مهاجرو المغرب... احتجاز مميت في ليبيا

مهاجرو المغرب... احتجاز مميت في ليبيا

27 ديسمبر 2021
طرابلس، أكتوبر الماضي (حازم تركية/ الأناضول)
+ الخط -

"نواجه كل أصناف العذاب، فنحن محرومون من النوم والأكل ولا يعلم إلا الله بحالنا ومعاناتنا". بهذه الكلمات ينقل الشاب الثلاثيني حمزة، في رسالة صوتية وجهها عبر تطبيق "واتساب" أخيراً، شكواه إلى أسرته في مدينة خريبكة، وسط المغرب، بعدما تحوّل حلمه ببلوغ "الفردوس الأوروبي" عبر ليبيا إلى كابوس مرعب.
في أقل من دقيقة، يحاول الشاب إطلاع أسرته على أحواله بعدما وجد نفسه مع عشرات من أبناء المغرب الذين رافقوه رهينة في أيدي الجماعات المسلحة بليبيا، ويناشد عائلته في الرسالة بتزويد وسيط بالمال وبجواز سفر لإنهاء معاناته التي بدأت منذ أسابيع حين احتجز في مدينة زوارة.
وفيما تواصل أسرته معاودة الاتصال به للتأكد من تسليم محتجزيه النقود وحصوله على جواز السفر، يبقى مصير العشرات من المهاجرين السرّيين المغربيين مجهولاً في ليبيا، في ظل معاناتهم من الاحتجاز وعدم ترحيلهم إلى بلادهم. وتمتد معاناة العديد منهم إلى مواجهة خطر الموت في أي لحظة على أيدي عناصر في مليشيات مسلحة.
يقول أحد المهاجرين السرّيين المغربيين في ليبيا، والذي طلب عدم ذكر اسمه خوفاً على سلامته، لـ"العربي الجديد": "تحتجزني منذ 3 أشهر جماعة مسلحة في طرابلس، بعدما سلمني خفر السواحل الليبي مع آخرين من جنسيات مختلفة إليها"،
يضيف: "نحن الآن تحت رحمة مسلحين لا نعرف نياتهم. أرجو فقط أن تلتفت سلطات بلادنا إلى معاناة مئات من المحتجزين، وتنقذنا من الموت الذي يتهددنا في أي وقت".
وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أبدى المركز المغربي لحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية، قلقه من أوضاع المهاجرين المغربيين المحتجزين في ليبيا، وأشار إلى أنه يملك معلومات عن احتجاز قوات ليبية في طرابلس لهم داخل أقبية تحت الأرض تفتقر إلى التهوية وتغمرها حالياً الأمطار التي انهمرت بكثافة في طرابلس في الأيام الأخيرة.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ونقل المركز عن قريب لأحد المحتجزين قوله إن "مواطناً مغربياً لفظ أنفاسه الأخيرة في 9 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بسبب الجوع والبرد القارس، فيما غمرت المياه أماكن وجود محتجزين من جنسيات مختلفة داخلها، وغالبيتهم من المغرب ومصر".

سماسرة الهجرة
يقول رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان عبد الإله الخضري، لـ"العربي الجديد"، إن مئات من المهاجرين السرّيين المغربيين الذين اعترضتهم دول أوروبية، بينها إيطاليا، وأعادتهم إلى ليبيا، وجدوا أنفسهم في مراكز احتجاز بعدما بادر سماسرة الهجرة السرية إلى الاتجار بهم ونقلوهم إلى شواطئ ليبيا، حيث اعتقلتهم مليشيات ليبية في أماكن متفرقة، وهم يتعرضون منذ أشهر لتجويع وترهيب نفسي وتعذيب جسدي.
ويوضح أن مئات من المهاجرين السرّيين الذين كانوا يمنون النفس بالوصول إلى إيطاليا، وقعوا ضحايا شبكة مغاربية للاتجار بالبشر تضم ليبيين وجزائريين ومغربيين، والتي تخلت عنهم بمجرد وصولهم إلى أراضي ليبيا، كما تاجرت بهم عبر تسليمهم إلى مليشيات طالبت أسرهم بدفع فدى تصل إلى 3 آلاف يورو عن كل واحد منهم من أجل إطلاق سراحهم. وقد اعتقل الأمن الليبي بعض هؤلاء المهاجرين. 

عائلات مغربية تطالب باستعادة أبنائها (فاضل سنّا/ فرانس برس)
عائلات مغربية تطالب باستعادة أبنائها (فاضل سنّا/ فرانس برس)

ويكشف الخضري عن استغلال سماسرة الهجرة السرّية تحويل وجهة الهجرة إلى أراضي ليبيا، بعد تشديد الخناق عليهم في شمال المغرب وجنوبه، واستقطابهم مئات من المغربيين من مدن عدة في المملكة، مثل الدار البيضاء وخريبكة وسطات وبني ملال، ويقول: "تدفق الراغبين في الهجرة إلى إيطاليا عبر ليبيا بات أمراً مقلقاً ويطرح أكثر من علامة استفهام حول كيفية انتقالهم إلى الجزائر رغم أن الحدود مغلقة بين البلدين".
ويطالب المركز المغربي لحقوق الإنسان بالتحقيق بشأن شبكة الاتجار بالبشر والهجرة السرّية التي تضم ليبيين ومغربيين يوقعون بالشبان المغاربة عبر وعدهم بالوصول إلى إيطاليا، في حين يحتالون عليهم وينقلونهم مشياً على الأقدام عبر الجزائر إلى ليبيا.

قبل فوات الأوان
وفيما يشدد على الوضع الخطر الذي يعيشه المغربيون المحتجزون، وخطر الموت الذي يدهمهم في أماكن احتجازهم في أي لحظة، والانتهاكات الجسيمة التي يتعرضون لها، يحمّل الخضري السلطات الليبية مسؤولية ما يحصل، ويطالبها "بالإسراع في إنقاذهم من الاحتجاز واحترام إنسانيتهم، بدلاً من هدر كرامتهم وتعريضهم للجوع والتعذيب والموت".

مصير سيئ في ليبيا لمهاجرين أعادتهم أيطاليا (فاليريا فيرارو/ Getty)
مصير سيئ في ليبيا لمهاجرين أعادتهم إيطاليا (فاليريا فيرارو/ Getty)

كما يتهم وزارة الخارجية المغربية تحديداً "بالتقاعس عن أداء واجبها في حماية المواطنين في الخارج"، ويطالبها باتخاذ التدابير العاجلة "لإنقاذ المغربيين المحتجزين بليبيا قبل فوات الأوان".
ولا توجد أرقام رسمية عن عدد المهاجرين الذين احتجزوا على الحدود الليبية، في حين تكرر التقارير الحقوقية، أحدها لمنظمة العفو الدولية، الحديث عن تزايد هذا العدد وفترات الاحتجاز.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أورد تقرير أصدره المرصد الأورومتوسطي، الذي يتخذ من جنيف مقراً، أن "المهاجرين المغربيين المحتجزين في ليبيا يتوزعون على مراكز احتجاز عدة غربي البلاد، بينها مركز الدرج، قرب منطقة غدامس، وسجنا عين زاره وغوط الشعال، ويعانون من ظروف صحية صعبة".
وكان أهالي المهاجرين المحتجزين قد نظموا عدة احتجاجات أمام مقر وزارة الخارجية المغربية لحثها على التدخل للإفراج عن أبنائهم. وقد وعدهم المسؤولون في المغرب بحل القضية، لكن تحركاتهم لا تزال محدودة.

صعوبات
وكان مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي قد قال لـ"العربي الجديد"، أخيراً، إن "ليبيا ليست مكانا آمناً لإعادة اللاجئين والمهاجرين الذين يعتقلون في البحر المتوسط"، مبدياً قلقه من تقليل الدول الأوروبية عمليات إنقاذها في السنوات الأخيرة.
وأكد على ضرورة إنقاذ أي شخص وسط البحر، مشيراً إلى أهمية التزام هذا الواجب بغض النظر عن الوضع القانوني لهؤلاء الناس أو مكانهم، مناشداً جميع المعنيين العمل في هذا الاتجاه، لكنه استدرك بأن "خفض عمليات الإنقاذ الأوروبية ليس مصدر القلق الوحيد، فالموضوع الأساس هو طريقة معاملتهم في ليبيا. ونحن نعتبر أنه يمكن توفير إمكانات بديلة لدعمهم خارج مراكز التوقيف". 

المساهمون