استمع إلى الملخص
- جمع الكمأة يُعد مصدر رزق مهم للعائلات في المناطق الصحراوية، حيث يُباع بأسعار مرتفعة، ويُشجع الشباب والنساء والأطفال على الانخراط في هذه العملية رغم التحديات.
- يُمثل موسم الكمأة تجربة اجتماعية وثقافية، حيث يجمع الناس بين العمل والمتعة، ويُعزز الروابط الاجتماعية ويُضفي شعوراً بالبهجة والمغامرة.
مع حلول موسم الكمأ أو الكمأة الذي يعرف شعبياً في العراق بـ"الجمة"، ويطلق عليه البعض "لحم الفقير" لما يحتويه من عناصر غذائية مهمة ولطعمه الشهي، تشهد البلاد حركة نشطة في مناطق البادية الممتدة في الأنبار وصلاح الدين والموصل والسماوة لجمع هذا النبات الفطري. وينمو "الجمة" في أعماق الصحراء ويُعد أحد أبرز الخيرات الطبيعية التي ينتظرها العراقيون بفارغ الصبر كل عام.
ورغم أن "الجمة" نوع من الفطريات التي تعرف عليها الإنسان منذ القدم، لا يزال كثيرون يجهلون كيفية ظهوره. في هذا السياق، يقول المهندس الزراعي أحمد الشهاب، لـ"العربي الجديد"، إن "الجمة" ينمو في المناطق الصحراوية بعد سقوط الأمطار الغزيرة شتاء، إذ تتفاعل المياه مع التربة الغنية بالكالسيوم لتوفر البيئة المثالية لنمو هذا النبات الفريد. ويشير إلى أن كمية الكمأة في كل موسم تختلف بحسب كمية الأمطار والظروف المناخية.
وحول أهميّته التي تجعل العراقيين يقبلون على شرائه رغم أسعاره المرتفعة، تقول أخصائية التغذية سها الوندي، لـ"العربي الجديد"، إن الكمأة يتميز بقيمته الغذائية العالية، ويحتوي البروتينات والمعادن التي تدعم صحة الجسم وتقوي المناعة. تضيف أنه يُستخدم في الطب التقليدي لعلاج التهابات العيون وبعض الأمراض الجلدية، بالإضافة إلى اعتباره مكوناً فاخراً في المأكولات.
ويتوافد مئات المواطنين منذ يناير/كانون الثاني وحتى إبريل/نيسان إلى الصحاري في رحلة شاقة لجني الكمأة الذي يُعد مصدر رزق مهماً لكثيرين.
ويمثل العمل في جمع الكمأة فرصة ذهبية للعائلات في تلك المناطق، ويباع بأسعار تُعد مرتفعة نسبياً، ما يساهم في تحسين دخلهم خلال هذا الموسم.
ويقول ناصر الشدهان الذي يعمل في تجارة الفاكهة والخضار، إن موسم الكمأة يشكل فرصة لانتعاش الأسواق المحلية، ويتراوح سعر الكيلوغرام الواحد ما بين 30 و60 ألف دينار عراقي (الدولار يساوي 1309 دنانير عراقية) بحسب جودة الكمأة. ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن هذا الارتفاع في الأسعار يجعل من الكمأة منتجاً اقتصادياً مهماً يُحرك عجلة البيع والشراء، ويُشجع الشباب والنساء وحتى الأطفال على الانخراط في جمعه وبيعه.
يشتري الشدهان الكمأة من جامعيه بكميات كبيرة لتسويقه في مختلف مدن البلاد. ويقول: "رغم أن العمل في جمع الكمأة ينطوي على تحديات عديدة، مثل المشي لمسافات طويلة والتنقيب في ظروف جوية متقلبة، إلا أن الفرحة التي تغمر جامعي الكمأة عند العثور عليه تُنسيهم كل التعب". والكمأة في العراق ليس مجرد موسم لجني المحصول، بل يعكس الصبر والاجتهاد والارتباط بالأرض، ويمثل كنزاً طبيعياً يروي قصة كرم الطبيعة في أرض الرافدين، إذ إن القليل من البلدان ينمو فيها الكمأة.
من جهته، يتحدث خالد الأسمر، وهو أحد سكان محافظة صلاح الدين (شمال) لـ"العربي الجديد"، عن شغفه بموسم الكمأة الذي ينتظره بفارغ الصبر كل عام. ويوضح أنه "مع أول أمطار الموسم، تبدأ رحلتي مع الطبيعة. أترقب الأمطار الرعدية لأنها تبشر بموسم الكمأة، ذلك الكنز الذي أخوض مغامرة فريدة لجمعه من صحراء البادية".
الأسمر الذي يعمل في تجارة السيارات، لا يبتغي الربح من جمع الكمأة، بل يبحث عن المتعة. ويوضح: "عملية جمع الكمأة حقيقية. أستيقظ باكراً وأتوجه مع أصدقائي إلى أعماق الصحراء، حيث نقضي ساعات طويلة في البحث عنه. شعور العثور على الكمأة تحت الرمال لا يُضاهيه شيء. هو مزيج من المفاجأة والسعادة".
ولا يكتفي الأسمر بجمع الكمأة، ويقول: "عادةً ما أُخزن جزءاً من الكمأة للاستخدام الشخصي، وأحرص على إرسال كميات إلى أقاربي وأصدقائي في بغداد. فرحتي بمشاركتهم هذه الثروة الطبيعية لا تقل عن فرحتي بجمعها". يتابع: "الكمأة ليس مجرد نبات، بل هو رابط بيننا وبين أرضنا. رحلة البحث عنه تعيدني إلى البساطة وتجعلني أقدر خيرات الطبيعة. إنه موسم يشعرني بالبهجة والمغامرة".
من جهته، يصف جامع الكمأة حسين الشمري، الموسم بأنه "موسم الرزق الوفير"، إذ يسعى إلى توفير دخل مادي من خلال بيعه في الأسواق. الشمري، وهو عامل بناء، يقول لـ"العربي الجديد" إن "جمع الكمأة في شهر واحد يوفر له ثلاثة أضعاف دخله الشهري". بالإضافة إلى الدخل المادي، يتحدث عن متعة جمع الكمأة. "كل موسم كمأة يحمل معه ذكريات جديدة وقصصاً لا تُنسى، وأتمنى أن تظل هذه النعمة مستمرة كل عام".
رضا المالكي هو الآخر ينتظر موسم الكمأة لتوفير دخل مالي جيد له ولعائلته، مشيراً إلى أنه يعتمد على خبرته الطويلة في تحديد الأماكن التي تنمو فيها أفضل أنواع هذا النبات الثمين. يقول لـ"العربي الجديد" إنه يخرج في كل موسم برفقة أبنائه الصغار وزوجته لجمع الكمأة. يضيف: "هذه ليست مجرد فرصة لكسب المال، بل تجربة عائلية ممتعة يتعلم فيها أطفالي قيمة العمل والصبر". ويؤكد أنه يتمكن في الموسم الواحد من جمع ما يصل إلى نصف طن أو أكثر من الكمأة، ما يحقق له دخلاً جيداً يساهم في تحسين أوضاعه المعيشية.
وعن طبيعة عمله خلال الموسم، يوضح أنه يبدأ البحث عن الكمأة في الصباح الباكر، مستخدماً أدوات بسيطة تساعده في استخراجه من التربة. ويلفت إلى أنه يحرص على بيع جزء كبير من الكمأة في الأسواق بسبب ارتفاع الطلب عليه، فيما يحتفظ بجزء صغير للاستهلاك الشخصي.