مهجّرون جنوبيون... لا مسكن ولا تعليم في مدرستَين لبنانيتَين

04 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 18:51 (توقيت القدس)
يعيش النازحون وسط ظروف بالغة الصعوبة، سبتمبر 2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منذ وقف إطلاق النار في لبنان، لم تلتزم إسرائيل بالاتفاق، مما أدى إلى نزوح العديد من العائلات، خاصة في المناطق الحدودية، وتفاقمت مشكلة النازحين مع اقتراب العام الدراسي الجديد.
- يعيش النازحون في مدارس مثل مدرسة صور التكميلية في ظروف قاسية، مع نقص في الموارد الأساسية، ورغم تلقي بعض المساعدات، إلا أنها غير كافية لتلبية احتياجاتهم.
- يعاني النازحون من فقدان مصادر رزقهم بسبب تدمير القرى الحدودية، ويطالبون بحلول دائمة مثل تأمين أراضٍ لبناء منازل جديدة.

قبل 10 أشهر، أُعلن وقف لإطلاق النار في لبنان لم تلتزم به إسرائيل التي ما زالت قواتها تستهدف عسكرياً مناطق لبنانية وتسقط ضحايا، فيما لم يُسمَح لكثيرين بالعودة إلى بلداتهم التي إمّا دُمّرت وإمّا صارت محتلّة.

مع اقتراب انطلاقة العام الدراسي الجديد 2025-2026 في لبنان، تعود إلى الواجهة قضيّة النازحين الذين هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية من مناطقهم، خلال العامَين الأخيرَين، تحديداً منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ولا سيّما هؤلاء الذين لجأوا إلى مرافق عامة، من بينها المدارس، وبالتالي لا بدّ من إخلائها. وعلى الرغم من دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، فإنّ كثيرين من أهالي المناطق الحدودية مع فلسطين المحتلة ما زالوا نازحين، من بينهم نحو 200 ما زالوا يشغلون قاعات مدرستَين بمدينة صور في محافظة لبنان الجنوبي، كانتا قد تحوّلتا إلى مركزَي إيواء مؤقتَين من بين مراكز إيواء كثيرة فتحت أبوابها في سبتمبر/ أيلول 2024 لاستقبال الفارين من القصف الإسرائيلي.

ويعيش هؤلاء النازحون في كلّ من مدرسة صور التكميلية ومدرسة صور الفنية للتعليم المهني والتقني المتجاورتَين وسط ظروف بالغة الصعوبة، ولا سيّما أنّهم محصورون في طبقة واحدة من كلّ واحد من مبنيَي المنشأتَين التربويتَين ويتشاركون حمّاماً واحداً، في ظلّ توقّف وحدة إدارة الكوارث لدى اتحاد بلديات صور عن تقديم أيّ دعم لهم منذ أشهر. كذلك اتّخذت إدارتا المدرستَين إجراءات صارمة بحقّ هؤلاء، تقضي بوقف تشغيل مولدات الكهرباء، على الرغم من أنّ النازحين كانوا قد تكفّلوا في الفترة الأخيرة بشراء المازوت والزيت اللازمَين لتشغيلها.

وتبدو معاناة هؤلاء الذين شُرّدوا من منازلهم بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان كبيرة، علماً أنّ مساعدات مالية متواضعة كانت قد خُصّصت في وقت سابق بدل إيواء للعائلات التي هُدّمت منازلها، إلا أنّ ذلك لم يخفّف عن هؤلاء. هم كانوا بمعظمهم يعتاشون من الزراعة في القرى الحدودية مع فلسطين المحتلة، واليوم هم بلا أراضٍ وعاطلون من العمل، وبالتالي غير قادرين على دفع بدلات إيجار مساكن أو تحمّل كلفة المعيشة وسط الأزمة الاقتصادية التي ما زال يتخبّط فيها لبنان منذ سنوات.

الصورة
مدرسة تحولت إلى مركز إيواء نازحين في صور - جنوب لبنان - سبتمبر 2025 (العربي الجديد)
مدرسة تحوّلت إلى مركز إيواء نازحين في مدينة صور جنوبي لبنان، سبتمبر 2025 (العربي الجديد)

ظروف صعبة في المدرستَين

فاطمة عقيل نازحة من بلدة الجبين الحدودية الواقعة ضمن قضاء صور، هُجّرت من منزلها قبل نحو عام، مع تكثيف إسرائيل عدوانها على لبنان في سبتمبر/ أيلول 2024، وهي من الذين ما زالوا في مراكز الإيواء المؤقتة. وتتحدّث لـ"العربي الجديد" عن "المأساة" التي تقاسيها مع أولادها الأربعة منذ وفاة زوجها قبل سبعة أشهر، مؤكدةً "نعيش في ظروف قاسية". تضيف: "لجأنا إلى مدرسة صور التكميلية في سبتمبر الماضي، إذ لم يكن لدينا أيّ مكان آخر نقصده"، مشيرةً إلى أنّ "اليوم، يريدون إخراجنا من المدرسة بالتالي أنا مضطرّة إلى استئجار بيت، لكنّني لا أملك الإمكانات الكافية لذلك. فما حصلت عليه من مساعدات أنفقته على علاج ابني، فهو يعاني من تضخّم في الطحال إلى جانب اضطرابات نفسية على خلفية ما عايشه في الحرب". وتشرح عقيل أنها حصلت على "12 ألف دولار بدل إيواء، لكنّ المبلغ ذهب لسدّ تكاليف المستشفى والعلاج، كذلك كنّا قد استدنّا بعض المال فاضطرت إلى سدّه المتوجّب علينا كذلك".

وتسكن نحو 14 عائلة من قرى يارين والضهيرة والجبين الجنوبية الحدودية في المدرسة نفسها مع فاطمة عقيل، وسط ظروف صعبة، ولا سيّما بعدما قُطعت عنها الكهرباء التي كانت تحصل عليها من مولّد كهربائي تابع للمدرسة، وذلك لعدم توفّر المازوت وتوقّف دعم الجمعيات. وتنتظر العائلات المهجّرة يومياً عودة التيار الكهربائي الرسمي حتى تؤمّن المياه، علماً أنّ التغذية اليومية تأتي لمدّة ستّ ساعات تقريباً إنّما بصورة متقطعة. وهكذا يبقى النازحون بقيّة ساعات اليوم بلا كهرباء، ويقضون ليلهم في العتمة. وكانت إدارة مدرسة صور التكميلية قد رفضت إعادة تشغيل المولّد الكهربائي على نفقة الأهالي، خوفاً من تعطّله وعدم إمكانية إصلاحه.

بدورها، نزحت ناديا مصطفى من بلدة شيحين الحدودية في قضاء صور إلى مدرسة صور التكميلية، وتشكو لـ"العربي الجديد" أنّ "منذ انتهاء الحرب، لم يسأل أحد عنّا. وكنّا قد لجأنا إلى المدرسة في سبتمبر الماضي، من دون أن تكون لنا القدرة على استئجار منزل. فنحن نستعين بالمبلغ الذي خُصّص لنا بوصفه بدل إيواء للمصاريف اليومية، إذ إنّنا لا نملك أيّ بديل". تضيف: "كنّا نعمل سابقاً في الزراعة في شيحين، لكنّه لم يبقَ لنا منزل هناك. أمنيتنا اليوم هي أن نعود إلى بلدتنا وأرضنا حين تنسحب إسرائيل من النقاط الخمس التي احتلّتها أخيراً، حتى لو اضطررنا إلى العيش في خيمة. فقد تعرّضنا للذلّ بما فيه الكفاية". بالنسبة إليها، فإنّ "العودة إلى بلدتنا، ولو إلى غرفة واحدة، أفضل من العيش في المدرسة التي يتشارك فيها نحو 80 شخصاً حمّاماً واحداً".

وقد عمدت ناديا إلى تسجيل أطفالها الأربعة "في المدرسة نفسها حيث نسكن اليوم، حتى يتمكّنوا من متابعة تعليمهم، فيما يحاول زوجي أن يعمل مياوماً في مقابل عشرة دولارات فقط". وتتابع: "لا نستطيع أن نكون منتجين في هذه الظروف، وحتى فكرة استئجار منزل غير ممكنة، لأنّنا لا نستطيع تحمّل كلفة النقل المدرسي". ولا تخفي ناديا أنّ أطفالها "يتمنّون أن يكون لهم بيت مثل بقيّة أقربائهم"، مبيّنةً أنّ "وضعهم النفسي سيّئ ويبكون دائماً". تجدر الإشارة إلى أنّه إلى جانب العائلات النازحة من القرى الجنوبية الحدودية، يقطن في مدرسة صور التكميلية كذلك أفراد من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وموظفون في الدفاع المدني، لكنّ هؤلاء يرفضون التحدّث عن أوضاعهم إذ إنّهم موظّفو دولة وبالتالي لا يحقّ لهم ذلك.

"لاجئون في وطننا"

من جهته، يروي النازح نادر أبو سالم، عضو بلدية الظهيرة في قضاء صور، رحلة تهجيره لـ"العربي الجديد". ويقول: "نزحتُ بدايةً إلى هذه المدرسة في صور، ثمّ اضطررت إلى النزوح مجدداً إلى مدينة صيدا (جنوب) خلال شهر سبتمبر الماضي" مع اشتداد القصف الإسرائيلي، لكنّه عاد إلى صور من جديد. يضيف: "كنتُ أعتاش من أرضي، من خلال زراعة التبغ والبقوليات والزيتون ومن المواشي، وكنت كذلك أعرض معدّات زراعية للإيجار. أمّا اليوم، فبلدتنا مدمّرة بالكامل. كان مدخولي الشهري من جرّاء عملي يقارب أربعة آلاف دولار، فيما اليوم أعمل في اتحاد بلديات صور مياوماً في مقابل 15 دولاراً فقط".

ويتابع نادر: "صحيح أنّنا حصلنا على بدل إيواء بعدما دُمّرت منازلنا، فإنّ المبلغ لا يكفي لاستئجار منزل والانتقال إليه"، موضحاً "فنحن شبه عاطلين من العمل وقد خسرنا أرزاقنا ومواسمنا الزراعية، والدولة لم تعوّض علينا أيّ شيء". ويشير إلى أنّ "اليوم، نعيش في العتمة بعد توقّف مولّد الكهرباء عن العمل. ونحن ستّة أفراد نسكن في غرفة صفّ واحدة؛ نأكل ونطهو وننام فيها"، مؤكداً "صرنا لاجئين في وطننا".

ويتشارك النازحون الذين تجمعهم جيرة القرى الحدودية مأساة واحدة في مدرسة صور التكميلية، فهم بمعظمهم خسروا منازلهم وأراضيهم الزراعية التي أتت عليها آلة الحرب الإسرائيلية، وصاروا يعتمدون على مراكز إيواء، من بينها المدرستان في صور، حيث تتشابك معاناتهم اليومية بين ضيق المسكن وانقطاع الكهرباء وصعوبة تأمين الطعام وغياب فرص العمل.

وتتحدّث النازحة هيام سويد من بلدية يارين الجنوبية في قضاء صور لـ"العربي الجديد" عن أحوالها، بحسرة وغصة. وتخبر: "نزحنا وبقينا في مدرسة صور التكميلية في صور خلال الحرب، وعشنا الغارات والرعب. أمّا اليوم، فحياتنا أشبه بحياة في سجن، بل قد يكون العيش في السجن أفضل ممّا نعيشه هنا". تضيف هيام: "لديّ ثلاثة أولاد. كنت أعمل في الزراعة وزوجي في تصليح السيارات، أمّا اليوم فهو يعمل ناطوراً. وعلى الرغم من المساعدة التي حصلنا عليها بدلاً للإيواء، فإنّ الأوضاع تدهورت. كان إيجار المنزل في صور نحو 100 دولار أميركي قبل الحرب، وبعدها استغلّ أصحاب الملك ظروف النازحين، فصار الإيجار 400 دولار. وإلى جانب متطلبات الطعام والشراب، نحن في حاجة إلى نحو ألف دولار شهرياً، وهذا مستحيل إذ إنّنا من دون عمل". وتسأل هيام: "أين دور الدولة؟ هل يمكنها أن تؤمّن لنا أرضاً مشاعاً فنبني عليها منازل صغيرة نعيش فيها؟"، مؤكدةً أنّ "حالتنا لا تُحتمَل".

الصورة
نازحة في مدرسة تحولت إلى مركز إيواء في صور - جنوب لبنان - سبتمبر 2025 (العربي الجديد)
في إحدى المدرستَين اللتَين ما زالتا تؤويان نازحين بمدينة صور جنوبي لبنان، سبتمبر 2025 (العربي الجديد)

جيرة قرى ومأساة واحدة في جنوب لبنان

ولا تختلف معاناة النازحين من القرى الحدودية الجنوبية مع فلسطين المحتلة في مدرسة صور الفنية للتعليم المهني والتقني في صور عن تلك التي كشف عنها النازحون في مدرسة صور التكميلية. بدوره، يعيش النازح نبيل رمضان من بلدة يارين في قضاء صور في غرفة صفّ مع زوجته وأولاده الثلاثة. وفي حين تنهمك زوجته في تحضير الطعام وترتيب الغرفة، يقول نبيل لـ"العربي الجديد": "نحن هنا منذ أكتوبر 2023، كنت أعمل في مطعم مع قوات (حفظ السلام) اليونيفيل في بلدتي، لكنّني اضطررت إلى ترك عملي كي أبقى مع عائلتي. عملت بعدها في إحدى استراحات صور، لكنّ العمل موسمي ولا يتعدّى ثلاثة أشهر، واليوم لا أستطيع إيجاد عمل آخر".

وتشير زوجته سهام إلى أنّ "لدينا ثلاثة أولاد، أحدهم يستعدّ للالتحاق بالجيش، وابنتي كانت تتابع دراستها في معهد بنت جبيل للتجميل وتصفيف الشعر، لكنّها لم تتمكّن من استكمالها". تضيف: "صحيح أنّنا تلقّينا بدل إيواء، لكنّنا اضطررنا خلال الحرب إلى الاقتراض، وبالتالي صرفنا ما حصلنا عليه لسداد الديون، ولم يعد بإمكاننا استئجار منزل". وتتابع سهام أنّ "مديرة المدرسة حصرت نحو 15 عائلة، أي نحو 100 شخص، في طبقة واحدة من المبنى، كي تتمكّن من إطلاق العام الدراسي الجديد. ونحن نعيش بلا كهرباء، فلا نستطيع طهي الطعام ولا حفظه في البراد، وقد مُنعنا من استخدام المولّد الكهربائي بعدما كنّا ندفع اشتراكنا كما سوانا".

في غرفة مجاورة من مدرسة صور الفنية للتعليم المهني والتقني، يجلس أنيس سويد من بلدة الظهيرة في قضاء صور، ويتاول قهوته مع جيران النزوح. هو مدرّس متعاقد وقد وجد نفسه نازحاً مع أهالي بلدته منذ أكتوبر 2023. يقول: "لديّ ابنتان تتابعان دراستهما الجامعية، واضطررت إلى تخصيص بدل الإيواء لسداد قسطيهما. هذه سنتي الأخيرة في التعليم قبل بلوغي سنّ التقاعد، لكنّني لا أملك أيّ حقوق من الدولة، لا ضمان صحياً ولا راتب نهاية خدمة". ويلفت أنيس إلى أنّه "إلى جانب التعليم، كنت أملك 15 دونماً من الأرض أزرعها وأعتاش منها، لكنّها احترقت بالكامل خلال الحرب. عرضت علينا إحدى الجمعيات بدل إيواء شهرياً قدره 150 دولاراً لكنّه لا يكفي لتغطية أبسط الاحتياجات. ونحن نعيش معظم الوقت بلا كهرباء، والوضع يزداد سوءاً".

في سياق متصل، يوضح رئيس وحدة الكوارث في اتحاد بلديات صور مرتضى مهنا لـ"العربي الجديد"، أنّ "الوحدة غير مسؤولة عن هؤلاء النازحين، إذ إنّهم سبق لهم أن حصلوا على بدلات إيواء وأثاث". يضيف أنّ ثمّة توجيهات لقوى الأمن من إجل إخلاء المدارس، موضحاً أن هذا الطلب "ليس الأوّل من نوعه. وما زالت نحو 60 عائلة تقيم في المدرستَين، فيما لا يمكن للاتحاد تأمين المياه ولا الكهرباء ولا وجبات الطعام لهم منذ انتهاء شهر رمضان". ويلفت إلى أنّ "النازحين يتمسكون ببقائهم في المدرستَين، على الرغم من اقتراب موعد انطلاق العام الدراسي الجديد، وقد حاولنا بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم العالي نقلهم إلى مدرسة في بلدة بستيات في قضاء صور، إلا أنّ الأهالي رفضوا هذا الحلّ".

المساهمون