مهن السوريين... فرص للعمال "المؤهلين أقل" في تركيا

مهن السوريين... فرص للعمال "المؤهلين أقل" في تركيا

19 ديسمبر 2021
تعجّ معامل الخياطة في تركيا بالسوريين (كريس ماغرات/ Getty)
+ الخط -

"تبدلت ظروف العمل وشروطه، وعرفنا تضييقاً كبيراً خلال العامين الأخيرين اللذين شهدا وباء كورونا وحملات عنصرية، فبتنا نرضى بالقيام بأي عمل يساعدنا في الاستمرار، بعد موجات الغلاء وتبدل نظرة الأتراك إلينا. واليوم تعجّ معامل الخياطة بالسوريين والسوريات". هذا ما يقوله محمود حسين (31 عاماً) الذي بدّل عمله ثلاث مرات خلال عامين، واستقر أخيراً في مصنع للقبعات بمنطقة أفجولار، والذي يصدّر كل إنتاجه للخارج، وذلك بعدما كان أسس شركة صغيرة للخدمات السياحية في منطقة تقسيم بإسطنبول، ثم عمل دليلاً سياحياً في شركة تركية كونه يجيد اللغة والمهنة، قبل أن تصرفه العام الماضي. يضيف: "صحيح لا حواجز معلنة لعمل السوريين، لكن زيادة طالبي العمل رفعت شروط أصحاب الشركات، وخفّضت الأجور والضمان الاجتماعي".
ويورد إحصاء أجرته المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية الحكومية الشهر الماضي أن 3.7 ملايين سوري يخضعون لحماية مؤقتة. ويسكن حوالى 533 ألفاً منهم في إسطنبول، وحوالى 458 ألفاً في غازي عنتاب، وحوالى 437 ألفاً في هاتاي.
وتتنوّع المهن التي يعمل فيها السوريون. وتشير منظمة العمل الدولية إلى أن 48.2 في المائة منهم يعملون في قطاع التصنيع، بينهم 31.1 في المائة في الألبسة، و21.3 في المائة في الإنشاءات، و17.7 في المائة في التجارة والضيافة بينهم 35.7 في المائة في تجارة التجزئة، و30.1 في المائة في قطاع الطعام، و34.2 في المائة في قطاعات أخرى. كذلك يعمل 7.8 في المائة من السوريين في الزراعة، و1.4 في المائة في النقل والاتصالات، و2.7 في المائة في التعليم، و1.1 في المائة في الصحة.

فرص عسيرة
ويصرّ مدير مركز الهجرة والدعم المعنوي في ولاية غازي عنتاب، جلال ديمير، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أن بلاده "لم تبن أي سد في وجه السوريين، بل فتحت باب العمل أمام أصحاب الكفاءات والمهنيين، لكن عوامل إجادة اللغة والتخصص وتقبّل الأتراك لهم مهمة لدخولهم قطاعات العمل وبينها الحكومية".
وتختلف قطاعات وجود السوريين بين الولايات التركية، ففي غازي عنتاب يتكثف حضورهم في المطاعم وأعمال صنع الحلويات والصناعة، في حين يشغلون مناصب سياحية في ولاية إزمير، ويعملون في الزراعة في هاتاي وأورفا. وفي إسطنبول تحديداً يعملون في قطاعات العقارات والمطاعم والسياحة.
وعن دخول بعض السوريين قطاعات العمل الحكومي مستفيدين من إجادتهم اللغة التركية والحصول على الجنسية الاستثنائية، يشرح ديمير "أن شروط الحصول على عمل حكومي صعبة، علماً أن آلاف الجامعيين الأتراك لم يلتحقوا به. وبعد سنوات سينضم سوريون إلى العمل الحكومي، لكن بنسب قليلة، لأن تجاوزهم الشبان الأتراك في اللغة والتخصص أمر عسير، علماً أن السوريين الذين يعملون في قطاعات حكومية حالياً هم مترجمون بعقود محددة".

استغلال
وأفادت دراسة حديثة أجراها مركز الحوار السوري بعنوان "العمالة السورية في سوق العمل التركي" بأن "لجوء السوريين إلى تركيا، أدخل شريحة واسعة منهم إلى سوق العمل الرسمي وغير الرسمي، والذي أثّر فيه بوضوح. وقد سمحت الأعمال المختلفة التي مارسوها بتأمين موارد مالية لهم لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم المعيشية".
وتشكل العمالة السورية نسبة 2.9 في المائة من إجمالي حجم عمالة السوق التركية الرسمية وغير الرسمية وفقاً لإحصاءات الحكومة. وتستوعب قطاعات الورش الصناعية وتلك التي تنتج ملابس وأحذية أكثر من نصفهم، ثم قطاعات الإنشاءات والشركات والمحلات التجارية، وبعدها الأعمال الحرة والمطاعم والمخابز، وتصليح السيارات، ونقل الفحم وبيعه، والزراعة والإعلام والتعليم وغيرها بنِسَب بسيطة.

الصورة
لاجئون سوريين كُثر يعملون في الحلاقة (بولنت كيليتش/ فرانس برس)
لاجئون سوريون كُثر يعملون في الحلاقة (بولنت كيليتش/ فرانس برس)

لكن دراسة مركز الحوار تشير إلى أن العمالة السورية تعرضت لحالات استغلال من أرباب عمل سوريين وأتراك. وتكشف أن 92 في المائة منهم يعملون أكثر من 8 ساعات يومياً (45 ساعة أسبوعياً)، بينهم 59 في المائة أكثر من 65 ساعة أسبوعياً، من دون الحصول على تعويض مالي يتناسب مع المهمات الإضافية، أو على حد مقبول من الإجازات أو الحقوق القانونية.
وفي ظل ظروف العمل الطويل والشاق يتلقى 75 في المائة منهم رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور المحدد بـ 2825 ليرة تركية (205 دولارات)، بينهم نحو 50 في المائة بين 1500 و2500 ليرة (109 و181 دولاراً)، فيما يتقاضى 25 في المائة منهم أكثر من 2500 ليرة. ولا تتناسب معدلات الرواتب مع ساعات العمل الطويلة، لكن امتلاك مهارات لغوية متقدمة قد يزيد فرص الحصول على رواتب أعلى أحياناً.
وفي شأن الوضع القانوني للعاملين السوريين في السوق التركية، لا يخضع 90 في المائة منهم لأنظمة العمل، ويفتقرون إلى تراخيص رغم أن 85 في المائة منهم ليس لديهم أي عائق قانوني لاستصدارها، لكن أرباب العمل يتهاونون في تنفيذ هذه الإجراءات، في ظل رغبتهم في التهرب من دفع التأمينات الاجتماعية لخفض تكاليف الإنتاج.

هدر كفاءات
وتناولت دراسة مركز الحوار الشريحة العمرية للسوريين العاملين الذين قالت إن "نسبة 87 في المائة منهم تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً". وأوضحت أن "معظمهم ذوو مستويات تعليم منخفضة، فيما يعتبر 20 في المائة منهم من المؤهلين أكثر من المطلوب في ظل حملهم شهادات جامعية، لكنهم يعملون في مِهن منخفضة الكفاءة وفي غير اختصاصاتهم، ما يتسبب في خسائر مضاعفة لهم كأفراد نتيجة عدم استغلال إمكاناتهم الكاملة وتوظيفها في المجالات المناسبة، ويشكل أيضاً خسارة للاقتصاد التركي، فهؤلاء يُعاقبون مرتين في سوق العمل، أولاً بسبب عدم حصولهم على تصاريح عمل، وثانياً لعدم الاعتراف بشهاداتهم".

الصورة
متجر لسوري تعرض لاعتداء عنصري في أنقرة  (توناهان تورهان/ Getty)
متجر لسوري تعرض لاعتداء عنصري في أنقرة (توناهان تورهان/ Getty)

تصفيف الشعر
وقد تنبهت تركيا لممارسة سوريين مهناً تميزوا فيها. وأوردت صحيفة "سون سوز" التي تصدر في مدينة باتمان (شرق)، في تقرير بعنوان "المهنة الوحيدة التي لا يمكن أن تهزمها التكنولوجيا، حلاقة الشعر"، أن "لاجئين سوريين كُثراً يعملون في مهنة تصفيف الشعر التي لا تتطلب رأس مال كبيرا أو معدات باهظة الثمن". وتابعت: "يكفي معرفة الشاب بالمهنة كي يعمل بها، ويعتمد عليها كمورد رزق. أما الشباب الأتراك فيعزفون عن تعلم هذه المهنة أو احترافها".
وأقلق انتشار المحلات السورية لتصفيف الشعر والتجميل الشباب الأتراك. ونشرت صحيفة "سوزجو" تقريراً عن الوضع الصعب الذي يعانونه خصوصاً في إسطنبول، بسبب افتتاح عدد كبير من اللاجئين السوريين صالونات في شكل قانوني أو غير قانوني، ما حرم الأتراك من زبائن وإيرادات. وتحدثت الصحيفة عن "تسجيل 60 سورياً في غرفة الحلاقة بإسطنبول، لكن الرقم الحقيقي أعلى بكثير".

تبدل الظروف
من جهته، لا يرى الباحث أوزجان أوزون أي مخاطر من العمالة السورية في تركيا. ويقول: "أسعف هؤلاء الأخوة أعمال منشآت عدة في أوقات صعبة، وهم لا يتقاضون أجوراً مرتفعة". لكنه يستدرك بأن "ظروف عمل السوريين تبدلت، فحين جاؤوا عامي 2011 و2012، لم يطلب منهم تقديم أي أوراق أو تراخيص، ما جعلهم يقبلون على المحلات والشركات الصغيرة والمطاعم وسواها. ثم تضاءل اتجاه السوريين للعمل الخاص بعد طلب هذه الأوراق، وزاد توجههم إلى المنشآت التركية".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

أيضاً رفض مدير عام شركة "إيجا إش" التركية، نوري دوغان اتهام السوريين بزيادة البطالة والفقر في تركيا. وقال لصحيفة "خبر ميترو": "إذا هاجر السوريون لن تجد الشركات موظفين لتشغيل مصانعها، فالحقيقة أنه إذا نشرنا إعلاناً عن حاجتنا إلى مهندس يتقدم 1000 شخص للوظيفة، بينما لا يتقدم أي شخص لممارسة عمل مهني، والشركات تجد الحل في المهاجرين السوريين". وأيّد ما أعلنه مسؤولون أتراك عن أهمية دور نحو 3.7 ملايين سوري في دعم الاقتصاد، وتنشيط الأسواق وقطاعات الصناعة والبناء والزراعة.

المساهمون