مهور الإيرانيات... الدفع أو السجن

مهور الإيرانيات... الدفع أو السجن

16 يونيو 2022
يحدد مهر خيالي لبعض الزيجات في إيران (إيريك لافورغ/ Getty)
+ الخط -

"المهر من يدفعه ومن يأخذه؟"، مثل إيراني شهير يتكرر لدى الاتفاق على شروط عقد الزواج بين عائلتي العريس والعروس. وهو متوارث من جيل عن جيل، لتقليل أهمية المادة في بناء الحياة الزوجية وعدم ربطها به، وتأكيد أهمية الزواج وروحه. لكن من روّج هذه الثقافة الشعبية في إيران لم يعلم أنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى تحديد مهور خيالية لا يمكن دفعها، وقد تزج أحياناً بالزوج في السجن إذا نشبت مشكلة عائلية جعلت العروس ترفع دعوى أمام المحكمة للمطالبة بمهرها الذي لا يستطيع الرجل دفعه.

قبل أكثر من عقد، أمضى ياشار رحيم زادة ثلاث سنوات من سنوات شبابه في السجن، بسبب عدم قدرته على دفع مهر زوجته البالغ 1365 مسكوكة ذهبية إيرانية، ومقدارها 640 ألف دولار اليوم. ويقول لـ"العربي الجديد": "نشب بعد العام الأول من زواجي خلافات حادة انتهت بالطلاق بعد 5 سنوات من الحياة المشتركة. وطالبت زوجتي بالمهر كله الذي لم أستطع دفعه، فقضت المحكمة بسجني، ثم أفرجت عني قبل انتهاء مدة الحكم، بعدما اتفقت مع زوجتي على منحها الطلاق بعد خفض المهر إلى نحو 50 ألف دولار، ودفع جزء منه نقداً والباقي على أقساط".

والشهر الماضي، كشف رئيس مجلس أمناء لجنة الديات في إيران، أسد الله جولايي، أن 1499 شخصاً يوجدون في السجون بسبب عجزهم عن دفع المهور. وكان عدد "سجناء المهور" أكبر قبل عقد، وناهز 20 ألفاً، ثم تراجع بعدما أمر القضاء بأن تتجنب المحاكم إصدار قرارات بسجن من يعجزون عن تسديد المهور.

في ثقافة الزواج الإيرانية، لا يُدفع المهر مقدماً، كما الحال في العالم العربي، ولا يحدد موعد لتسليمه، لكن عقد القران يلزم الزوج بدفع المهر حين تطالب به الزوجة. وتشير المادة 1082 من القانون المدني الإيراني إلى أن "المهر يصبح من حق الزوجة بمجرد كتابة عقد القران، ويمكنها أن تطالب به في أي وقت تشاء، إلا إذا اشترط الزوج دفعه حين يستطيع". أما العرف السائد فعدم المطالبة به إلا إذا حصلت مشاكل وخلافات أسرية كبيرة.

ويعتبر المهر تعهداً من العريس، وديناً على عاتقه يجب أن يسدده حين تريد العروس. ويحدد في إيران غالباً بعدد من المسكوكات الذهبية الإيرانية التي يقدر سعر الواحدة منها بحوالى 500 دولار، لكن أعداد هذه المسكوكات تختلف حسب قناعات العائلات، من 14 على نية الـ14 المعصومين لدى الطائفة الشيعية، إلى عدد سنوات ميلاد العروس (1380 إذا ولدت عام 1380 شمسي). أيضاً، هناك أشكال أخرى للمهور في إيران، بينها 19.50 مثقال ذهب في المنطقة الكردية الإيرانية، والتعهد بإرسال العريس إلى الحج، أو حتى تقديم زهرة أو باقة زهور أو كتاب وغيرها.

وقد تصرّح زوجة "أتخلى عن مهري لأحرر نفسي"، كي تتخلص من الحياة الزوجية وتحصل على الطلاق الذي يضعه القانون الإيراني في يد الرجل، إلا إذا تنازل عن هذا الحق لزوجته في عقد الزواج.

الصورة
يجب أن يتجنب العريس المشاكل العائلية (كافح كاظمي/ Getty)
يجب أن يتجنب العريس المشاكل العائلية (كاوه كاظمي/ Getty)

تقول الشابة العشرينية آرزو، المتحدرة من مدينة سنندج (غرب) وانفصلت عن زوجها قبل عامين، لـ"العربي الجديد": "لم أعد أحتمل مواصلة الحياة المشتركة مع زوجي، فقررت أن أتركه بعدما عشت 4 سنوات معه، وأنجبت ولداً". تضيف: "استمرت الخلافات بيننا أكثر من عامين، وكبرت وزادت يوماً بعد آخر، فلم أعد أحتمل هذه الحال، وعدت إلى بيت أبي الذي مكثت فيه أكثر من عام من دون أن يقبل زوجي منحي الطلاق، ثم وافق بشرط أن أتخلى عن جميع حقوقي المالية، ومنها المهر وحق حضانة ولدي. وأنا لم أملك إلا خيار الموافقة، لأنني لم أعد أطيق الحياة معه".

وليست آرزو حالة معزولة في إيران، إذ تحذو زوجات كثيرات حذوها، حتى لو كانت مهورهن بآلاف أو عشرات آلاف الدولارات، وإلا ستبقى حياتهن معلقة سنوات في انتظار الحصول على الطلاق. وقد تتحمل بعضهن عناء ذلك ويصبرن لنيل حقوقهن المالية أكانت المهر أو غيره، على شكل أقساط أو دفعة واحدة. وبحسب القانون الإيراني، لا يملك الزوج إلا خيار تسديد المبالغ، وإذا كانت حاله ميسورة تضبط أمواله لاقتطاع قيمة المهر منها، وإذا عجز عن الدفع يجري تقسيط المبالغ.

ومن أجل الحصول على مهرها، يجب أن ترفع المرأة الإيرانية شكوى أمام المحكمة، وتخوض معركة قضائية، لكن البرلمان يدرس حالياً مشروعاً لتعديل قانون المهر، يشمل إلغاء جميع مراحل المحاكمة والبت القضائي في الموضوع.

ويوضح النائب أبو فضل أبو ترابي، لوكالة "إرنا" الرسمية، أنه "إذا رفض الزوج إعطاء المهر، يمكن أن تراجع الزوجة قسم التنفيذ في محكمة الأسرة مباشرة للحصول عليه. وإذا تمتع الزوج بحالة معيشية ميسورة تضبط أمواله سريعاً وتسلم إلى زوجته، أما إذا لم يملك الزوج المال فيجري تقسيط المهر على دفعات شهرية".

ويتضمن مشروع تعديل قانون المهر بنداً رادعاً لمحاولة الحد من ظاهرة المهور الكبيرة بالمسكوكات الذهبية الإيرانية، من خلال أخذ رسوم التسجيل من العريس والعروس. ويقول أبو ترابي: "إذا كان عدد المسكوكات الذهبية بين 100 و200، تفرض رسوم تسجيل بنسبة اثنين في المائة من قيمة المسكوكات، وإذا تجاوز العدد 200 مسكوكة يجب دفع 15 في المائة من قيمتها".

المساهمون