موسم الكرز... رزق سنوي لنساء الريف في تونس

03 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 01:33 (توقيت القدس)
يحتاج قطف حبات الكرز إلى عناية ومهارة (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعمل النساء في قرية بني حازم بمحافظة سليانة في قطف الكرز خلال شهري مايو ويونيو، حيث يبدأن العمل منذ السابعة صباحاً لقطف وتنظيف الثمار.
- يُعتبر جني الكرز عملاً موسمياً مهماً للنساء، حيث يتيح لهن كسب المال رغم التحديات مثل ارتفاع تكاليف الأسمدة ونقص الأمطار، مما يؤثر على تسويق المحصول.
- تُعد محافظة سليانة المنتج الأول للكرز في تونس، حيث تُنتج حوالي 9 آلاف طن سنوياً، ويُباع الكرز بأسعار مرتفعة تصل إلى 15 دولاراً للكيلوغرام.

تعمل حبيبة منذ عشر سنوات في قطف الكرز خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران من كل عام، وذلك في موسم الجني الذي تشهده قرية بني حازم التابعة لمحافظة سليانة، شمال غربي البلاد. وتُعرف هذه المنطقة بإنتاج الكرز، المسمّى محلياً بـ"حبّ الملوك".
يبدأ يوم حبيبة وبقية النسوة في الحقول منذ الساعة السابعة صباحاً. وبملابسهن التقليدية، يتوزعن بين أشجار الكرز، تحمل كل واحدة منهن سلة صغيرة، تعلّقها على جذع الشجرة أو على ذراعها. يلتقطن حبات الكرز بحذر شديد، تفادياً لإتلافها أو كسر الأغصان الرقيقة. تقول حبيبة: "قطف الكرز يتطلب عناية كبيرة، فثمار الشجرة الواحدة لا تُجمع دفعة واحدة، بل على مراحل. في كل مرة، ننتقي الثمار الناضجة، لذلك نعمل بحذر حتى لا نتلف ما تبقى من الحبات". وتضيف: "الحبات الناضجة تكون قانية اللون، بينما تكون الحبات الأخرى بلون أبيض أو أصفر أو وردي، وغالباً ما يكون طعمها حامضاً جداً. ويجري قطف ثمار كل شجرة على أربع مراحل، تمتد طوال شهري مايو ويونيو، لأنها لا تنضج دفعة واحدة".
تتسلّق النساء السلالم لقطف الحبات العالية، فيما تجلس أخريات على الأرض لتنظيف الثمار من الأوراق، وفرزها وتوزيعها في الصناديق وفقاً لحجمها ولونها.
مع أول خيوط الشمس التي تلامس التلال كل صباح، تبدأ الحركة تدبّ في قرية بني حازم. في هذا الوقت من العام، تشهد المزارع نشاطاً إيذاناً بانطلاق طقوس جني "حبّ الملوك"، تلك الثمرة الحمراء التي تشتهر محافظة سليانة بإنتاجها، لا سيما في منطقتي بني حازم وبرقو.

موسم جني الكرز مصدر رزق لنساء تونس (العربي الجديد)
تُقطف ثمار كل شجرة على أربع مراحل (العربي الجديد)

تحت شجرة كرز، التقت "العربي الجديد" الحاجة أم راضية، وهي سيدة في أواخر الخمسينيات، تجمع الثمار في صناديق تحت ظلال الأشجار. تقوم بفرز الكرز وتصفيفه بعناية فائقة. تقول: "جني الثمار في هذه المنطقة تقوم به غالباً النساء، وقد تعلّمن تقنياته جيلاً بعد جيل. لذلك يُعدّ هذا العمل الموسمي مهماً بالنسبة لهن، إذ يمكّنهن من كسب بعض المال خلال فترة قصيرة".
في هذا الحقل الممتد على مدّ البصر، تنتقل عشرات النساء والفتيات بين أشجار الكرز. بعضهن يرتدين أثواباً مطرّزة، وأخريات يضعن أوشحة لحمايتهنّ من حرارة الشمس.
تقطف رقية الحبات الحمراء برفق وتضعها بحذر في سلّتها، بينما تجلس ابنتها فاطمة القرفصاء تحت إحدى الأشجار، تلتقط ما تساقط من الحبات على الأرض وهي تغني أهازيج تراثية. وفي كل مرة يُسمع صوت فرقعة يشبه إطلاق الرصاص، يوضح محمد الناجمي، صاحب الأرض، أن "تلك آلة صغيرة تُعلّق في كلّ حقل كرز، وتُطلق صوتاً كلّ ربع ساعة تقريباً، هدفها طرد الطيور التي تنقر الثمار".

تشتهر محافظة سليانة بإنتاج الكرز (العربي الجديد)
تشتهر محافظة سليانة بإنتاج الكرز (العربي الجديد)

في الاستراحة، تفترش النساء شالاتهنّ المطرّزة، ويتقاسمن الخبز والشاي بالنعناع وبعض الأكلات المنزلية، ويتبادلن أخبار القرية. ومع اقتراب نهاية اليوم وانحدار الشمس خلف التلال، يبدأن في جمع أغراضهنّ استعداداً للعودة إلى المنازل، يجتمعن للحصول على أجورهن اليومية من صاحب الأرض. يتقاضين مبلغاً لا يتجاوز عشرة دولارات أميركية.
بحسب خبراء فلاحين، فإن نجاح زراعة شجر الكرز في تلك المنطقة يعود إلى خصوصية مناخها، إذ تحتاج هذه الثمار إلى تربة خصبة ومناخ بارد، وهو ما توفره الجهة التي تشهد تساقط الثلوج شتاءً. كما أنّ الكرز لا يتطلب كميات كبيرة من المياه، بخلاف بعض المحاصيل الأخرى. ورغم هذه المزايا، فإنّ الإنتاج يواجه تحديات عدة، وعلى رأسها ارتفاع تكاليف الأسمدة والأدوية، ونقص الأمطار، وغياب مناطق سقوية كافية. كما تعوق صعوبة التضاريس وغياب الطرقات المُعبّدة تسويق المحصول، ما يحدّ من إمكانية توزيعه على نطاق واسع.

وبحسب الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري بمكثر، يتوقع أن يشهد إنتاج الكرز هذا العام ارتفاعاً بنسبة تُقدَّر بـ40% مقارنة بالموسم الماضي. وتُعدّ منطقة مكثر الأكبر من حيث المساحة المزروعة، حيث تحتضن نحو 450 هكتاراً، ما يوفّر حوالي 80% من الإنتاج الإجمالي. أما بقية المساحات فتتوزع على معتمديات كسرى وبرقو وسليانة الجنوبية. وبذلك تُعد محافظة سليانة، المنتج الأول لـ"حبّ الملوك" بنسبة 90% من الإنتاج الوطني، على مساحة إجمالية تقدَّر بـ715 هكتاراً. ويُوجَّه الإنتاج، الذي يُقدَّر هذا العام بحوالي 9 آلاف طن، إلى السوق المحلية، في حين يُصدَّر نحو 30 طناً إلى السوق الليبية.
يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد في الأسواق نحو عشرة دولارات، وهو سعر مرتفع مقارنة ببقية الغلال. وتصل أسعار الأنواع الفاخرة منه إلى 15 دولاراً للكيلوغرام، ما جعله يُعرف في تونس باسم "حبّ الملوك"، إذ يقول سكان الجهة إن هذه الثمار كانت في السابق حكراً على موائد الأثرياء والملوك، نظراً لندرتها وارتفاع ثمنها. وهناك أربعة أنواع من الكرز في تونس، تختلف حسب الحجم. ويُباع الكيلوغرام في الحقول بحوالي ثلاثة دولارات فقط، لكن سعره يرتفع عند عرضه في الأسواق.

المساهمون