منع توظيف خريجي الجامعات الفلسطينية لأسرلة التعليم في القدس
استمع إلى الملخص
- تواجه المدارس الفلسطينية ضغوطًا لقبول المنهاج الإسرائيلي، حيث تستخدم بلدية الاحتلال ووزارة المعارف أدوات تشريعية وقمعية، مثل قانون الإرهاب، لفصل المعلمين المخالفين للرواية الرسمية.
- تحاول لجان أهالي الطلبة مقاومة هذه السياسات عبر تشكيل لجان واعتماد منصات تعليمية بديلة، بينما تواجه الجامعات الفلسطينية انخفاضًا في التسجيل لصالح الجامعات الإسرائيلية.
تتوجه سلطات الاحتلال الإسرائيلي نحو منع توظيف خريجي الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية بسلك التعليم في القدس المحتلة ومختلف المناطق المحتلة عام 1948، وفق قانون أقره الكنيست الإسرائيلي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما يشي بمخطط أسرلة جديد للعملية التعليمية، خاصة بعد قرار إغلاق 6 مدارس تابعة لوكالة "أونروا" في 8 مايو/أيار الماضي، وفي ظل حملة أوسع لمحاربة المنهاج الفلسطيني، وفرض المنهاج الإسرائيلي تمهيدًا لطمس الهوية الوطنية للطلبة.
وتقول عضو هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس، رتيبة النتشة، لـ"العربي الجديد": "القانون ليس إلا حلقة جديدة ضمن مشروع متكامل لفرض السيطرة الكاملة على العملية التعليمية في القدس، والمشروع مرّ بمراحل عديدة، كان أبرزها التوسّع الكبير في بناء المدارس التابعة لبلدية الاحتلال ووزارة المعارف الإسرائيلية، لا سيما في العقد الأخير، حتى باتت تسيطر على أكثر من 70% من مدارس القدس، سواء بشكل مباشر أو عبر فرض شروط على المدارس الخاصة، أهمها تدريس المنهاج الإسرائيلي شرطا للحصول على الترخيص أو تجديده".
وتوضح النتشة: "هذا التمدد ليس عشوائياً، بل مدعوم بأدوات تشريعية وقمعية، من بينها ما يسمى قانون الإرهاب، والذي يخوّل وزير المعارف الإسرائيلي فصل أي معلم يخالف الرواية الرسمية لدولة الاحتلال، خاصة في القضايا الجوهرية مثل النكبة، أو طوفان الأقصى، من دون الحاجة إلى عرض المعلم على أي لجنة تحقيق. وفقاً لهذا القانون، تُصنّف كتب اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والتربية الإسلامية والمدنيات باعتبارها مواد تحريضية، ويُمنع تدريسها، وبموجب هذه السياسة، يتعرّض المعلمون الذين يصرّون على تدريس المنهاج الفلسطيني إلى خطر الفصل أو المساءلة".
وتشير إلى أن "العشرات من المعلمين واجهوا تضييقات بسبب التزامهم بالمناهج الفلسطينية، وذلك بالتوازي مع استغلال الاحتلال لثغرة نقص الكوادر التعليمية في المدارس التي يدرس بها طلبة القدس؛ وتعيين مدراء محسوبين على المؤسسة الإسرائيلية، بعضهم خدم في جيش الاحتلال. بينما مدارس وزارة التعليم الفلسطينية لا تمثل سوى 11% من مجمل مدارس القدس، ما يجعلها في وضع بالغ الهشاشة، ويزيد من احتمالية فرض المناهج الإسرائيلية تدريجياً بذريعة التطوير الإداري أو التربوي".
وتكشف تقديرات وزارة المعارف الإسرائيلية أن عدد المعلمين في القدس يبلغ 6,700 معلم، نحو 60% منهم يحملون شهادات من جامعات فلسطينية، ما يجعل القانون الجديد تهديداً مباشراً للطواقم التعليمية في المدينة، فالقانون يمنع توظيف أي معلم يحمل شهادة من جامعة فلسطينية إلا إذا حصل على "شهادة معادلة" من مؤسسة إسرائيلية، وأتمّ برامج تدريبية إضافية، فضلاً عن موافقة مدير عام وزارة المعارف، والذي يملك صلاحية رفض طلبات التوظيف، أو منح رخص التدريس.
وتقول رتيبة النتشة إن "لجان أهالي الطلبة في مدارس القدس بدأت التحرك لرفض تعيين معلمين لا ينتمون إلى البيئة الثقافية والاجتماعية للمجتمع المقدسي. هذه الخطوة، وإن بدت اجتماعية في ظاهرها، تعكس مقاومة فعلية لمحاولات الإحلال التدريجي في الكادر التعليمي، خاصة مع إدراك الأهالي أن الاحتلال ينتهج سياسة التدرّج في تنفيذ مخططاته لتجنّب ردود الفعل الواسعة".
وتؤكد: "هناك جهود لتشكيل لجان أولياء أمور في جميع مدارس المعارف، وهي جهات لها صلاحية القبول والرفض في تعيين مدراء المدارس؛ بهدف الاعتراض على التعيينات الإسرائيلية، كما تم الاتفاق مع جهات أردنية رسمية على إنشاء منصة تعليمية إلكترونية تشرح الدروس الممنوعة بدعوى التحريض، وأن يُتاح للطلبة والمعلمين الدخول إليها بأسماء وهمية، كما لجأت بعض المدارس قبل عامين، إلى التعليم الإلكتروني لاستكمال المنهاج الوطني الفلسطيني".
بدورها، تقول المديرة السابقة لوحدة شؤون القدس في وزارة التعليم الفلسطينية، ديمة السّمان، لـ"العربي الجديد": "الجامعات الفلسطينية هدف غير مُعلن للقانون الإسرائيلي الجديد، كونها تشكل بيئة للقيم الوطنية. نحو 60% من بين 12 ألف طالب يدرسون في جامعة القدس في بلدة أبو ديس جنوب شرقي القدس هم من سكان مدينة القدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، إضافة إلى عشرات آلاف الطلبة الآخرين في مختلف جامعات الضفة الغربية".
وتضيف السمان: "مع تنفيذ القانون، سيتجه الكثير من هؤلاء الطلاب نحو الجامعات الإسرائيلية، ما يعني انخفاض معدلات التسجيل بالجامعات الفلسطينية، مقابل ارتفاع أعداد الطلاب بالجامعات الإسرائيلية التي تفتقر إلى أي بيئة وطنية، وتمارس التمييز ضد الفلسطينيين، وخصوصاً المقدسيين. يواصل الاحتلال تنفيذ سياسة العصا والجزرة، والتي بدأها بتحسين البنية التحتية وتقديم الحوافز للمعلمين في مدارس المعارف، وصولاً إلى إصدار قوانين المنع والإغلاق".
وتوضح: "باتت المدارس المقدسية بين خيارين، إما القبول بالمنهاج الإسرائيلي، أو الانقطاع عن التعليم، وسبق ذلك تقليص حاد في مخصصات التعليم، إذ انخفضت الميزانية من 170 مليون شيكل سنوياً بين عامي 2018 و2023، إلى 60 مليوناً فقط في الخطة الخماسية الحالية، بعد رفض وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إدراج التعليم العالي ضمن بنود الخطة بحجة تمويل الحرب على غزة".
وتكشف السّمان كيف قفز الاحتلال في مخطط أسرلة التعليم من سياسة ناعمة تمثّلت بتحسين مرافق المدارس الإسرائيلية وتوسيعها على حساب المدارس الفلسطينية، وفتح مدارس جديدة تعتمد المنهاج الإسرائيلي، ومنع ترخيص أي مدارس فلسطينية جديدة، إلى سياسة قسرية تُنفذ بأقل تكلفة مادية ممكنة، تشمل منع توظيف خريجي الجامعات الفلسطينية، وإغلاق مدارس وكالة "أونروا"، وسحب تراخيص المؤسسات التي ترفض المناهج الإسرائيلية، وملاحقة الكتب التعليمية الفلسطينية.
وتؤكد أن "الحفاظ على هوية التعليم في القدس لم يعد مسؤولية فردية، بل بات يتطلب تحركاً جماعياً، وبناء جبهة عربية ودولية داعمة، ورفع مستوى الوعي المقدسي الذي يدرك ضرورة صمود المدارس الوطنية أمام مساعي الإحلال. من حق الطالب المقدسي أن يختار المنهاج الذي يتماشى مع هويته، لكن للأسف لا أحد يُعير هذا الحق أدنى اهتمام، وكأنه ليس أولوية، وكل ما يُقال عن دعم القدس مجرد شعارات".