موجة حر بلا ماء ولا كهرباء في شمال غرب سورية

09 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 18:36 (توقيت القدس)
نازحة تبرد جسم طفلها في مخيم بريف إدلب وسط موجة حر، يوليو 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعيش النازحون في مخيمات شمال غرب سورية تحت ظروف قاسية بسبب موجة حر شديدة تجاوزت 45 درجة مئوية، مما أدى إلى انقطاع شبه كامل للمياه والكهرباء، مفاقماً المخاطر الصحية على الفئات الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن.

- تواجه الأسر تحديات في توفير الاحتياجات الأساسية، مما يؤثر سلباً على صحة الأطفال بسبب تقليل الوجبات وغياب وسائل التبريد، ما يؤدي إلى تلف الطعام وانتشار الروائح الكريهة.

- يعاني كبار السن من أمراض مزمنة دون رعاية صحية كافية، ويحتاج الوضع لتحرك عاجل لتأمين مياه الشرب الباردة وحلول طارئة للكهرباء لتجنب تفاقم الكارثة الصحية.

تحت شمس لاهبة تجاوزت درجات حرارتها 45 درجة مئوية، يعيش آلاف النازحين في مخيمات شمال غرب سورية أوضاعاً خطرة في ظل انقطاع شبه كامل لمصادر المياه والكهرباء، ما فاقم المخاطر الصحية وهدد حياة الفئات الأكثر ضعفاً، لا سيما الأطفال وكبار السن. وتتوزع المخيمات على أطراف مدن وبلدات إدلب وريف حلب الشمالي، إذ تضرب موجة الحر المنطقة منذ أيام، وبلغت ذروتها اليوم السبت، وسط عجز السكان عن مواجهة آثارها.

تقول مريم الشيخ طه، أمّ لخمسة أطفال تعيش في خيمة صغيرة قرب مدينة سرمدا، إن العائلات باتت تواجه صعوبة شديدة في الحصول على مياه الشرب، إذ لا تصل الصهاريج إلا بعد فترات طويلة من الانتظار وفي أوقات غير منتظمة، وغالباً ما تكون الكميات قليلة لا تكفي أكثر من يوم واحد. وتضيف أن بعض الأسر تضطر إلى تخزين المياه في أوعية بلاستيكية معرضة لأشعة الشمس، ما يجعلها ساخنة وغير صالحة للشرب أحياناً.

وتشير مريم إلى أن الأمهات يواجهن معضلة يومية في الموازنة بين تلبية حاجة الأطفال للماء وبين الاحتفاظ بما يكفي ليوم الغد، مؤكدة أنها، كما معظم الأسر، لجأت إلى تقليل عدد الوجبات والمياه المستهلكة، رغم معرفة الجميع بخطورة ذلك على صحة الأطفال، خاصة في ظل الحرارة المرتفعة. وتلفت إلى أن المراوح باتت حلماً بعيد المنال مع غياب الكهرباء، ولا تملك سوى تبليل أقمشة بالماء ووضعها على أجساد الصغار لخفض حرارتهم، كما بدأت بجمع مياه غسيل الخضار أو الأواني لاستخدامها في تنظيف أرضية الخيمة.

وتتابع بأن الأطفال يعانون من الإرهاق الشديد بسبب الحر، ويقضون معظم النهار داخل الخيام أو تحت ظلال ستائر مؤقتة صنعتها العائلات من أقمشة قديمة، لكن الهواء الحار وانعدام التهوية يحولان دون شعورهم بأي تحسن. وتضيف أنها تترقب مضي ساعات النهار الطويلة حتى حلول الليل، لكن الليل لا يجلب الراحة، فالخيام تظل حارة خانقة، ما يجعل النوم مهمة شبه مستحيلة.

بدوره، يصف النازح عمر البرهو، المقيم في مخيمات دير حسان، معاناته بالقول إنه "لم يعد قادراً على تشغيل المراوح أو تبريد الطعام في ظل موجة الحر القاسية، إذ يعتمد بشكل كامل على ألواح الطاقة الشمسية التي تراجعت كفاءتها بشكل كبير خلال الأيام الأخيرة نتيجة الحرارة الشديدة وتراجع شدة الإشعاع في بعض الأوقات". هذا الواقع أدى إلى تعطل أجهزة التبريد المنزلية البسيطة التي يعتمد عليها، ما تسبب في تلف معظم المواد الغذائية التي يحتفظ بها بسرعة قياسية، وانتشار روائح كريهة داخل الخيمة ومحيطها، الأمر الذي يضاعف معاناة العائلة ويهدد صحتها، خاصة مع صعوبة الحصول على بدائل للتخزين أو مصادر طاقة أخرى.

من جانبها، توضح الخمسينية سميرة العيان، نازحة في مخيم الوحلة شمال مدينة الدانا، أن "الحر الشديد يضاعف آلام كبار السن، فأغلبهم يعانون من ضغط الدم والسكري وأمراض القلب، ولا توجد مرافق صحية مجهزة لتقديم الرعاية اللازمة". وتصف بصوت متعب كيف يقضي كبار السن في المخيم نهاراتهم في محاولة يائسة للبحث عن أي بقعة ظل، بينما الخيام القماشية المهترئة تتحول مع منتصف النهار إلى ما يشبه الأفران المغلقة. 

وتضيف لـ"العربي الجديد" أن "الطبيبة في النقطة الطبية حذرتنا من التعرض الطويل للشمس، لكن أين نجد الظل ونحن نعيش في خيام لا تقي من الحر ولا توفر تهوية مناسبة"، مشيرة إلى أن بعض المسنين لا يملكون حتى مراوح يدوية أو مياه باردة تخفف عنهم وطأة الحر، ما يجعلهم عرضة لمضاعفات صحية خطيرة في أي لحظة.

من جهتها، تشير الصيدلانية رهف النعسان، المقيمة بالقرب من مخيمات قاح، إلى أنها لاحظت خلال الأيام الأخيرة "زيادة ملحوظة في حالات الإغماء وضربات الشمس، خاصة بين الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن"، موضحة أن هذه الفئات تعتبر الأكثر عرضة للتأثر بالحرارة الشديدة نتيجة ضعف قدرتها على تحمل الإجهاد الحراري. 

وأوضحت لـ" العربي الجديد" أنها تستقبل يومياً عدداً متزايداً من الحالات التي تعاني من الجفاف والإرهاق الحراري، وتحولهم بدورها لتلقي العلاج في المشافي المتخصصة، وتحذر النعسان من أن استمرار الوضع على هذا النحو "قد يؤدي إلى موجة أمراض معوية وجلدية، بفعل تلوث المياه وغياب وسائل التبريد اللازمة لحفظ الأغذية، إلى جانب تفاقم نقص النظافة الشخصية في ظل شح المياه وغياب البنية التحتية الصحية الملائمة". وتطالب النعسان بضرورة التحرك العاجل لتأمين مياه الشرب الباردة، وتوفير حلول طارئة للكهرباء، قبل أن تتفاقم الكارثة مع استمرار موجات الحر في المخيمات.

ووفقاً لمعطيات المديرية العامة للأرصاد الجوية، فإن تأثير الموجة الحارة، التي بدأت في سورية خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، يستمر حتى نهاية هذا الأسبوع الحالي، وتكون ذروة تأثيرها اليوم السبت وغداً وبعد غد. وأشارت المديرية لوكالة أنباء "سانا" إلى أن الحرارة ستكون أعلى من معدلاتها بنحو 4 إلى 7 درجات مئوية، نتيجة تأثر البلاد بامتداد منخفض موسمي هندي سطحي مترافق بامتداد مرتفع شبه مداري في طبقات الجو العليا، مركزه جنوب شرقي البلاد، يؤدي إلى تشكلٍ أشبه ما يكون بالقبة الحرارية تؤثر على عموم البلاد.

وأفادت بأن درجات الحرارة تختلف حسب المناطق، وتصل في المنطقة الشرقية والجزيرة إلى 49 درجة، فيما تكون في المناطق الداخلية والوسطى والجنوبية والشمالية الغربية بين 44 و45 درجة. وحذرت من التعرض لأشعة الشمس خلال ساعات النهار، لا سيما الأطفال وكبار السن.