مهجّرو محافظة السويداء مشتّتون بين الخيام

29 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 17:42 (توقيت القدس)
مدرسة في درعا بمحافظة السويداء تضمّ عائلات نازحة، يوليو 2025 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعيش النازحون من السويداء في ظروف صعبة بمراكز إيواء مؤقتة بريف درعا، حيث تحولت المدارس إلى مأوى لهم منذ يوليو، مما يهدد بحدوث صدامات مسلحة بسبب عدم وضوح مستقبلهم.
- تتفاقم أزمة الإيواء مع تزايد أعداد النازحين، حيث يقدر عددهم بنحو 400 عائلة موزعة على 63 مركز إيواء، مما يضع ضغطاً على العملية التعليمية، وتعمل الحكومة مع المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدات والسعي لتوفير مراكز بديلة.
- تبذل مديرية تربية درعا جهوداً لضمان استمرارية التعليم بفتح صفوف بديلة وتوفير دعم نفسي، لكن النازحين يواجهون نقصاً في الخدمات وسط غياب رؤية لإعادة إعمار قراهم.

في ساحة مدرسة خربا بريف درعا الشرقي، تنتصب عشرات الخيم المهترئة التي نصبها نازحون من محافظة السويداء، بعدما طُلب منهم إخلاء الصفوف التي تحولت منذ منتصف يوليو/تموز الماضي إلى مراكز إيواء مؤقتة. ورغم بداية العام الدراسي، لكن "المؤقت" الذي وعدتهم به السلطات السورية صار مفتوحاً على المجهول، تماماً كما حياتهم التي تزداد قسوة يوماً بعد يوم.

يؤكد مصطفى العميري، المتحدث باسم عشائر السويداء، أن معظم العائلات رفضت التشتت في مخيّمات متفرقة، فاختارت البقاء قرب المدارس التي أُخرجت منها، على أمل أن تجد السلطات حلاً يجمعهم في مكان موحّد. ورغم الطرح المتكرّر لمعسكر طلائع زيزون في ريف درعا الغربي موقعاً بديلاً، فإنّ الحكومة بحسب العميري "تُماطل في اتّخاذ قرار واضح بشأن إعادة المهجرين أو تأمين مساكن مؤقتة تحفظ كرامتهم"، محذراً من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى "صدامات مسلحة".

مهجّرو السويداء... وعود مؤجلة ومراكز مزدحمة

يقدر عدد النازحين من السويداء بنحو 400 عائلة موزعة على 63 مركز إيواء أغلبها في مدارس الريف الشرقي والأوسط، ورغم الوعود المتكرّرة بعودتهم إلى قراهم بعد اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء، لكنّ شيئاً لم يتغيّر. ويعيش اليوم في مراكز الإيواء بقرية السهوة وحدها نحو 140 عائلة، بينما تكاد باقي المراكز في ناحتة وداعل تستوعب البقية بالكاد، ويقدر عدد الطلاب الذين يتلقون تعليمهم في مدارس الإيواء بحوالى 855 طالباً، ما يزيد الضغط على العملية التعليمية والمرافق المدرسية.
يُقر حسين النصيرات، عضو المكتب التنفيذي للشؤون الاجتماعية بدرعا، بأن المواقع البديلة التي طُرحت حتى الآن "لا تغطي أكثر من 10% من الأسر النازحة"، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى صعوبة توزيعهم على مناطق متفرقة بسبب "الروابط العائلية والاجتماعية التي تمنع تفككهم"، كما لفت إلى أن أزمة الإسكان في درعا تفاقمت مع عودة آلاف المهجرين ونقص الأبنية المؤهلة للسكن بعد سنوات الحرب.
 

الصورة
مساعدات إنسانية إلى السويداء، سورية، 27 سبتمبر 2025(فيسبوك/محافظة السويداء)
مساعدات إنسانية إلى السويداء، سورية، 27 سبتمبر 2025 (فيسبوك/محافظة السويداء)

وفيما تتفاقم أزمة الإيواء، أعطى محافظ السويداء، مصطفى البكور، رؤيته بشأن خطة الحكومة للتعامل مع المهجرين واستمرار التعليم، مشدداً على أهمية تأمين مراكز إيواء بديلة خارج المدارس، لافتاً لـ"العربي الجديد" إلى أنه "منذ بداية الأحداث التي شهدتها محافظة السويداء في تموز الماضي، تتابع الحكومة أوضاع العائلات المهجرة بالتنسيق مع وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث ومحافظتي السويداء ودرعا، بهدف وضع خطة شاملة تعيد الأهالي إلى قراهم وممتلكاتهم في أقرب وقت ممكن، وتضمن لهم الاستقرار واستعادة حياتهم الطبيعية"، ويضيف: "تولي الحكومة أهمية خاصة لاستمرار العام الدراسي وعدم تعطيل العملية التعليمية، ونعمل على تأمين مراكز إيواء بديلة خارج المدارس في ريف درعا وريف دمشق، بحيث يحصل النازحون على مأوى لائق ويحافظ الطلاب على حقهم في التعليم دون انقطاع". 
وأكّد أن المنظمات الإنسانية والهلال الأحمر السوري يقدّمون إغاثة عاجلة تشمل المساعدات الغذائية والخيم والمستلزمات الأساسية، مع تسهيل دخول جميع المواد والمساعدات إلى المناطق المتضرّرة، مشيراً إلى أن العمل يجري بالتوازي على توفير أماكن سكن بديلة وإعداد خطة لإعادة الإعمار وإصلاح البنى التحتية لضمان عودة آمنة ومستقرة للعائلات في أسرع وقت ممكن.

نقص الخدمات وضمان استمرارية التعليم في السويداء

وفي السياق نفسه، أكّد محمد الكفري، مدير تربية درعا، لـ"العربي الجديد"، أن المحافظة تعمل على ضمان استمرارية العملية التعليمية لجميع الطلاب رغم الظروف الاستثنائية التي يعيشها النازحون من السويداء، مشيراً إلى أن المدارس التي تحولت مؤقتاً إلى مراكز إيواء تُدار بطريقة تسمح بفتح صفوف بديلة وتنظيم الجداول الدراسية وفق الإمكانيات المتاحة، مع مراعاة ظروف الطلاب المتأثرين بالنزوح، وأن المديرية وفرت فرق دعم نفسي وتربوي لمساعدتهم على التكيّف، مؤكداً أن الهدف هو ألّا يتوقف أي طالب عن التعلم.
وأشار الكفري أيضاً إلى أن تزايد أعداد الطلاب أدى إلى ضغط شديد على المدارس ونقصاً حاداً في المقاعد الدراسية، موضحاً أن تصنيع المقاعد يجري في الثانوية الصناعية بدعم منظمة "رحمة بلا حدود" وحملة المحافظة "أبشري حوران"، مع طلب تأمين 15 ألف مقعد إضافي من وزارة التربية، على أن تصل الدفعة الأولى قريباً. ورأى أن هذه الجهود تهدف إلى الحفاظ على انتظام الدراسة لجميع الطلاب وعدم تأثر تحصيلهم بالنزوح وظروف الإيواء المؤقتة.

وسط هذا الواقع، لا يخفي النازحون شعورهم بأنهم عالقون في حلقة مفرغة. فالحرب هجّرتهم من السويداء، والمدارس وفّرت لهم مأوى مؤقتاً، لكن مع بداية العام الدراسي وجدوا أنفسهم تحت خيام لا تقاوم الرياح والمطر، في وقت تبدو فيه الحكومة غير قادرة على إيجاد حل سريع. يقول جابر الحسيني، أحد النازحين قرب مدرسة خربا: "هربنا من الموت في قُرانا، لكنّنا هنا ننتظر موتاً آخر، ببطء".
ومع اقتراب الشتاء، تتزايد المخاوف من أن يتحول النزوح المؤقت إلى مأساة طويلة الأمد، وسط عجز رسمي وغياب رؤية واضحة لإعادة هذه العائلات إلى قراهم أو تأمين مساكن بديلة تحفظ كرامتهم على الأقل.

المساهمون