ملفّ اللاعبين المغتربين يربك كرة القدم السورية

25 مارس 2025
منتخب سورية قبل مباراته مع الهند ضمن نهائيات كأس آسيا قطر 2023، (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه الاتحاد السوري لكرة القدم تحديات في استقطاب اللاعبين ذوي الأصول السورية بسبب مطالبهم المالية والامتيازات الخاصة، مما أثار جدلاً واسعاً واتهامات بالفساد.
- أثرت الأوضاع السياسية والاقتصادية في سوريا على كرة القدم المحلية، مما دفع اللاعبين للبحث عن فرص خارجية، وأدى إلى تراجع الدوري المحلي، مما جعل استقطاب اللاعبين المغتربين خياراً لتعزيز المنتخب.
- بعد استقالة الاتحاد الكروي، قررت اللجنة الاستشارية التوقف عن تقديم امتيازات للاعبين المغتربين، مما أعاد الملف إلى نقطة الصفر، مع اقتراب تصفيات كأس آسيا 2027.

يفرض ملف اللاعبين المغتربين السوريين نفسه على مستقبل كرة القدم السورية، بعد أن فرضت الهرولة من أجل استقطابهم ومحاولة إقناعهم بتمثيل المنتخب الأول على مسؤولي الاتحاد السوري الخضوع لطلباتٍ عديدة اشترطها بعض من هؤلاء اللاعبين من أجل منح موافقتهم، ومنها الحصول على أموال طائلة وفق بنود مختلفة تضمنها عند توقيع العقود معهم، مع ما شاع عن فساد وعمولات من أجل استرضائهم.

شكّلت رحلة البحث عن الإنجاز الكروي وإرضاء الجماهير السورية هاجساً لمختلف الاتحادات التي تعاقبت على إدارة اللعبة في البلاد. وبينما كان احتراف اللاعبين ممنوعاً خارج سورية حتى مطلع الألفية الثالثة تقريباً، فإن فكرة الاستعانة بلاعبين من أصولٍ سوريةٍ بدت أكثر منطقية بالنسبة للقيادتين، الرياضية والسياسية، لتفادي مزيد من الخيبات وتعزيز قدرة المنتخب الأول على منافسة جيرانه، علماً أن قوة الدوري السوري وجماهيريته ودخول رأس المال الخاص إلى عدّة أندية ساهم في عدم احتراف لاعبين عديدين في الفترة الأولى لتطبيق نظام الاحتراف الداخلي والخارجي.
في هذه الأثناء، برز اسم لاعب غريمنال بيرشوت البلجيكي، سنحاريب ملكي، وذلك بعد تألّقه مع الفريق في بطولة الدوري المحلي لموسم 2007 - 2008 ليجري التواصل معه وإقناعه بتمثيل منتخب بلده الأم، وهو ما حصل من خلال تصفيات كأس العالم 2010 أمام الكويت في 8 يونيو/حزيران 2008، على الرغم من أنه كان يملك خيار اللعب للمنتخب البلجيكي، سيما أنه كان قبل أسبوع مدعواً للمشاركة في معسكر المنتخب الأولمبي البلجيكي تحت 23 سنة.

انطلقت شرارة الثورة السورية، وكان لها تبعات كبيرة على كرة القدم السورية، فالحروب التي اندلعت في معظم المحافظات اضطرت لاعبين كثيرين على البحث عن لقمة العيش خارج البلاد

تركت مشاركة سنحاريب ملكي المولود في القامشلي (أقصى الشمال الشرقي) انطباعاً جيداً لدى الجماهير السورية، إذ سجل هدفه الدولي الأول في المباراة أمام الإمارات ضمن التصفيات المونديالية نفسها، والتي انتهت بفوز سورية (3-1) في مدينة العين.
وجاءت المشاركة في بطولة كأس آسيا 2011 إلى جانب اللاعب لؤي شنكو الذي كان محترفاً في نادي آلبورغ الدنماركي وهو الذي يملك جنسية سويدية أيضاً، لتفتح أعين المسؤولين على ضرورة الاستثمار والبحث عن لاعبين من أصول سورية ليشكّلوا الإضافة المطلوبة في بعض المراكز للمنتخب الأول.

الحرب وآثارها الكروية
انطلقت شرارة الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، وكان لها تبعات كبيرة على كرة القدم السورية، فالحروب التي اندلعت في معظم المحافظات اضطرت لاعبين كثيرين على البحث عن لقمة العيش خارج البلاد، والتحوّل إلى عالم الاحتراف الخارجي، حتى إن لم تكن العروض مغريةً على المستوى المادّي، إذ تراجعت بطولة الدوري المحلي كثيراً، وأصبحت تقام "رفع عتب" من خلال نظام مجموعتين في دمشق واللاذقية فقط. ورغم أن لاعبين تمكّنوا من ترك بصمة آسيوية مع الأندية التي لعبوا لها، كعمر السومة (الأهلي السعودي) وعمر خريبين (الهلال السعودي) ومعهما لاعبون آخرون كانوا قد سبقوهما إلى الاحتراف، مثل جهاد الحسين وفراس الخطيب، إلا أن الغالبية العظمى من اللاعبين كانت تتنقل من نادٍ إلى آخر بشكل شبه سنوي.
وأمام الظروف الجديدة، تراجع ملفّ البحث عن اللاعبين المغتربين (أو ذوي الأصول السورية) خطوة إلى الوراء، إلى جانب حادثة اللاعب جورج مراد (المولود في بيروت وصاحب الأصول السريانية) والتي أسفرت عن إقصاء منتخب سورية من تصفيات كأس العالم 2014 بسبب عدم استكمال الأوراق التي تثبت أحقيّته بارتداء القميص (الأحمر)، ساهمت في تراجع الحماسة بشأن البحث عن مزيد من اللاعبين (السوريين) في أوروبا، وليكتفي مسؤولو الرياضة في سورية باستثمار اللاعب سنحاريب ملكي في عدة مباريات بين عامي 2013 و2016. في حين كان الاعتماد أكثر على اللاعبين المحترفين في الأندية الخليجية إلى جانب عدة لاعبين ينشطون في الدوري السوري.

تحمّس اتحاد الكرة على نفض الغبار عن ملف "اللاعبين المغتربين" وفتح الباب مجدّداً امام عملية البحث عن هؤلاء اللاعبين

محاولات خجولة بعد تصفيات مونديال 2018
جاء تألق منتخب سورية في تصفيات كأس العالم 2018 ووصوله إلى الملحق الآسيوي، حيث كان على بعد خطوة ونصف من بلوغ النهائيات، إضافة إلى التعاقد مع المدرب الألماني، بيرند شتانغه، وخفة التوتّر العسكري على الجبهة الداخلية في البلاد، ليحمّس المسؤولين في اتحاد الكرة على نفض الغبار عن ملف "اللاعبين المغتربين" وفتح الباب مجدّداً امام عملية البحث عن هؤلاء اللاعبين، خاصة مع بروز اسم جديد على الساحة العالمية في ذلك الحين، وهو محمود داود (لاعب فريق بوروسيا دورتموند الألماني). لكن المحاولات لم تتسم بالجدّية الكاملة، وكانت النجاحات فيها محدودة، إذ جرى استقطاب اللاعب محمد عثمان (لاعب هيراكليس الهولندي) وإياز عثمان (لاعب دينامو دريسدن الألماني)، إلا أن الصعوبات المتعلقة باستصدار أوراقٍ تثبت أصول عدة لاعبين، وعدم القدرة على إقناع آخرين بتمثيل منتخب الآباء والأجداد حال دون وجود عدد أكبر في المنتخب الأول، في حين تمت تجربة بعض اللاعبين الشبان بالفعل بمنتخبات الفئات السنية.

خيبات جديدة
مع كل خيبة كروية سورية، كان ملفّ اللاعبين المغتربين يطفو مجدداً، وهذا ما حصل بعد كأس آسيا 2019 في الإمارات، وفي تصفيات مونديال قطر 2022، وغيرهما. ومع انتخاب اتحاد جديد برئاسة صلاح الدين رمضان في مايو/أيار 2022، اتخذ الملف منعطفاً كبيراً بسبب جدّية التعامل معه وتشكيل لجنة خاصة برئاسة نائب رئيس الاتحاد وعضو البرلمان السوري عبد الرحمن الخطيب لمتابعة كل اللاعبين (ذوي الأصول السورية) الذين يمكن الاستفادة منهم.
ولعل التعاقد مع مدرّب عالمي بقيمة الأرجنتيني هكتور كوبر لتدريب المنتخب الأول، كان من بين الأمور التي ساعدت على إقناع بعض اللاعبين في اللعب بقميص منتخب نسور قاسيون، سيّما الذين يلعبون في أميركا الجنوبية ويتقنون اللغة الإسبانية التي يتحدّث بها المدرب السابق لفالنسيا والإنتر ومنتخب مصر وأوزبكستان. وبالفعل، وجد كل من إيزاكيل العم وإبراهيم هيسار وآلمار أبراهام في عدة مباريات ودّية مع الأرجنتيني كوبر، من دون أن يترك أيٌّ منهم أثراً كبيراً.
وجاءت الخسارة أمام اليابان بخماسية نظيفة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 ضمن الجولة الثانية من تصفيات الدور الأول لمونديال 2026 لتفجر غضب الأرجنتيني كوبر وتضع الاتحاد الكروي تحت ضغط رهيب، من أجل إنجاز أوراق عدة لاعبين ينشطون في الأرجنتين وكولومبيا، مثل صانع الألعاب خليل إلياس والمهاجم بابلو صباغ والمدافع أيهم أوسو المحترف في سلافيا براغ التشيكي.

فرضت الهرولة من أجل استقطاب اللاعبين ذوي الأصول السورية ومحاولة إقناعهم بتمثيل المنتخب الأول على مسؤولي الاتحاد السوري الخضوع لطلباتٍ عديدة اشترطها بعض من هؤلاء اللاعبين

وبالفعل، شكل هؤلاء اللاعبون الإضافة المطلوبة في كأس آسيا في الدوحة مطلع العام 2024، حيث حقق المنتخب السوري إنجازاً غير مسبوق في تاريخه، من خلال تجاوز دور المجموعات للمرّة الأولى في تاريخه (بعد ست مشاركات سابقة فاشلة)، وهو ما شجّع مسؤولي الاتحاد على تسريع الخطا من أجل استقطاب لاعبين آخرين مع كل توقف دولي لاحق، خاصة بعد قدوم المدرب الإسباني خوسيه لانا (المتوّج مع منتخب بلاده ببطولة أوروبا تحت 19 عاماً في صيف 2024) إذ جرى استقطاب كل من داليهو إيراندوست وحارسي المرمى إلياس هدايا واستيبان جليل والمدافع إيمليانو عمور إضافة إلى المهاجمين الشابين توبياس القاضي ونوح شمعون ومحمد الصلخدي، وأخيراً أغناسيو آبراهام وأحمد فقا وفاكوندو مطر، إلى جانب عدة لاعبين جرى استقطابهم أساساً في منتخبات الفئات العمرية، مثل الحارس مكسيم صراف واللاعب مصطفى عبد اللطيف وغيرهما.

أزمة العمولات والتمييز
فرضت الهرولة من أجل استقطاب اللاعبين ذوي الأصول السورية ومحاولة إقناعهم بتمثيل المنتخب الأول على مسؤولي الاتحاد السوري الخضوع لطلباتٍ عديدة اشترطها بعض من هؤلاء اللاعبين من أجل منح موافقتهم، ومنها الحصول على أموال طائلة وفق بنود مختلفة تضمنها عند توقيع العقود معهم، ومنها تقاضي آلاف الدولارات مقابل كل مباراة أو مشاركة، إضافة إلى بنود تحفيزية أخرى، تتعلق بأموال إضافية نظير تسجيل الأهداف أو صناعتها، وكذلك بوجود أقارب وأهالي هؤلاء اللاعبين في كل معسكر أو مباراة يلعبها المنتخب السوري.
وعلى الرغم من ان هذه الأموال لم تدفع من أرصدة اتحاد اللعبة (المجمّدة) أساساً لدى الاتحاد العالمي لكرة القدم (فيفا) أو الاتحاد الآسيوي، إنما جاءت عن طريق هباتٍ ومساعداتٍ من أماكن متعدّدة، إلا أن خروج هذا الأمر إلى العلن وتداوله عبر وسائل الإعلام خلق ازمة كبيرة لهذا الاتحاد وقسم الآراء بين موافق ومعارض لهذا الأمر، كما أحدث وجود لاعبين كثيرين (من ذوي الأصول السورية) في تشكيلة المنتخب شرخاً في صفوفه، سيما مع اللاعبين السوريين الذين يحترفون في الدوري المحلي أو في دوريات عربية أو أجنبية أخرى، ممن لا يتقاضون أي مبلغ مالي أو ميزات خاصة نظير مشاركتهم مع المنتخب.

العودة إلى نقطة الصفر
أشعل الخروج من تصفيات كأس العالم 2026 ومن ثم استقالة الاتحاد الكروي في أعقاب سقوط النظام السياسي في البلاد، نقطة الخلاف بشكل كبير حول تقديم أية أموال للاعبين الذين يمثلون المنتخب الأول، إذ رفضت اللجنة الاستشارية المشكلة لإدارة شؤون الاتحاد الاستمرار في هذا النهج. وبحسب المدير الجديد لمنتخب سورية، رغدان شحادة، وبعد مفاوضات ومحادثات عبر تقنية "الاتصال أون لاين" مع عدة لاعبين أو وكلاء أعمالهم، فقد جرى الاستغناء عن دعوة هؤلاء، سيما الذين ينشطون في القارّة اللاتينية بسبب عدم القدرة على دفع الأموال لهم أو حجز تذاكر طيران من فئة رجال الأعمال لتأمين مشاركتهم مع المنتخب الذي يستعد لخوض تصفيات كأس آسيا 2027 ضمن مجموعة سهلة (على الورق) مع منتخبات باكستان، ميانمار وأفغانستان، والاكتفاء باللاعبين الموجودين في أوروبا، والذين يرغبون في اللعب، من دون أي ميزات إضافية عن بقية اللاعبين.
قسّم القرار الجديد الذي أبصر النور مع قرب الاستحقاق الجديد للمنتخب الأول الشارع الكروي مجدّداً بين مؤيد ومعارض، وأعاد قضية اللاعبين المغتربين وملفّهم إلى نقطة الصفر، إذ ينتظر أن يوجد عدد قليل جدّاً من اللاعبين الذين استُقطِبوا في الأشهر الـ12 الأخيرة، بانتظار ما سيسفر عن هذا القرار من تبعات، خاصة عندما يحين موعد البطولة الآسيوية بعد عامين تقريباً إذ يواجه منتخب سورية كبار القارة.

المساهمون