مناشدات للخروج من مخيم الهول السوري وإنهاء الاحتجاز

21 مايو 2025
في مخيم الهول بالحسكة شمال شرقي سورية، 18 إبريل 2025 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعيش آلاف العائلات في مخيمات شمال شرق سوريا في ظروف قاسية بسبب تراجع الاستجابة الإنسانية وضعف الخدمات الأساسية، مع دعوات لتقليص عدد المحتجزين تعسفياً.
- تعاني العائلات في مخيم الهول من نقص الخدمات الأساسية، مثل رفع النفايات وتوفير مساحات للأطفال، مع عدم وجود تقدم في جهود الوساطة العشائرية أو السماح بالمغادرة.
- تحتجز السلطات عشرات الآلاف بشكل غير مشروع، معظمهم نساء وأطفال، دون تهم رسمية، وتدعو منظمة العفو الدولية لإنهاء الاحتجاز غير المشروع وإجلاء المدنيين.

تعيش آلاف العائلات في مخيمات ومراكز احتجاز شمال شرق سورية، الواقعة في مناطق خاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، ولا سيّما في مخيم الهول وكذلك مخيم روج الواقعَين جنوبي محافظة الحسكة، أوضاعاً بالغة السوء، إذ إنّ الظروف المعيشية قاسية وسط تراجع الاستجابة الإنسانية وضعف الخدمات الأساسية. وقد نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً شاملاً حول هذه القضية، أمس الثلاثاء، شدّدت فيه على وجوب أن تشكّل "الفوضى الناجمة عن التقليص العشوائي للتمويل الأميركي حافزاً عاجلاً لتخفيض عدد الأشخاص المحتجزين تعسفياً ولأجل غير مسمّى في شمال شرق سورية"، على خلفية علاقتهم بتنظيم داعش.

وتتصاعد مناشدات العالقين في مخيم الهول ذائع الصيت للخروج منه، علماً أنّه يضمّ الآلاف من عائلات مقاتلي تنظيم داعش المتحدّرين من 60 دولة، وفقاً لما تشير إليه تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، ولا سيّما من العائلات السورية والعائلات العراقية. وفيما يمضي العراق في استعادة مواطنيه من مخيم الهول، كانت الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية قد أعلنت في بداية العام الجاري فسحها المجال أمام النازحين السوريين الذين لجأوا إلى مخيم الهول للعودة إلى مناطقهم. وفي بيان أُصدر حينذاك، أفادت هيئة الشؤون الاجتماعية والكادحين في الإدارة بأنّ "مع سقوط نظام الأسد، دخلت سورية مرحلة جديدة، وباتت بعض الملفات الإنسانية تفرض نفسها، ومن بين الملفات التي كانت تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل الإدارة ملف النازحين واللاجئين"، وأوضحت أنّها ستقدّم كلّ التسهيلات اللازمة وتؤمّن رحلات للعائلات الراغبة في العودة.

وبغضّ النظر عن إعلان الإدارة الذاتية الصادر قبل نحو أربعة أشهر، راح يُسجَّل خروج عائلات سورية من مخيم الهول بناءً على وساطات عشائرية من وجهاء في الرقة السورية والإدارة الذاتية، بكفالة الوجهاء. لكنّ كثيرين ما زالوا "محتجزين" في هذا المخيم، من بينهم الثلاثينية نجوى؛ أم محمد. وتشكو المرأة السورية، التي تعود أصولها إلى ريف الرقة والتي فضّلت عدم الكشف عن هويتها كاملة، من أنّ المخيم يفتقر إلى خدمات كثيرة، من قبيل رفع النفايات وتوفير مساحات للأطفال. وتخبر "العربي الجديد" أنّ لديها "ابناً يبلغ من العمر تسعة أعوام، يقضي أيامه متجوّلاً مع باقي الأطفال مصطحبين الأغنام في المخيم المسيّج"، وتشير إلى أنّ "النفايات تنتشر في كلّ مكان، وكذلك الذباب". تضيف أن "ثمّة شائعات تردنا على الدوام بأنّنا سنغادر المخيم، لكنّ شيئاً لم يحدث" حتى الآن.

وتقول أم محمد إنّ "الظروف أجبرتني على القدوم إلى المخيم، ولم أكن أعلم أنّني سأقضي سنوات فيه"، موضحةً أنّ "بعد اختفاء زوجي في الرقة في عام 2016، اتّهموه بأنه ينتمي إلى تنظيم داعش. لكن ما ذنبي أنا وما ذنب ابني؟". تتابع بأنّ "في وقت سابق، خرجت عائلات بوساطة العشائر، لكنّ أيّ جديد لم يحدث منذ فترة"، مشدّدةً على أنّنا "لا نريد وساطات. نريد أن نغادر المخيم بإرادتنا، هذا المخيم سجن بشكله الحالي".

وتزداد أوضاع المقيمين في مخيم الهول وباقي مخيمات شمال شرقي سورية سوءاً، بعد تراجع الدعم المقدَّم إلى هذه المخيمات. وكانت القائمة بأعمال السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة لمجلس الأمن قد أفادت، في وقت سابق، بأنّ "المساعدة التي تقدّمها الولايات المتحدة الأميركية لإدارة وتأمين مخيمات في شمال شرق سورية تضمّ سجناء مرتبطين بتنظيم داعش لا يمكن أن تستمرّ إلى الأبد"، لافتةً إلى أنّ واشنطن تحمّلت أعباءً كثيرة في مخيّمَي الهول وروج. أضافت أنّ "في نهاية المطاف، لا يمكن أن تظلّ المخيمات مسؤولية مالية أميركية مباشرة"، وفقاً لما نقلته وكالة رويترز.

من جهتها، وصلت فاطمة الحمادي إلى مخيم الهول من ريف دير الزور الشرقي، تحديداً من منطقة هجين. تقول لـ"العربي الجديد": "نزحنا حينها ووصلنا إلى المخيم، ونحن نقيم فيه منذ عام 2019. ومنذ أشهر، قالوا إنّهم سمحوا للعائلات بمغادرة المخيم، لكنّهم لم يسمحوا لي بذلك"، مشيرةً إلى أنّ "زوجي مفقود منذ سنوات، ولا علاقة له بأيّ طرف، ولا يسمحون لنا بالمغادرة". وتروي الحمادي أنّ "قبل نحو عامَين، غادرت صديقة لي مخيم الهول من طريق التهريب، بعدما يئست عائلتها من إمكانية خروجها مع أطفالها، وقد دفعت ثلاثة آلاف دولار للمهرّبين لتغادر". وتؤكد: "نريد أن نغادر المخيم، لكن ليس بدفع المال".

آن الأوان لحلّ أزمة مخيم الهول

في تقريرها الأخير المشار إليه آنفاً، أوضحت منظمة العفو الدولية أنّ بعد أكثر من ستّة أعوام على "الهزيمة الإقليمية" لتنظيم داعش، ما زالت سلطات الإدارة الذاتية، بدعم من التحالف بقيادة الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم داعش، "تحتجز عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال بطريقة غير مشروعة"، وذلك على خلفية "الاشتباه في انتمائهم" إلى تنظيم داعش، في أكثر من 20 منشأة احتجاز، ولا سيّما في مخيّمَي الهول وروج. وبيّنت منظمة العفو الدولية أنّ "من بين المحتجزين ناجين من جرائم يشملها القانون الدولي، بما في ذلك جرائم الاتّجار بالبشر التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، مضيفةً أنّ أيّ تهم "لم تُوجّه إلى المحتجزين بمعظمهم، ولم يُمنح هؤلاء الفرصة للطعن في قانونية احتجازهم، كذلك تعرّض عدد منهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيّئة".

وبحسب ما تفيد بيانات منظمة العفو الادولية، يُقدَّر عدد السوريين والعراقيين وغيرهم من المواطنين الأجانب المحتجزين في منشآت الاحتجاز في شمال شرق سورية بنحو 46 ألفاً و500 شخص، معظمهم من النساء والأطفال. ومن بين الرجال المحتجزين في هذه المرافق، يراوح عدد المواطنين الأجانب بين 2,000 و3,100 شخص، فيما يُحتجَز نحو 2,000 سوري لم يُعرَضوا على المحاكمة حتى الآن. وبعد سقوط نظام الأسد، وضعت سلطات الإدارة الذاتية، بالتنسيق مع الأمم المتحدة، خطة تهدف إلى إفراغ المنشآت من العراقيين والسوريين في خلال عام 2025، علماً أنّ هاتَين الفئتَين تمثلان نحو 80% من السكان البالغ عددهم 36 ألفاً في مخيم الهول.

ولفتت منظمة العفو الدولية، في تقريرها، إلى أنّ "القرار المفاجئ وغير المخطط له الذي اتخذته إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب بتقليص التمويل إلى حالة من الفوضى العارمة، ترافقت مع تدهور ملحوظ في الخدمات الأساسية" في المنشآت، ولا سيّما في مخيّمَي الهول وروج. أضافت أنّ "مع نفاد الموارد المؤقتة والتلويح بتقليصات إضافية في التمويل، تتفاقم حالة الاضطراب" لدى سكان تلك المنشآت، مذكّرةً بما وثّقه تقريرها في العام الماضي حول كيفية عيش أشخاص في المخيّمَين المذكورَين وسط "ظروف غير إنسانية تعرّض حياتهم للخطر، نظراً إلى محدودية سبل الحصول على الغذاء والمياه والرعاية الصحية".

وفي التوصيات، رأت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار أنّ "الأوان آن لوضع حدّ لنظام الاحتجاز غير المشروع"، مضيفةً أنّ "مع استعداد الولايات المتحدة الأميركية لتقليص وجودها العسكري في سورية، لا يجوز ترك سكان تلك المنشآت يواجهون مصيرهم وحدهم. وشدّدت على ضرورة أن "تباشر الدول، التي لها رعايا في شمال شرق سورية، فوراً، بتسيير رحلات جوية لإجلاء المدنيين من الأطفال ومقدّمي الرعاية لهم، والضحايا المحتملين لجرائم الاتّجار بالبشر". أما بخصوص "البالغين المتبقين"، فقالت كالامار إنّه لا بدّ من إخضاعهم لفحص أمني من أجل تحديد من منهم "ينبغي التحقيق معه أو ملاحقته قضائياً لارتكابه جرائم يشملها القانون الدولي أو جرائم خطرة بموجب القانون المحلي"، ودعت إلى "إطلاق سراح البقية"، مبيّنةً أنّه "يتعيّن على الحكومة السورية وحكومات الدول الأخرى مساعدة هؤلاء العاجزين عن العودة إلى بلدانهم".