موسم "جزّ الأغنام" فرصة للعمل والاستجمام في ليبيا

موسم "جزّ الأغنام" فرصة للعمل والاستجمام في ليبيا

12 مايو 2021
موسم جز الأغنام يعد فرصة لكسب المال (موساهيت أيديمير/ الأناضول)
+ الخط -

قبل فترة، انطلق موسم "جزّ الأغنام" (قصّ صوفها)، أو "الجلامة" كما يعرف محليّاً، في غالبيّة المناطق الريفية والرعوية في ليبيا، والذي يستمر حتى نهاية مايو/ أيار من كل عام. ويعتبره العديد من الشباب عملاً موسمياً سنوياً وفرصة للاستجمام في وقت واحد. 
ويعدّ موسم "جزّ الأغنام" من المواسم التقليدية التي حافظ الليبيون على خصوصيتها وطقوسها. ويتناوب أصحاب الأغنام على زيارة المراعي لجزّ الأغنام، الأمر الذي يعكس التكافل الاجتماعي، أحد الروابط الأساسية بين القبائل والمدن.  
خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان، غادر فوزي بوهيمة منطقة تيجي غرب البلاد، بصحبة أربعة من شباب منطقته للمشاركة في الموسم. وعلى الرغم من عدم امتلاك أسرهم قطعاناً من الأغنام، يؤكد حرصه هو وأصدقائه على المشاركة في هذا الموسم سنوياً.
وعادة ما يستضيف أصحاب الأغنام من يقومون بجزها طيلة أيام عملهم. ويتنقل هؤلاء من مرعى إلى آخر من دون انقطاع حتى نهاية الموسم. لكن بوهيمة ورفاقه لا يشاركون في كامل الموسم. بالنسبة إليهم، فإن هذه الفترة تعدّ "فرصة للسياحة" في الصحراء والمراعي أيضاً. وتملأ المواسم أوقات الكثير من الليبيين على مدار العام. مع بداية فصل الشتاء، ينشغل البعض بحراثة الأراضي وبذر الحبوب ورعايتها. ومع بدء فصل الربيع، يستعجل الليبيون موسم "الجلامة" قبل بدء موسم الحصاد، ثم يعودون إلى حراثة الأرض مع نهاية الخريف وبداية الشتاء. وتنتشر الخيام في غالبية مناطق الرعي في الحزام المحاذي للمناطق الساحلية جنوباً، سواء في مناطق غرب ليبيا أو شرقها، وخصوصاً مناطق الحمادة في الغرب الليبي وأحياء التميمي والمخيلي والبطنان في الشرق. ويحرص بعض الشباب على المشاركة في هذا الموسم للتعرف على تلك المناطق.
يرى بوهيمة أن هذا الموسم يتيح للشباب التلاقي والتعرف على ثقافات القبائل والمناطق الأخرى. ويقول لـ "العربي الجديد": "يشارك في الموسم شبان من ثمانية مدن على الأقل وينتمون إلى قبائل مختلفة. وعلى الرغم من تكرر الوجوه، لكن دائماً ما يتوافد شبان جدد". ويلفت إلى أن الموسم هذا العام استثنائي، بعدما تراجع العمل خلال الأعوام الماضية بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب ومخاوف الناس من الخروج إلى المناطق الصحراوية والريفية بسبب انعدام الأمان وندرة بقاء الرعاة في المراعي خوفاً من عصابات السرقة.

أما مختار المنصوري، وهو صاحب مرعى في البطنان شرق البلاد، فيري أن موسم "الجز" طقس جماعي، متحدثاً عن كيفية اختلاف العمل من منطقة إلى أخرى. ويوضح أنه في الغرب الليبي، توضع الأغنام في حيز ضيق قبل أن يبدأ الجلام في جزها. ثم يأتي دور رجل آخر يدعى الفكاك، الذي يتولى فك قيود الأغنام المقيدة للجز، قبل أن يأتي دور جامع الصوف ومعاونيه، فيجمعونها فوق بعضها البعض بعد تنظيفها من التراب.
ولا يختلف الأمر كثيراً في مراعي البطنان، بحسب المنصوري. لكن تبقى بعض الإضافات المتعلقة بالأغنيات الخاصة بالموسم. فهناك أغنيات للترحيب بـ "الجلامة" القادمين لإعانة أصحاب الأغنام وأهازيج أخرى يغنيها "الجلام" للتغلب على التعب أو الكسل، وثالثة لأصحاب الأغنام وتتعلق بالربح الوفير وسعة الرزق.


وإن كانت لدى المنصوري، كما يؤكد في حديثه لـ "العربي الجديد"، قدرة على صياغة ونظم أهازيج جديدة، إلا أنه يرى في إقبال الشباب على المشاركة في الموسم فرصة للتعرف على الأغاني القديمة. ويشير إلى أن تراجع الانفلات الأمني وتراجع عصابات الصحراء جعل من الموسم الحالي في البطنان أكثر نشاطاً وجذباً للشباب.

أغنام في ليبيا (ندى حارب/ Getty)
(ندى حارب/ Getty)

من جهته، يهوى سفيان السعيطي السياحة الصحراوية والصيد، لكنه يجد في موسم الجز متنفساً وفرصة للاستجمام مع أخويه وعدد من أبناء منطقته. يقول لـ "العربي الجديد": "يعدّ أيضاً موسماً لجني المال. غالباً ما نتفق مع أصحاب الأغنام على شراء الصوف وبيعه للمصانع الخاصة بصنع السجاد أو التجار". يتابع: "في كل عام، نعمل في منطقة جديدة بهدف كسر الرتابة والتعرف على مناطق جديدة".
وتتميز البلاد بمواسمها السنوية الكثيرة، كجني الزيتون والكمأ، والحراثة والحصاد، بالإضافة إلى مواسم الصيد التي تشتهر بها المناطق الرعوية في الحمادة الحمراء (هضاب صخرية متوسطة الطول تمتلئ بأحواض رملية وتوجد في الصحراء الكبرى الليبية غرب البلاد)، ومحافظة البطنان في شمال شرق البلاد. وتعد هذه المواسم فرصة للاستجمام وجني المال أيضاً. 

وأنشأت البلاد خلال العقود الماضية مصانع للاستفادة من ثروة الصوف أبرزها مصنع غزل الصوف في المرج شرق البلاد، الذي ينتج 900 ألف وحدة سنوياً (مصنع غزل الصوف يعمل على الصوف الخام وتهيئته ليكون صالحاً للصناعات ويقدّر إنتاجه بالوحدة)، ومجمّع المصنوعات الصوفية في بني وليد، جنوب شرق العاصمة، والذي تبلغ طاقته الإنتاجية 2.1 مليون متر مربع سنوياً (مصنع المنسوجات الصوفية يعمل على إنتاج السجاد من الصوف ويقاس إنتاجه بالمتر المربع).
ويقدر عدد الأغنام في ليبيا بنحو 6 ملايين رأس، بحسب إحصائية وزارة الزراعة والثروة الحيوانية عام 2010، لكن يعتقد أنها تناقصت إلى النصف بسبب عمليات التهريب عبر الحدود إلى دول الجوار منذ أواخر عام 2012.

المساهمون