استمع إلى الملخص
- يطالب الناشطون بخطط واضحة من النيابة العامة وتنسيق بين الأجهزة الأمنية في شرق وغرب البلاد لملاحقة الفارين، مع الإشارة إلى التحديات مثل حماية المتورطين من مليشيات مسلحة.
- يعبر الحقوقيون عن تفاؤلهم بفتح ملفات الجرائم القديمة، لكنهم يحذرون من بقاء الشخصيات المرتبطة بجرائم إنسانية بعيدة عن العدالة، مما يهدد جهود القضاء في ظل الانقسام السياسي.
تتحرك جهات أمنية وقضائية في ليبيا لملاحقة جرائم قتل ارتُكبت قبل سنوات في مدن مختلفة، وأسفر ذلك عن توقيفات خلال الأشهر الماضية، لكن ناشطين يطالبون بأن تضع النيابة العامة خططاً لاستمرار هذه العمليات
تستمر عمليات ملاحقة مرتكبي الجرائم القديمة في ليبيا، في خطوة توصف بأنها محاولة لتعزيز مبدأ عدم الإفلات من العقاب، والسيطرة على الملف الجنائي. لكن ذلك لا يمنع طرح تساؤلات كثيرة عن قدرة الإجراءات المتخذة في تكريس العدالة على تجاوز الانقسامات السياسية والأمنية.
في 7 إبريل/ نيسان الجاري، أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس القبض على مطلوب في واقعة قتل حصلت قبل 13 عاماً في مدينة ترهونة. وأوضحت أن وحدة من قسم البحث الجنائي اعتقلت مهتماً بارتكاب جرائم قتل بناء على أمرٍ قضائي أصدرته نيابة ترهونة الجزئية بعد إجراء تحرٍ دقيق استند إلى معلومات جنائية متراكمة.
وسبق الواقعة سلسلة اعتقالات مماثلة في مارس/ آذار الماضي، بدأت حين أعلنت النيابة العامة ضبط عنصر في مليشيا "الكانيات" الموالية للواء المتقاعد لخليفة حفتر، والتي كانت تسيطر على ترهونة قبل عام 2020، ووجهت إليه تهمة الضلوع في 17 واقعة قتل خلال فترة سيطرت المليشيا على المدينة.
وكشف مكتب النائب العام أن المتهم اعترف خلال التحقيقات ببعض الجرائم المنسوبة إليه بعد مواجهته بالأدلة، ما دفع المحققين إلى حبسه على ذمة التحقيق، في خطوة اعتبر مراقبون أنها تستكمل ملفاً جنائياً ارتبط بانتهاكات وجريمة المقابر الجماعية التي ارتكبتها "الكانيات".
وجاء ذلك غداة إعلان النيابة العامة حبس متهم آخر بارتكاب جرائم قتلٍ في مدينة العجيلات بين عامي 2012 و2020، واتهامه بالتورط بخمس حالات قتل وإحراق منازل مدنيين في المدينة عام 2011، بحسب ما أكدت التحقيقات.
وفي 21 مارس/ آذار، أوقفت وحدة التحري في مركز شرطة مدينة سبها (جنوب) مطلوباً هارباً منذ عام 2017 بعد تحريات استمرت أشهراً، وأشار بيان أصدرته مديرية أمن سبها، إلى أن المتهم ظل يتحاشى الملاحقة الأمنية عبر التنقل والاختباء خارج المدينة، قبل أن تؤدي الجهود المكثفة إلى القبض عليه.
وفي أبرز خطوات ملاحقة الجرائم القديمة، تحريك النيابة العامة في 15 مارس الماضي دعوى الجنائية ضد قيادي في مليشيا "الكانيات" بتهمة التورط بمقتل 85 شخصاً خلال فترة سيطرة المليشيا على ترهونة. وكشف بيان أصدره مكتب النائب العام في طرابلس أن المتهم تورط بعمليات خطف 58 مدنياً واحتجازهم قبل تصفيتهم داخل مقر إدارة باسم "فرع الشرطة القضائية"، كما شارك في شنق مخطوفين بعد تعذيبهم.
وليست هذه التحركات جديدة، إذ حصلت اعتقالات عدة منذ منتصف العام الماضي. ويرحب الناشط إبراهيم الناجح في حديثه لـ"العربي الجديد"، بتتالي إعلانات القبض في الأسابيع الأخيرة، ويشدد على ضرورة وضع النيابة العامة خططاً واضحة لاستمرار هذه العمليات.
ويوجه الناجح مجموعة أسئلة، أبرزها عن أسباب عدم وجود تنسيق حقيقي بين الأجهزة الأمنية في شرق البلاد وغربها، ويشدد على أهمية توحيد الجهاز الأمني كي يستطيع ملاحقة الفارين والقبض عليهم من جهة، ومن جهة أخرى لتمكين القضاء من مواجهة المقبوض عليهم.
ويشير إلى أن العديد من المتورطين في جرائم المقابر الجماعية في ترهونة هم ضمن مليشيات مسلحة في شرق ليبيا، ويحظون بحماية لأنهم عسكريون، وأولئك الذين أوقفتهم أجهزة أمن حفتر وأودعوا السجون لم يحالوا إلى المحاكم رغم كثرة الإعلانات عن القبض على متورطين بقضايا قتل في شرق البلاد.
في المقابل، يُبدي الحقوقي أحمد العاقل، لـ"العربي الجديد"، تفاؤله بفتح الأجهزة الأمنية والقضائية ملفات الجرائم القديمة وملاحقة المتورطين، ويعتبرهما مؤشرين مهمين للرغبة في إخراج البلاد من الفوضى الأمنية السابقة إلى مستوى يتسم بالاستقرار، ولو في شكل نسبي. ويتحدث عن أن "مراقبي المنظمات الدولية وأولئك التابعين لدول لا يطلبون في الوقت الحالي أكثر مما تحقق في ملف حقوق الإنسان، ويتفقون على أن الوضع في ليبيا لا يزال قيد الانقسام السياسي، وأن التوترات الأمنية لا تزال تطل برأسها بين حين وآخر".
ويلفت العاقل إلى أن "عمليات ملاحقة الجرائم السابقة تزيد حجم الثقة بالجهازين الأمني والقضائي، وتبعث رسائل تطمئن المجتمع إلى أن منظومة القانون والقضاء يمكن تفعيلها، وأنها لم تشهد انهياراً كلياً". لكنه لا يستبعد أن "يكون وراء عمليات القبض على متورطين بجريمة المقابر الجماعية في ترهونة تغيّراً في موازين القوى السياسية بهدف التخلص من شخصيات مرتبطة بهذه الجريمة لا علاقة مباشرة لها مع أطراف سياسية، أما الشخصيات الأهم فبعيدة عن العدالة".
ويعتبر أن "استمرار بقاء الشخصيات الأكثر ارتباطاً بجرائم إنسانية، مثل جريمة المقابر الجماعية، بعيدة عن العدالة قد يُفشل جهود القضاء لاستعادة دوره مع مرور الوقت إذا لم يُقبض على هؤلاء المتورطين".