مهن أضحى الجزائر... استرزاق موسمي يمنع الاندثار

مهن أضحى الجزائر... استرزاق موسمي يمنع الاندثار

21 يوليو 2021
بسطات الأسواق مليئة بمعدات الأضاحي (العربي الجديد)
+ الخط -

 

خلال عيد الأضحى في الجزائر تتضاعف الطلبات على معدات يصنعها حرفيون محليون وتستخدمها العائلات في المناسبة، ما يضمن مدخولاً مالياً جيداً لهؤلاء الحرفيين ويدعم مهنهم المهددة.

تستقطب الحرف الصغيرة التي تواكب احتفالات عيد الأضحى شباناً جزائريين كُثراً وتجاراً موسميين يزاولون أعمال شحذ سكاكين وصنع مواقد للشي ومعدات أخرى تستخدمها عائلات خلال العيد، في وقت يحاول حرفيون قدامى الحفاظ على مهنهم هذه من خطر الزوال، باعتبار أن عدد ممارسيها يتناقص سنوياً في البلاد.

يروي حرفي يدعى ياسين بوحدة لـ"العربي الجديد"، خلال عمله داخل ورشته المتواضعة على صنع مواقد للشي وسكاكين طلبها زبائن شاهدوا نماذجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "أزاول هذا العمل منذ سنوات، ويزداد طلب هذه المعدات مع اقتراب عيد الأضحى، حين تستمتع العائلات بجلسة شواء تجمع أفرادها للحفاظ على صلة الرحم، وإضفاء طابع ترفيهي خاص على المناسبة، خصوصاً لدى أولئك الذين يملكون مساحات وحدائق في محيط منازلهم. كما باتت مواقد الشي تصاحب جزائريين كُثراً في رحلاتهم الخارجية التي يقصدون فيها الغابات وشواطئ البحر والمتنزهات، كون هذه الرحلات تتميز بنكهة متعة خاصة وفريدة في الهواء الطلق".

يحرص الشبان والتجار الموسميون على عرض معدات عيد الأضحى في ساحات المساجد وعلى أرصفة الطرقات ومداخل الأسواق الشعبية، وبينها سكاكين وأدوات نفخ وتعليق وسلخ الأضاحي وسواطير ومناشير كهربائية تستخدم في التقطيع، إلى جانب الفحم الذي يستخدم في عمليات الشواء بدلاً من مادة الغاز أو الحطب. وبالنسبة إلى شبان كُثر يشكل هذا النوع من التجارة الموسمية التي تنتشر في شكل واسع في الأسواق، فرصة مناسبة لكسب الرزق وتأمين بعض المال الذي يستخدم في مواجهة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

يقول فريد بن ناصر (35 عاماً)، والذي يعرض أدوات مختلفة على طاولة في مدخل سوق 18 شباط بمدينة حجوط، غرب الجزائر العاصمة، وبات معروفاً بجذبه أعداداً كبيرة من الزبائن بسبب أسعاره المعقولة جداً، لـ"العربي الجديد": "أمتهن التجارة الموسمية منذ سنوات طويلة، وأغيّر النشاط حسب متطلبات كل مناسبة أو موسم. في السنوات الأخيرة، بات بعض الزبائن يبحث عن أدوات كهربائية متطورة، مثل آلات تقطيع الأضاحي أو نفخها، في حين يستمر طلب الأدوات التقليدية، مثل السكاكين التي تفرض حضورها في سوق البيع، ما حتّم اهتمام شركات تصنعها بإضفاء طابع جمالي على التصاميم والمظهر الخارجي لاستقطاب وجذب أكبر عدد من الزبائن. وبلغ الاهتمام حدّ صنع حقيبة كاملة تتضمن كل معدات الأضاحي، والتي باتت تتوافر بتصاميم راقية ونوعيات ممتازة على صعيد جودة التصنيع والأداء".

الصورة
الحرفيون يتفننون بمعدات الأضاحي (العربي الجديد)
الحرفيون يتفننون بمعدات الأضاحي (العربي الجديد)

على غرار فريد، يشير علي خليفة، وهو في العشرينيات من العمر، ويعمل في التجارة الموسمية بعدما توقف عن الدراسة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن تجارة العيد تشكل فرصة مهمة لكسب المال، ما يجعله يُسرع في اقتناء كمية كبيرة من الأدوات المخصصة للأضاحي، تمهيداً لعرضها للبيع أمام مسجد عمر بن الخطاب بمدينة العفرون، حيث يستقطب اهتمام مصلين بعد انتهائهم من أداء الشعائر. كما يتلقى طلبات شراء عبر الهاتف أو على صفحة "فيسبوك" الخاصة به، علماً أنه يوصل المعدات المطلوبة بنفسه إلى أماكن وجود الزبائن. لكنه يستدرك بأن "أزمة كورونا أثرّت كثيراً على التجارة الموسمية التي عرفت رواجاً أكبر في السنوات الماضية، في حين يشهد العام الحالي أزمة اقتصادية خانقة في الجزائر ألقت بدلوها على سوق العمل، وقلّصت كثيراً من عدد الوظائف".

الصورة
عيد الأضحى مرتبط بمهن مهددة بالزوال (العربي الجديد)
عيد الأضحى مرتبط بمهن مهددة بالزوال (العربي الجديد)

وثمة حرفة ملازمة لموسم عيد الأضحى في الجزائر وتتمثل في شحذ السكاكين والسواطير التي ترفض أن تندثر في ظل وجود حرفيين مخضرمين، أحدهم موسى، الذي يمارس حرفته باستخدام آلة قديمة ورثها عن أبيه. يقول موسى لـ"العربي الجديد"، خلال انهماكه في عمله، في وقت ينتظر زبائن دورهم أمام باب محله المتواضع: "جعلني حبي لهذه الحرفة أناضل لتجنيبها مصير الاندثار في ظل تناقص عدد ممتهنيها، خصوصاً أن حرفيين كُثراً يبحثون دائماً عن مصالح تضمن لهم أرباحاً أكبر. كما أن غالبية الجزائريين باتوا يفضلون اقتناء سكاكين جديدة بدلاً من شحذ تلك القديمة، ما أثر في مداخيلنا التي تنخفض من موسم إلى آخر، علماً أن كلفة هذه العملية للسكين الواحد تراوح بين دولار و3 دولارات، وللساطور الكبير بين 3 و5 دولارات.

ويعتبر موسى أن تسويق معدات مصدرها الصين، بأسعار منافسة، في السوق المحلية، حتّم إقبال الزبائن عليها، خصوصاً أن بعضها ذات أداء متطور ومبتكر وحتى فاخر وتستخدم الكهرباء، في حين بات استمرار العمل الحرفي رهن أشخاص يعشقون سكاكينهم وأدواتهم العتيقة ذات القيمة الرمزية بالنسبة إليهم، والعزيزة على قلوبهم، في حين تظل عملية شحذ السكاكين في الشارع رمزاً أساسياً لاقتراب موعد عيد الأضحى. إلى ذلك، يدأب مفتاح بويزول منذ أكثر من 40 عاماً على ذبح وسلخ وتقطيع الأضاحي في بلدته أحمر العين التي يقصده أبناؤها لحجز موعد معه كي ينتقل إلى منازلهم ويلبي طلباتهم. يقول لـ"العربي الجديد": "تراوح كلفة هذه العملية بين 10 دولارات و40 دولاراً للأضحية الواحدة، بحسب نوع الخدمة التي يطلبها الزبون ونوع الأضحية التي تختلف بين عجل وبقرة. وهذه الخدمة تدرّ علي مبلغاً مالياً جيداً في كل موسم عيد أضحى".

في السنوات الأخيرة، انقرضت مهن وعادات مرتبطة بمناسبة عيد الأضحى، وشهدت تناقصاً كبيراً في عدد ممارسيها، على غرار غسل "الهيدورة"، أي صوف الكبش أو بيعه، بعدما تخلت عائلات كثيرة عن هذا الصوف الذي بات يرمى في يوم العيد في الشوارع ومستوعبات القمامة، ما يشكل هاجساً كبيراً لعمال النظافة بسبب تكدسها وانبعاث روائح كريهة منها، في حين كانت في الماضي تخبأ بعد تجفيفها وتستعمل لتغطية الكراسي وتزيين المنازل، أو يجمعها تجار موسميون من أجل بيعها لمصانع جلود تستخدمها كمادة أولية في التصنيع. كما كان صوف الكبش يصدّر إلى الخارج، علماً أن أصحاب شاحنات كانوا يجوبون الشوارع ويصرخون لإخراج "الهيدورة" وبيعها لهم.

المساهمون