ميلاد أوروبا... كورونا يفرض واقعاً جديداً

ميلاد أوروبا... كورونا يفرض واقعاً جديداً

13 ديسمبر 2020
زينة الميلاد في إحدى الدول الأوروبية (العربي الجديد)
+ الخط -

رؤية بابا نويل على الطرقات وفي المتاجر مع اقتراب حلول عيد الميلاد أمر بديهي. إلا أنّ كورونا نغّص فرحة الناس بهذه الفترة من السنة، في ظل التباعد الاجتماعي وإلزامية وضع الكمامات وغير ذلك. في دول شمال أوروبا، ينتظر الأطفال صباح 25 ديسمبر/ كانون الأول ليكتشفوا ما أحضره لهم بابا نويل، بناء على رغباتهم التي كتبوها عله يراها.  
في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، تُفيد وسائل إعلامية بأن "اثنين من كل ثلاثة أشخاص خسروا أعمالهم نتيجة كورونا".  ويضع الرجال الذين يرتدون زي بابا نويل الكمامات، الأمر الذي يخفي بعضاً من اللحى المستعارة، إلا أن مراكز التسوق تمنع دخول الناس إليها من دون كمامات. على هذا الشكل يدخل بابا نويل بكيسه الذي يحتوي على سكاكر وحلويات الميلاد لإسعاد الأطفال. أحد هؤلاء هو إريك هانسن. بعد 20 عاماً من عمله في مجال الترفيه عن الأطفال، يقول لـ "العربي الجديد" إن "أجندة الميلاد هذا العام فارغة، فلم تتفق مراكز التسوق معي لأداء دور بابا نويل حتى اليوم، وهذا أمر محزن مثلما هو الميلاد هذا العام".  
في العادة، يعدّ شهرا نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول الأكثر نشاطاً لأعضاء رابطة بابا نويل الدنماركيين، ولا يقتصر الاتفاق معهم على التجول في مراكز التسوق فحسب، بل أيضاً دور العجزة. فكبار السن يعانون هذا العام من العزلة وتوقف أنشطتهم المعتادة. كما يلزم الصغار في مرحلة الروضة بالتباعد بين بعضهم البعض وبينهم وبين المدرسين.  

ورغم إجراء الأشخاص الذين يؤدون دور بابا نويل في الدنمارك فحوصات كورونا أسبوعياً، إلا أن إلغاء النشاطات أثر على عمل أعضاء الرابطة، ثم سُمِح بالتجمعات الصغيرة على ألا تتجاوز العشرة أشخاص. لكن في الماضي، كان المئات يلتقون احتفاء ببدء الميلاد. 
فرض كورونا تغيّرات كثيرة أخرى على العائلات الأوروبية هذا العام، في ظل الإجراءات الصارمة التي تتعلّق باحتفالات الميلاد، وسط مخاوف من تفشي العدوى. وكما تفرض دول اسكندينافية شروطاً صعبة على مجتمعاتها، بدت ألمانيا غير قادرة على التعهد لمواطنيها التخفيف من الإجراءات في موسم الميلاد. فبعد حديث عن "تخفيف مؤقت" للإجراءات، أعادت ألمانيا التأكيد على لسان مستشارتها أنجيلا ميركل، نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أمام البرلمان، أنه "لا ضمانات لتخفيف القيود في موسم الميلاد".  

الصورة
عيد الميلاد في أوروبا 2

وتعيش ألمانيا إغلاقاً بالإضافة إلى دول أوروبية أخرى بعد ارتفاع أعداد الإصابات بكورونا بدءاً من فصل الخريف، بعد التشدد في مسألة ارتداء الكمامات، وحظر التجمع لأكثر من 5 أشخاص فوق سن الرابعة عشرة. ويسري الإغلاق على الحانات والمطاعم والمقاهي، وهو ما يؤثر سلباً على موسم الميلاد في ألمانيا الذي يعدّ تقليداً مبهجاً للشعب، وفرصة لالتقاء الأصدقاء والأسر وتناول غداء الميلاد في المطاعم، حتى مساء 24 ديسمبر/ كانون الأول، ليلة الميلاد وفق التقويم الغربي. ميركل وجدت في الإغلاق وإلغاء مظاهر الميلاد أحد الحلول للحد من أعداد الإصابات. 
ورغم غياب التوافق في ألمانيا على كيفية الاحتفال بالميلاد، وتجمع الناس حول شجرة الميلاد، فرضت السلطات إجراءات تتزامن وإجازة الأعياد (بعد نحو أسبوعين)، تقضي بإغلاق كل أماكن التزلج على الجليد والتي عادة ما يقصدها الألمان، وتوصية بعدم أخذ إجازة تزلج وقت الميلاد، وحتى العاشر من يناير/ كانون الثاني المقبل. 

الصورة
عيد الميلاد في أوروبا 3

في فرنسا، ورغم المساعي المستمرة للسيطرة على انتشار كورونا، إلا أنه كان لتفشي الفيروس تأثير على الناس. ووعد الرئيس إيمانويل ماكرون بتخفيف بعض الإجراءات المشددة التي فُرضت لتمكين الفرنسيين من الشعور بأجواء الميلاد. ومنذ 28 الشهر الماضي، فُتحت بعض المتاجر ودور السينما والمسارح. وفي يوم الميلاد، وعد ماكرون أن تتاح زيارة الفرنسيين لأسرهم. "في عطلة الميلاد، يجب أن نتمكن من رؤية القريبين منا"، مع التأكيد على ضرورة "الحذر حتى لا نضطر إلى موجة إغلاق ثالثة".
ويحظر على المواطنين الخروج إلا للتبضع أو ممارسة الرياضة أو زيارة الطبيب. وتعد السلطات بتغيير سياسة الإغلاق إذا ما استمرت نسبة الإصابات بالانخفاض واستبدالها بحظر تجول بين التاسعة مساء والسابعة صباحاً، مع استثناء مساء عيد الميلاد وليلة رأس السنة. 

الصورة
عيد الميلاد في أوروبا 4

في إيطاليا، يُمنع العناق وتبادل القبلات بسبب كورونا. وطالب رئيس الوزراء جيوزيبي كونتي مواطنيه الالتزام بإجازة الأعياد، بين 21 ديسمبر/ كانون الأول والسابع من يناير/ كانون الثاني وعدم السفر بين الأقاليم، وعدم مغادرة القرى والمدن لا مساء عيد الميلاد ولا في ليلة رأس السنة. وخلال الأسبوع الماضي، أعلن عن فرض حظر تجول في البلاد من العاشرة مساء وحتى السادسة صباحاً، باستثناء بابا نويل "لإسعاد الأطفال".
كذلك، كان لتفشي الفيروس تأثير على السياحة في فترة الميلاد. وأعلنت الحكومة نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن الإيطاليين لن يتمكنوا من المشاركة في الحفلات التقليدية التي تقام كل عام، وخصوصاً في المطاعم وعلى متون البواخر المخصصة لهذا الغرض. وتعد الإجراءات ضربة قاسية لمجتمع كاثوليكي معروف عنه أنه اجتماعي ويقضي رأس السنة بكثير من الصخب واللقاءات بين الأسر والأصدقاء. 
وإذا كانت عاصمة النرويج أوسلو قد حددت أعداد الأشخاص الذين يمكنهم التجمع، ومنعت الرقص حول شجرة الميلاد، كما هو الحال في السويد، فإن بريطانيا لم تكن أقل صرامة.

الصورة
عيد الميلاد في أوروبا 1

ومنحت مواطنيها جائزة ترضية في عطلة الميلاد، وخصوصاً بين 23 و27 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، حتى يتمكن الناس من زيارة أهاليهم، بشرط ألا يلتقي أكثر من أربعة أشخاص دفعة واحدة في البيت "لتجنب فقاعة الميلاد"، بالنسبة للعدوى. ويمكن للزوار المبيت لدى أهاليهم، وقد أشارت السلطات البريطانية إلى أنه من الممكن للناس الذين يعرفون بعضهم البعض جيداً أن يلتقوا من دون أية ضوابط، على أن تصدر خلال الأيام المقبلة رقماً لعدد الأفراد يسمح به في كل تجمع. واتجهت بريطانيا خلال الأسبوع الأول من ديسمبر/ كانون الأول للحد من سياسة الإغلاق. 
من جهتها، اختارت النمسا إجراء فحوصات كورونا للملايين وبكثافة، على أمل التخفيف من إجراءات الإغلاق والتباعد لضمان مشاركة الناس بأعياد الميلاد. واختارت فيينا حجز نحو 7 ملايين لقاح، وباشرت بداية الشهر الجاري إجراء فحوصات مكثفة لمواطنيها. ويقول المستشار سبستيان كورتز إن سياسة الإغلاق والسماح باحتفالات الميلاد مشروطة بنتائج الفحوصات التي تجرى هذه الأيام. رغم ذلك، لم تتراجع فيينا عن تقليدها السنوي وهو وضع زينة الميلاد التي تتميز بها شوارعها، خصوصاً تلك المخصصة للمشاة على مقربة من كاتدرائيتها الرئيسية وسط العاصمة. ووعدت الحكومة بإعلان أعداد قبل إجازة الميلاد (للذين يُسمح لهم التجمع في الاحتفالات، ومن غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت المناطق السياحية المتخصصة بالتزلج على الجليد ستفتح أمام المواطنين والسياح، كما تجري العادة في موسم الميلاد).  

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي إسبانيا، يبدو أن ميلاد 2020 مختلف نوعاً ما عنه في السنوات الماضية، حيث يجري التركيز على أن تكون في الهواء الطلق، بحسب مطالب الحكومة في مدريد، والتي تحظر الاحتفال في مكان مغلق لأكثر من 6 أشخاص. وطالبت الحكومة الإسبانية شعبها بإلغاء مظاهر الاحتفال بـ" الملوك الثلاثة المقدسين" (تقليد إسباني يحتفل فيه يوم 5 يناير/كانون الثاني من كل عام). وعلى الرغم من مطلب الحكومة المركزية في مدريد، يبدو أن ساسة إقليم كتالونيا سيسمحون للمواطنين بالاحتفال بالميلاد بطريقة أخرى، غير متشددة، ويُسمَح فيها بالتقاء 10 أشخاص دفعة واحدة. 
هذا العام، يُسيطر هاجس ارتفاع أعداد الإصابات بكورونا على احتفالات القارة الأوروبية، رغم مظاهر الزينة، والحديث عن اقتراب لقاحات كورونا. ومن الواضح أن ضحية الإجراءات هذا العام هم الصغار وكبار السن، وقد منعت هذه الإجراءات والتباعد الاجتماعي عملية التواصل المعتادة بين العائلات كما هي عادة مواسم الميلاد في القارة.    

المساهمون