استمع إلى الملخص
- تدمير البنية التحتية خلال العدوان الإسرائيلي أدى إلى تشكل مستنقعات مياه الصرف الصحي، والبلديات غير قادرة على التصريف أو مكافحة الحشرات بسبب الحصار ونقص المعدات.
- يعيش السكان في ظروف صعبة، ويطالبون بحلول جذرية لتصريف المياه ومكافحة الحشرات، لكن البلديات تواجه صعوبات بسبب الحصار ونقص الموارد.
إضافة إلى كلّ أشكال المأساة اليومية التي يعيشها أهالي قطاع غزة، تضاف أزمة المياه العادمة وانتشار الحشرات والقوارض التي تنهش أجساد الأطفال وتقلق الأهل، وسط انعدام الحلول
تُعاني العائلات الفلسطينية في قطاع غزة، وخصوصاً تلك القاطنة على مقربة من مستنقعات مياه الصرف الصحي، جراء انتشار الحشرات والبعوض والقوارض، والتي باتوا يجدونها في خيامهم التي نصبوها في تلك المناطق، عدا عن إصابتهم بالأمراض. وباتت هذه الحشرات والقوارض مصدر قلق لمئات العائلات، إذ تؤدي إلى إصابة الرضع والأطفال بأمراض جلدية. وتزداد المخاوف مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة.
وخلال عدوانه على قطاع غزة، دمّر الاحتلال الإسرائيلي غالبية البنى التحتية، ما أدى إلى تشكيل مياه الصرف الصحي مستنقعات في الشوارع والطرقات، بالإضافة إلى ارتفاع منسوب البرك المخصصة لتجميع مياه الأمطار وتصريفها مثل بركتي الشيخ رضوان في مدينة غزة وأبو راشد في مخيم جباليا وغيرهما. وتحولت المياه فيها إلى عادمة حيث تتكاثر القوارض والحشرات.
ولا تزال بلديات قطاع غزة غير قادرة على سحب مياه الصرف الصحي من البرك المنتشرة في مختلف شوارع القطاع، بالإضافة إلى عجزها عن مكافحة الحشرات والقوارض بسبب استمرار الاحتلال في إغلاق المعابر الحدودية مع القطاع منذ الثاني من مارس/ آذار الماضي، ومنع إدخال المعدات الثقيلة والمبيدات الحشرية اللازمة.
وبحسب إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فقد دمر الاحتلال غالبية البنية التحتية في قطاع غزة خلال حرب الإبادة التي يشنها منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ونحو 655 ألف متر من شبكات الصرف الصحي في القطاع.
اضطر محمد حمد إلى نصب خيمته، حيث يعيش مع عائلته المكونة من أربعة أفراد، في أرض فارغة ملاصقة لبركة الشيخ رضوان شرقي مدينة غزة، بعدما نزح من بيت حانون شمال القطاع منذ أكثر من 15 يوماً، في أعقاب استئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه. ويقول لـ "العربي الجديد": "نعاني من الروائح الكريهة جراء تكدّس أكوام القمامة، وانتشار الحشرات بمختلف أنواعها، وخصوصاً البعوض الذي ينهش أجساد الأطفال، عدا عن دخول القوارض إلى الخيمة في أوقات الليل". يضيف: "الحشرات لا تُفارق الخيمة، ويصاب طفلاي بأمراض جلدية وغير ذلك. لا ننام الليل ونحن نراقب الطفلين لإبعاد الحشرات والبعوض عنهما. حاولنا استخدام بعض المبيدات لمكافحتها لكن من دون جدوى".
وتزداد مخاوف حمد مع قرب فصل الصيف الذي ترتفع فيه درجات الحرارة، ويعد بيئة مناسبة لتكاثر الحشرات والقوارض، الأمر الذي يتطلب حلولاً جذرية لإنهاء هذه المشكلة التي تقلقه ومئات العائلات الفلسطينية. يضيف: "نعيش في مكان غير صالح للعيش".
بدوره، يعيش الفلسطيني عبد الكريم بركات المعاناة ذاتها. يقطن في منزلٍ مجاور لبركة الشيخ رضوان منذ أكثر من 40 عاماً. يقول: "لم نعرف المعاناة طوال تلك السنوات، إلا أننا نشعر بها منذ اندلاع العدوان وتدمير البنية التحتية وعدم قدرة البلدية على تصريف مياه البركة التي ارتفع منسوبها بشكل كبير". يضيف لـ "العربي الجديد" أن "أعداداً كبيرة من القوارض والحشرات تنتشر في منزله بشكل يومي، ما يزيد مخاوفه على أفراد عائلته خصوصاً الأطفال، لا سيما أن هذه الحشرات تنهش أجسادهم، عدا عن الرائحة الكريهة الناجمة عن تكدس القمامة".
ويوضح بركات الذي يعيش في منزلٍ متضرر جزئياً بفعل القصف الإسرائيلي لمنازل مجاورة: "قبل العدوان، كانت البلدية تعمل على تصريف المياه التي تتراكم في البركة. ولم نكن نرى هذا الكم من الحشرات والقوارض. إلا أنها عاجزة عن فعل ذلك اليوم. كما أنها لا ترش المبيدات لمكافحتها. لذلك، أصبحت البركة مكاناً لتجمع مياه الصرف الصحي التي تبقى راكدة وتنتشر فوقها الحشرات".
ويقول محمد زهير الذي نزح إلى مدرسة مجاورة لبركة الشيخ رضوان بعدما قصف الاحتلال منزله القريب أيضاً من البركة، إن الحشرات تتكاثر في الفصل الذي يقطن فيه مع عائلته. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن بعض أنواع البعوض تنهش وجوه الأطفال إلى درجة تسبب لهم الأذى والتشوهات. وأصبح هذا الأمر مصدر قلقٍ بالنسبة إليه، خصوصاً مع قرب فصل الصيف الذي تتكاثر فيه الحشرات والقوارض. "أضطر إلى وضع الأغطية على أطفالي من أجل حمايتهم".
المأساة نفسها تتكرّر لدى المواطن إياد سمور، الذي يعيل أسرة مكونة من ستة أفراد منهم أربعة أطفال. ويقول: "نرى حشرات بأحجام وأشكال جديدة لم نعهدها من قبل، علماً أننا نسكن إلى جوار بركة الشيخ رضوان منذ سنوات طويلة، ما أصبح يشكل معاناة كبيرة وخصوصاً لأطفالي". ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد": "أصبح واقع المنطقة مأساوياً بسبب طفح البركة وبالتالي انتشار مئات الحشرات والقوارض التي تنتشر في منزلنا المتضرر جزئياً، وتهاجم الأطفال، خصوصاً في أوقات الليل".
ويوضح أن طفلته تبلغ من العمر 11 شهراً، وتتعرض يومياً إلى لدغات من البعوض والحشرات، ولا تستطيع النوم طوال الليل، ما أدى الى انتفاخات كبيرة في وجهها وقدميها ويديها. لذلك، يزداد الخوف أكثر مع قرب دخول فصل الصيف.
أما الشاب أحمد رويشد، فيشكو بدوره من انتشار البعوض والقوارض داخل ما تبقى من منزله المجاور لبركة أبو راشد في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، ما يسبب قلقاً كبيراً بالنسبة إليه وخصوصاً أن ابنه لم يتجاوز العام من العمر. يقول لـ "العربي الجديد": "بركة أبو راشد المخصصة لتجميع مياه الأمطار تتراكم فيها المياه العادمة بسبب عدم تصريفها، فارتفع منسوبها وهو ما بات يُسبب لنا معاناة كبيرة، إذ إن المياه الراكدة تشكل بيئة مناسبة للحشرات والبعوض والقوارض، التي تنتشر بدورها داخل البيوت وخيام النازحين". ويوضح: "نضطر للبقاء مستيقظين لمراقبة الطفل. فلا يمر يوم من دون أن يتعرض فيه للدغات البعوض، التي تؤدي إلى انتفاخ في الوجه والقدمين واليدين، عدا عن الأمراض". ويطالب الجهات المختصة والبلديات بضرورة "إيجاد حلولٍ جذرية بدءاً من تصريف مياه البركة، والقضاء على الحشرات والقوارض، خصوصاً مع قرب فصل الصيف".
إلى ذلك، يقول محمد عطا الله الذي يقطن في منزلٍ مجاور لبركة أبو راشد: "تتضاعف معاناتنا يوماً بعد آخر منذ اندلاع العدوان بسبب طفح مياه الصرف الصحي في البركة، إذ لا يتحمل الأطفال لدغات الحشرات والقوارض". عطا الله الذي يُعيل أسرة مكونة من ثلاثة أطفال، يوضح أن المضخة الخاصة بشفط مياه البركة مُعطلة بشكل كامل ولا يتم تشغيلها، ولا يوجد مكافحة للحشرات عن طريق رش المبيدات والمواد الكيميائية اللازمة. يضيف أنّ أزمة طفح البركة بالمياه العادمة يُضاف إلى أزمة تراكم النفايات في الشوارع والطرقات التي تبعث روائح كريهة داخل المنازل والخيام، ما يُسبب الأمراض للعائلات القريبة منها وخصوصاً الأطفال والرُضع. لذلك، بتنا نشعر وكأننا في معركة مع تلك الحشرات والقوارض".
يُضيف: "لا يجوز أن يبقى الحال هكذا مع بدء فصل الصيف. لذلك، يجب على البلدية التحرك لإيجاد حلولٍ تقلل من انتشار تلك الحشرات على الأقل، بهدف الحفاظ على صحة وسلامة أطفالنا الذين لا ينامون الليل من كثرة البكاء عقب تعرضهم للدغات البعوض".
من جهته، يؤكد الناطق باسم بلدية غزة حسني مهنا، أن الاحتلال الإسرائيلي دمّر خلال العدوان الخطوط الناقلة لشبكات ومضخات الصرف الصحي، ما أدى إلى تسرب المياه العادمة إلى البرك الخاصة بتجميع مياه الأمطار، ما جعلها ملوثة وبيئة لتفشي الحشرات والقوارض. ويقول لـ "العربي الجديد" إن المياه المتراكمة في البرك والأخرى التي أخذت شكل المستنقعات تنتشر في الشوارع والأحياء، وأصبحت تشكل مكرهة صحية للسكان بسبب ارتفاع منسوب المياه فيها وعدم قدرة البلدية على تصريفها، مشيراً إلى وجود أربع برك في محافظة غزة.
ويوضح أن الاحتلال لا يزال يُطبق حصاره على قطاع غزة ويمنع إدخال المعدات الثقيلة والمبيدات الحشرية اللازمة لمكافحة الحشرات والقوارض، ما أدى الى تفاقم الأزمة، وبالتالي يكون لها انعكاسات سلبية على حياة المواطنين خصوصاً القاطنين إلى جوار تلك البرك ومستنقعات المياه العادمة. يضيف: "كانت البلدية تكافح هذه الحشرات قبل العدوان من خلال رش بعض المبيدات الحشرية الخاصة، لكنها اليوم لم تستطع ذلك بسبب إغلاق الاحتلال للمعابر ومنع إدخالها، ما يزيد معاناة المواطنين". ويشير إلى أن البلدية حاولت تصريف مياه البركة لكنها عادت تتجمع من جديد وارتفع منسوبها وقد تطفح خلال الفترة المقبلة. ويوضح أن البلدية حاولت إجراء بعض التجارب لإنتاج مبيدات مكافحة الحشرات لكنها لم تنجح حتى الآن، بالتالي أصبحت البيئة مهيأة لانتشار القوارض والحشرات، بالإضافة إلى كثرة الدمار الناجم عن القصف الإسرائيلي.