا ما تُستخدَم علفاً للحيوانات.

يأتي ذلك وسط تحذيرات تطلقها وكالات عدّة تابعة للأمم المتحدة وكذلك منظمات دولية من التداعيات المأساوية لما يجري في الفاشر أخيراً، علماً أنّ الوضع ليس مستجدّاً. فالأزمة الإنسانية تتفاقم في السودان، وقد أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، من جهتها أخيراً، بأنّ 130 ألف طفل عالقون وسط أوضاع بائسة في مدينة الفاشر. أضافت أنّ الفاشر المحاصرة منذ أكثر من 500 يوم "صارت بؤرة لمعاناة الأطفال الذين يشكون من سوء التغذية والأمراض والعنف، الأمر الذي يزهق أرواحاً غضّة يومياً".

وتشهد الفاشر منذ أسابيع هجمات هي الأعنف منذ بدء الحرب في البلاد قبل نحو عامَين ونصف عام، الأمر الذي أسفر عن وقوع عشرات القتلى ومحاصرة نحو 260 ألف شخص في هذه المدينة. يُذكر أنّ ثمّة مخرجاً واحداً من المدينة لجهة الغرب، يؤدّي إلى مدينة طويلة التي تبعد 70 كيلومتراً عبر طريق تملؤها الجثث، وفق ما يقول فارّون من القتال. وقد تحدّثت وكالة فرانس برس، في هذا الإطار، إلى كلّ من ناظر مهنى علي وعادل إسماعيل أحمد ومحمد صديق؛ ثلاثة سودانيين نجحوا في الوصول إلى مدينة طويلة على قيد الحياة.

يكمل علي سرده، مشيراً إلى أنّه قبل الفرار إلى طويلة، نزح مع عائلته من منزلهم الواقع في حيّ السلام إلى مدرسة كان يحتمي فيها عدد من سكان الفاشر من القصف العنيف، ويخبر: "كنّا في المدرسة حين خرج أبي وأخي الصغير للعمل.. وأُصيبوا في ضربة من طائرة مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع.. قتل والدي على الفور، فيما نُقل أخي إلى المستشفى".

بعد تلقّي أخيه ما توفّر من رعاية طبية، قرّر علي وعائلته التوجّه إلى طويلة، فـ"أخذنا الطريق الشمالي الغربي، لكنّنا فوجئنا بأفراد الدعم السريع في الشارع. تعرّضنا للنهب وضُربنا وسُرق منّا كلّ ما نملك". وعلى الرغم من صعوبة الطريق، واصلت عائلة علي السير "لمدّة أربعة أيام. وصلنا إلى طويلة في اليوم الخامس. على الطريق لم نأكل إلا الأمباز ولم تكن في حوزتنا مياه.. شربنا من مياه الأمطار". وفي طويلة اليوم، ما زال علي وعائلته في حاجة إلى "الإيواء والطعام".

وأفادت بعثة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق في السودان، في بيان صادر يوم الجمعة الماضي، بأنّ الطرفَين المتقاتلَين ارتكبا "جرائم حرب على نطاق واسع ومنهجي"، مشيرةً إلى استهداف الجيش السوداني وقوات الدعم السريع البنى التحتية والأسواق ومخيمات النزوح.

"خرجنا من الفاشر ولم تكن جروحنا قد التأمت بعد"

من جهته، نزح عادل إسماعيل أحمد إلى طويلة من مخيم أبو شوك في ضواحي الفاشر، بعدما "سقطت قذيفة مدفعية على منزلنا". ويخبر وكالة فرانس برس: "كنت أنا وأخي في المنزل وأُصبنا"، مضيفاً "كُسر ذراعي وأصبت بشظايا في فقرات الظهر وفي الساق، أمّا أخي فأُصيب في الرقبة والصدر". لم يتمكّن أحمد من تحمّل تكاليف العلاج، و"خرجنا من الفاشر ولم تكن جروحنا قد التأمت بعد.. ومكثنا يومَين على الطريق".

يتابع أحمد أنّه في إحدى المدن بين الفاشر وطويلة "حَفر لنا شخص حفرة تحت شجرة، اختبأنا فيها طوال النهار وتحرّكنا بعد المغرب إلى طويلة" تجنّباً للاصطدام بمقاتلي قوات الدعم السريع. وحين وصلوا إلى طويلة الواقعة تحت سيطرة حركة تحرير السودان التي يُسجَّل حضورها في مناطق عدّة من السودان، نُقل أحمد وأخوه إلى مستشفى تابع لمنظمة "أطباء بلا حدود"، وهناك "نظّفوا جروحنا.. وأنا الآن في انتظار الخضوع لعملية جراحية"، ويؤكد أنّه يريد فقط الحصول على العلاج، والعمل من أجل تأمين قوت عائلته.

"فررت ركضاً من المقاتلين في الفاشر"

واندلعت الحرب في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي) في منتصف إبريل/ نيسان 2023، وقد قسّمت المعارك الدامية البلاد وخلّفت عشرات آلاف القتلى وملايين النازحين واللاجئين.

وبعد القصف المتكرّر على مخيم أبو شوك في الفاشر أخيراً، قرّر محمد صديق النزوح، لأنّ "العيش صار صعباً جداً" بحسب ما يؤكد. وعلى الطريق، اعترضه مقاتلو قوات الدعم السريع، "واتّهمونا بأنّنا متعاونون مع الجيش، على الرغم من أنّنا قلنا لهم إنّنا مدنيون". واحتجز هؤلاء المقاتلون صديقاً مع أربعة أشخاص آخرين، وتعرّضوا لهم بالضرب بالعصي "حتى نعترف". وبعد أربعة أيام من الاحتجاز، "وجدتُ فرصة للهرب ففررت ركضاً". ويلفت صديق إلى أنّه لا يستطيع حتى اليوم تحريك يده اليسرى بسهولة، فيما ركبته متورّمة.

ويذكر صديق أنّ الجوع كان أكبر المشكلات في الفاشر، إذ ارتفع سعر الأمباز أكثر من ثلاثة أضعاف في الآونة الأخيرة. ويروي أنّ المدنيين كانوا في أثناء القصف يحفرون حفراً ليحتموا فيها، إذ لا ملاجئ متوفّرة، مشيراً إلى أنّه "لم نكن حتى نستطيع إغلاق تلك الحفر". ويتابع أنّ "الوضع في طويلة أفضل من الفاشر بكثير. لكنّنا ما زلنا في حاجة إلى إعانة".

(فرانس برس، العربي الجديد)