مقابلة | طارق متري لـ"العربي الجديد": فوّتنا فرصة المصالحة في لبنان

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
بيروت
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
12 ابريل 2025
طارق متري حول الحرب الأهلية اللبنانية: الذاكرة..الحقيقة..والمصالحة
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشير طارق متري إلى أن الطائفية تظل أكبر تحديات لبنان بعد 50 عاماً من الحرب الأهلية، حيث أن القوى الطائفية التي شاركت في الحرب هي نفسها التي حكمت البلاد، مما أعاق المصالحة الحقيقية.
- يتحدث عن تجربته الشخصية خلال الحرب، مؤكداً على تعقيد الصراع وأهمية تجاوز الطائفية، مشيراً إلى أن اتفاق الطائف لم يحقق التغيير المطلوب بسبب استمرار القوى الطائفية في الحكم.
- يتناول قضية سلاح حزب الله كعنصر انقسام، ويشير إلى تراجع نفوذه بعد الحرب الإسرائيلية، مع استمرار تأثير الهويات الفرعية على الهوية الوطنية اللبنانية.

يتحدث نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني طارق متري في مقابلة مع "العربي الجديد"، عن رؤيته للتحولات التي عاشها لبنان عقب 50 عاماً على اندلاع الحرب الأهلية، مشيراً إلى أن هناك عدة روايات أو سرديات شائعة للحرب، لكنها جزئية ولا تجمع العناصر التفسيرية كلّها. وبينما يشدد على أن اللبنانيين فوتوا فرصة المصالحة عقب الحرب، يلفت إلى أن الطائفية أكبر المشاكل في لبنان، مذكّراً بأن القوى السياسية التي شاركت في الحرب، وهي قوى في معظمها طائفية، هي نفسها حكمت لبنان ما بعد الحرب ولا تريد أن تغيّرَ شيئاً يُذكر. كما يتطرق إلى ملف العفو العام الذي صدر عقب الحرب ودوره في محو ذاكرة الحرب. وبينما يعبر عن اعتقاده بأن اللبنانيين لا يريدون العودة إلى الحرب، يلفت إلى أنهم يواصلون حروبهم الأهلية الصغيرة بطرقٍ أخرى. وبخصوص حزب الله، يقول إن سلاحه عنصر انقسام حادّ بين اللبنانيين، لكنه يلفت إلى أن حزب الله لم يعد يتمتع بالنفوذ نفسه الذي كان له في الماضي بسبب الحرب الإسرائيلية على لبنان التي أضعفته وأنهكته.

  • - ما الذي غيّرته الحرب في طارق متري الإنسان والسياسي والأكاديمي؟

كنت شابّاً وطالباً يوم ذاك، ورُبّ قائل إنّ الحرب كسرتنا لكنها أنضجتنا أيضاً، لكنّي أواجه صعوبة ككثيرٍ من أقراني من اللبنانيين في تذكّر كلّ أحداث الحرب المتلاحقة، لأسبابٍ تتّصل بعلاقتنا بذاكرتنا. ذاكرة تخفي شيئاً وتُظهر أشياء تعود إليك في أوقاتٍ وتغيب عنك في أوقاتٍ أخرى لأنّ الحاضر كثيراً ما يصنع أو يوقظ الذاكرة. أنا لست من الذين يحبّون إعادة اختراع الماضي، لذلك إذا سألتِني عن الماضي أسعى إلى التذكر بجدية، وإذا لم أنجح في ذلك أعترف بفشلي. الأمر الثاني، طبعاً هناك موعدٌ رسميٌّ لبدء الحرب، 13 إبريل/ نيسان 1975 ولانتهائها بتوقيع اتفاق الطائف (عام 1989)، لكنّ الحرب بدأت قبل 13 إبريل واستمرّت طويلاً لما بعد اتفاق الطائف. كذلك، هناك روايات أو سرديات، كما باتت العبارة مستعملة للحرب، شائعة لكنها جزئية، فالقول إنها حربُ الآخرين على أرض لبنان فيه بعض الصحّة لكنه جزئي، أي يُنظر إلى الحرب من زاوية ضيّقة. القول إنها حربٌ بين المسلمين والمسيحيين غير صحيحٍ، فيه بعض الصحة، فهي حربٌ بين قوى سياسية استطاعت تعبئة فئةٍ واسعة من المسيحيين مقابل قوى سياسية استطاعت تعبئة فئةٍ واسعة من المسلمين لكنها ليست حرباً بين المسيحيين والمسلمين. والقول إنها حربٌ بين يمين ويسار فيه بعض الصحة، لكن سردية أنها حربُ اللبنانيين ضدّ الفلسطينيين بطبيعة الحال غير صحيحة، فهي نظرة إلى القضية من زاويةٍ محددة، من زاوية تخوّفات فئة من اللبنانيين من الوجود الفلسطيني لا سيما المسلَّح منه، والحديث عن أنّ المسلمين اعتبروا الفلسطينيين جيشاً لهم أيضاً فيه مبالغة كبيرة. العلاقة بين الداخل والخارج علاقة معقّدة، أحياناً الصراعات الداخلية تستدعي التدخّلات الخارجية، وهذه الأخيرة في حالاتٍ أخرى متسبّبة بانفجار النزاعات الداخلية. المسائل معقّدة جداً وليست هناك من رواية واحدة تجمع هذه العناصر التفسيرية كلّها، لأنّ كل رواية وسردية هي تفسيرٌ لما جرى، هي تغليبُ وجهة نظر لفهم الواقع على سواها.

  • - ربما تكون الحرب قد تركت أثرها على كل شخص عملياً في لبنان، على الصعيد الخاص بك ما أكثر ما غيّرته؟

أنا خسرت أقرباء وأصدقاء كثيرين في هذه الحرب، وكانوا من الضحايا، لم يكونوا من المشاركين في الحرب، ورغم أنّي كنت صاحب موقفٍ في الكثير من الحالات، إلا أنّي لم أشارك في الحرب، وعندي نوع من التضامن التلقائي مع الضحايا، حتى أكاد أحسب نفسي ضحيّةً، وأنا لست ضحية، بمعنى أنّي ما زلت حيّاً ولم أفقد أحداً من أسرتي المباشرة، ولم يُدمَّر بيتي. تعرّضت للخطف أكثر من مرّة، تلقيت تهديدات لا تُعدّ ولا تحصى وما زالوا يقولون عنّي حتى اليوم ما لم أكنه أو أفعله وينسبون إليّ قولاً لم أقله وهذه عادة بعض اللبنانيين بالكذب وبعض الإعلاميين من ورائهم أو أمامهم. ربما تعلّمت أن أكون أكثر اعتدالاً وإن كنت لا أزال على موقفي من نقض الطائفية، صحيح لا أردُّ الحرب إلى مجرّد صراع طائفي، لكني أعتقد أنّ للحرب بُعداً طائفياً مدمّراً وأنّ الطائفية مهما سُمّيت، حتى محاصصة، هي مشكلة لبنان الكبرى وتجاوزها عملية صعبة ومعقّدة، أعترف بذلك، لكنها أكبر المشاكل، وكثيراً ما تجعل من مشكلاتٍ بسيطة قابلة للحلّ في أيّ مجتمع طبيعي قضية مصير في بلدٍ كلبنان.

- اليوم بعد 50 عاماً، هل أعاد اتفاق الطائف إنتاج الأزمات بقوالب مختلفة ومن الضروري بالتالي إدخال تعديلات عليه لحماية لبنان من أي خطر لتجدد الحرب؟

اتفاق الطائف أو أيّ اتفاق آخر قابل للتعديل وليس من مشكلة في ذلك، الأمر قابل للبحث في أي وقت. لا يهمّني كثيراً أنه أعاد التوازن في السلطة السياسية أو قلّص صلاحيات رئيس الجمهورية، ووضع سلطة بمعظمها في مجلس الوزراء ما أدى إلى دور أكبر وإلى حصّة أكبر في السلطة لرئيس الوزراء، هذا قد يكون مهماً، لكن أنا شخصياً لا يهمّني. أكثر ما يهمّني في اتفاق الطائف هو أنه رأى لبنان بعينَيْن اثنتَيْن. العين الأولى، أنّ لبنان قائمٌ على ميثاقٍ إسلاميٍّ مسيحيٍّ، أنّ الانتماء إلى الطائفتين الكبيرتين راسخٌ في الوعي ويضرب عميقاً في تاريخنا، وقد اعترف باللبنانيين بوصفهم مواطنين ينتمون إلى طوائفٍ، فقال بالمناصفة مثلاً. لكنه في الوقت نفسه، سمّى الدستور المنبثق عن الطائف اللبنانيين ولأول مرّة مواطنين. أي أنه اعترف بنا مواطنين أفراداً، ولذلك تَرجَم هذا الاعتراف المتبادل بالطوائف والمواطنين الأفراد، وتَرجم هذا في السياسة باقتراح نظام المجلسَيْن، مجلس نيابي مُحرَّر من القيد الطائفي يمثلنا باعتبارنا مواطنين، ومجلس شيوخ يمثل الطوائف، أي يمثلنا باعتبارنا أعضاء في طوائف، أي اقترح صيغة التوازن هذه على أن نرى لاحقاً هل يتطوّر مجتمعنا باتجاه المواطنة أم تبقى الانتماءات الطائفية أقوى من المساواة في المواطنة. تُرِكَ هذا السؤال مفتوحاً، لكنه أنشأ نظرياً لنا مؤسسات سياسية تسمح من ناحية بتطوّر مجتمعنا باتجاه المواطنة أو تقبل بأن يبقى مجتمعنا مؤلفاً من كتلتين طائفيتين، مسلمين ومسيحيين. لكن هذا ما أحسبه مهمّاً وبالغ الأهمية في اتفاق الطائف، لم يُعَر أيّ اهتمام، لأن القوى السياسية التي شاركت في الحرب، وهي قوى في معظمها طائفية، هي القوى السياسية نفسها التي حكمت لبنان ما بعد الحرب، فهي لا تريد أن تغيّرَ شيئاً يُذكر، وغير مهتمّة وعندها عادات قديمة وعادت إلى عاداتها القديمة. والأدهى أننا أصدرنا عفواً عاماً، وإصدار العفو العام كأنه محا ذاكرة الحرب، لم نعد نتذكّر مَن القاتل ومَن الضحية. 

القوى السياسية التي شاركت في الحرب وهي قوى في معظمها طائفية هي نفسها حكمت لبنان ما بعد الحرب ولا تريد أن تغيّرَ شيئاً يُذكر

  • - استناداً إلى ما قلته هل تعتقد أنّ أحد أسباب عدم شفاء اللبنانيين من الحرب الأهلية أو آثارها هو أنّ لبنان لم يمرّ بمسار مصالحة مجتمعية وطنية، وعدالة انتقالية، خصوصاً أن من اعتذر بعد الحرب الأهلية هم اليسار، قاموا بمقاربات نقدية ومراجعات واعتذروا، في المقابل من "هُزم" في تلك الفترة عوقب وسجن في السجون، ومن انتصر حكم، وبالتالي مسار المصالحة كان يُعدّ ضرورياً جداً في التجاوز والتعافي من تلك الفترة؟

هناك خلافٌ كبيرٌ على مَن انتصر ومَن انهزم، معظمنا نعتقد أنّ الكل قد هُزم، فلبنان خرج مثخناً بالجراح. المصالحة لم تتم لأنّ اللبنانيين عموماً يميلون إلى نسيان الماضي وطيّ الصفحة، يريدون استئناف حياتهم، وكأنّ الحرب كانت مجرّد مرحلة وقد عَبرت، وانتقلنا الآن إلى حالة السلم، فلا داعي للعودة إلى ويلات الماضي. ربما أكثرية اللبنانيين مالوا إلى هذا الخيار، أي طيّ الصفحة، وجاء العفو العام ليُعزّز ذلك، وأوهموا أنفسهم أنّ لبنان عاد إلى ما كان عليه قبل الحرب فيما لبنان لم يعد إلى ما كان عليه قبل الحرب، ولا سيما على الصعيد السكاني، فلبنان كان فيه اختلاط سكّاني، وفي التعليم وفي العمل، وتراجع الاختلاط كثيراً وصار لنا مناطق أغلبيتها الساحقة من طائفة بعينها ومؤسسات ومدارس وجامعات أغلبيتها تنتمي إلى طائفة بعينها. بالتالي، تغيّر البلد حقيقةً بعد الحرب، لكن لأننا طوينا صفحة الماضي لم نلحظ هذه التغيرات التي تجري أمام أعيننا، وعُدنا إلى ما كنّا عليه من قبل، إلى عاداتنا القديمة وخلافاتنا القديمة ولكن قسماً منّا هَجَر البلد، أي صوّت ضدّ الحرب برجليه وسافر.

لم يكن هناك أيضاً تضامن كاف بين الضحايا لأن الانقسامات الطائفية أبعدتهم

المصالحة لم تتم، هناك بعض القوى السياسية اللبنانية وبعض الفلسطينيين أيضاً قاموا بنوع من النقد الذاتي، كان يجب أن يقابله نقد ذاتي من النوع نفسه، يُعد الخطوة الأولى نحو الحوار، لكي يسهّل حواراً من أجل المصالحة، وهذا ما لم يحصل. لم يكن هناك أيضاً تضامن كافٍ بين الضحايا، لأن الانقسامات الطائفية أبعدتهم، وهناك قضية مثلاً تجمع اللبنانيين هي قضية المفقودين والمخفيين قسرياً، ونظرياً وحّدت اللبنانيين لكنها فعلياً لم تلاقِ استجابة واسعة في بعض الأوساط وما زالوا حتى اليوم يذكّرون بهذه القضية المهمة لأن عدد المفقودين والمخفيين قسرياً كبير جداً وترك اختطافهم أو غيابهم القسري ندوباً في جسم بلدنا وجرحاً لم يندمل. طبعاً فوّتنا فرصة المصالحة، والكثير من القوى السياسية تعتبر أنّ ما يجري على الصعيد السياسي لتأليف حكومات وحدة وطنية أو وفاق وطني، تعويض عن غياب المصالحة الفعلية، لكن هذا ليس مصالحة. حتى أن هناك أشخاصاً يتحدثون عن العيش المشترك من زاوية تقاسم السلطة، أي أنه إذا استقال وزراء، فهذا يهدّد العيش المشترك، علماً أن العيش المشترك ليس قضية وزراء وحكومات، بل قضية مجتمع، مجتمع متصالح وليس وزراء من طوائف مختلفة يلتقون حول طائفة واحدة ويفترقون بالسياسة، ليس هذا ما يسمّى العيش المشترك.

العيش المشترك ليس قضية وزراء وحكومات بل قضية مجتمع متصالح

  • - برأيكم هل احتمال عودة الحرب الأهلية قائم في لبنان أم أن هناك وعياً شعبياً، خصوصاً عند الجيل الجديد، يحول دون تكرار السيناريو؟

أنا أميل للجواب الثاني. لن أعمّم في ما يخصّ الجيل الجديد، لكن سأتحدث عن الجيل الأكبر. الجيل الجديد معظمه لم تُنقَل إليه ذاكرة الحرب، هناك طبعاً من الجيل الجديد من ينتمون إلى أحزاب الحرب وتشدّهم العصبيّات القديمة نفسها، لكن أعتقد أنّ هؤلاء أقلية حتى لو ربحوا انتخابات طلابية في بعض الجامعات. فأكثرية الشباب، وأنا كنت أستاذاً جامعياً وما زلت أتعاطى العمل الجامعي، مختلفون عن الجيل السابق، لديهم وعي أكبر بحقوقهم وواجباتهم باعتبارهم مواطنين أفراداً، لديهم شعور بخصوصيتهم بوصفهم أفراداً واستقلالهم عن الجماعات والطوائف، وأعتقد أنهم أقلّ طائفية من الجيل السابق. هؤلاء خرجوا من الحرب ولن يعودوا إليها وليسوا جيلاً مستعداً لحمل السلاح والاقتتال. أما الجيل الأكبر، فأيضاً اتّعظَ من الحرب ولا يريد العودة إليها، لأن الكل يجمعون على أن أكلافها كانت كبيرة، والحرب الأهلية كما وصفنا دوافعها عميقة ومحركاتها متعددة، أي لا يكفي أن ينفر زيد من عمر لكي تبدأ الحرب، الحرب تحتاج إلى قرار سياسي ودعم دولي وإمكانات كبيرة، وأنا أعتقد أن لا أحد يملك الإرادة ولا الإمكانيات لجهة العودة إلى الحرب. اللبنانيون لا يريدون العودة إلى الحرب كما شهدناها، أعتقد أنني غير مخطئ في هذا القول، ولو أني لا أملك معطيات كمّية للتأكيد عليه. إلا أن اللبنانيين يواصلون حروبهم الأهلية الصغيرة بطرقٍ أخرى.

الجيل الجديد بمعظمه لم تُنقَل إليه ذاكرة الحرب

  • - هل برأيكم أنّ سلاح حزب الله يُبقي هذا الاحتمال قائماً أم على العكس باعتبار أن هناك من يقول إن لا منافس للحزب كونه قوة عسكرية وميدانية في لبنان؟

طبعاً إنّ سلاح حزب الله عنصر انقسام حادّ بين اللبنانيين، كان كذلك في السنوات الماضية وكان اللبنانيون منقسمون إلى فئتين، فئة تعتزّ بهذا السلاح وتعتدّ به وتستمدّ منه قوة في السياسة والمجتمع والاقتصاد، وفئة أخرى تعارض استخدام السلاح لتثبيت النفوذ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لطرفٍ بعينه، وباسم السيادة الوطنية كانت ترفض وجود تنظيم مسلّح خارج السلطة الشرعية. الآن، ما زال هذا الانقسام قائماً، لكن بات أقلّ حدّة، بمعنى أنّ حزب الله لم يعد يتمتع بالنفوذ نفسه الذي كان له في الماضي بسبب الحرب الإسرائيلية على لبنان التي أضعفته وأنهكته ولأن هناك اتفاقاً سياسياً عبّر عنه رئيس الجمهورية جوزاف عون بخطاب القسم وعبّرت عنه حكومتنا في بيانها الوزاري حول مبادئ تتناقض مع استمرار الحال كما كان في الماضي، مثل مبدأ حق الدولة وواجبها باحتكار حمل السلاح، وحق الدولة بامتلاك قرار الحرب والسلم، ومسؤولية الدولة وواجبها في تحرير الأرض، وهذه المبادئ كلّها أصبحت أكثر رسوخاً في الحياة السياسية اللبنانية، وهو ما يغيّر طبيعة الانقسام حول سلاح حزب الله مقارنة بالماضي.

سلاح حزب الله عنصر انقسام حادّ بين اللبنانيين

  • - هل تعتبر أن اللبنانيين فشلوا في بناء هوية وطنية موحدة؟

لن أستعمل عبارة الفشل والنجاح، لكن هوية وطنية تتعالى على الهويات الفرعية والعصبيات الطائفية، والمناطقية موجودة عند فئة من اللبنانيين لكنها غائبة عند فئة أخرى، هناك فئة من اللبنانيين ما زالت هويتها الطائفية أو الجهوية، في واقع الأمر وليس بالكلام، تعلو على هويتها الوطنية. بالكلام، الجميع يتحدّثون عن لبنان والوطنية اللبنانية، ومرّت ظروف كانت مهيّأة ربما لظهور هوية وطنية جامعة تتجاوز العصبيّات لكنها لم تعمّر كثيراً. أتذكر مثلاً 14 آذار، هنا لا أتحدث في السياسة، حين التقى مسيحيون ومسلمون، شعروا بأنهم شعبٌ واحدٌ وأنهم أصحاب قضية واحدة، لكن للأسف هذا لم يدم كثيراً، لأن السياسة أعادتهم كلّ إلى عصبيّته الطائفية.

  • - لكنّ هناك طرفاً رئيسياً كان غائباً عن 14 آذار.

صحيح لم يكن المشهد جامعاً كفاية، أنا فكّرت أكثر بلقاء ذوي اللبنانية ذات النكهة المسيحية والعروبيين، لأني لم أتحدث بالسياسة ففكرت بهذه الزاوية. أيضاً في الحرب رافقت عن قرب حرب 2006 وفاوضت باسم لبنان حينها (ملاحظة من المحرر: تولّى متري في حينها منصب وزير الخارجية بالوكالة وفاوض على القرار 1701 الذي أنهى الحرب) والحرب الحالية، اختلفنا حول النظرة إليهما. أنا كنت أقول إنها حربٌ على لبنان كانوا يقولون لا هذه حرب إسرائيل وحزب الله، لكنها كانت على لبنان وليس بين حزب الله وإسرائيل. مثلاً، عندما استقبلوا المهجّرين من الجنوب، استقبلوهم بوصفهم لبنانيين مثلهم، أي ظهرت الهوية الجامعة، لكن في الفهم العام للحرب لم تكن دائماً تظهر الهوية الجامعة، بالتالي العلاقة بين الهوية اللبنانية والهويات الفرعية هي علاقة مضطربة، أحياناً تظهر الهوية اللبنانية وتتعالى على الهويات الفرعية، وأحياناً الهويات الفرعية تغلبها، وربما ما زالت الهويات الفرعية أقوى.

الهوية الوطنية موجودة عند فئة من اللبنانيين لكنها غائبة عند فئة أخرى

  • - أين نحن عالقون بعد الحرب الأهلية، هل تخلّصنا من عار الحرب الأهلية وتداعياتها ولدينا أمل في المستقبل أم أننا عالقون في الماضي؟

الإجابة عن هذا السؤال صعبة. أحياناً نشعر بأننا لا نزال في الماضي، وذكرنا خلال الحوار بعض سرديّات الحرب التي تتكرّر لغاية اليوم. مثل إننا حاربنا الفلسطينيين وطردنا السوريين، ويكادون يقولون إننا قضينا على سلاح حزب الله، مع أنها إسرائيل. أحياناً نسمع كلاماً كهذا، لكن في الوقت نفسه عند كلّ لبناني هناك ازدواجية. مثل الهوية الوطنية وتلك الفرعية، هناك ازدواجية العصبية الطائفية والقول إنّ الطائفية بغيضة. الشخص نفسه مثلاً نجد لديه نفوراً من الطائفية ومن ثم لذرائع مختلفة يلجأ إلى حضنها، لحماية الذات الموهومة بظنّي. لذلك عند أكثر اللبنانيين هناك جانب منهم طوى الصفحة ويريد التقدّم ويهمّه المستقبل والعلم والنشاط الاقتصادي والنجاح والحرية وحقوق الإنسان والحداثة، وهناك جزء قَبَلي دمويّ، وهذا حروبه وعداواته لا تنتهي، وكأنّ كثيرين منّا لديهم الوجهان. ليس الأمر سهلاً، وأحياناً نظنّ أنه اختفى، ولكنه يكون نائماً ثم يستفيق عند الأزمات. هذه هي العلاقة بالذاكرة. أي أننا ننسى ولكن يكون النسيان ليس عاقلاً وليس قائماً على مراجعة أو نقد ذاتي أو اعتراف بالخطأ أو رغبة بتصحيح أخطاء الماضي بل يكون مجرد نسيان، فقداناً اصطناعياً للذاكرة، فتعود الذاكرة عند الشدائد وتخرج أحياناً بأبشع صورة. سبق أن اشتغلت على مجتمعات أخرى، وتحديداً على فكرة ما إذا كانت العداوات القديمة تؤدي إلى الحرب أم العكس... والحرب برأيي اخترعت عداوات قديمة. ولدينا في لبنان أمر مماثل.

ذات صلة

الصورة
وزيري الدفاع السوري واللبناني في جدة 28 مارس 2025 (حساب وزارة الدفاع اللبنانية على إكس)

سياسة

وقّع وزيرا الدفاع السوري واللبناني اتفاقاً في السعودية بخصوص الحدود بين البلدين، أكدا فيه "الأهمية الاستراتيجية لترسيم الحدود بين سورية ولبنان".
الصورة
لاجئون سوريون

مجتمع

عادت، اليوم الاثنين، مجموعة من العائلات السورية إلى الأراضي السورية، عبر معبر "حكر الضاهر" غير الرسمي، وذلك بعد نزوحها في الفترة الأخيرة إلى الأراضي اللبنانية.
الصورة
طلاب في بروين خلال مسيرة نصرة لغزة، 25 أكتوبر 2025(Getty)

مجتمع

أعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية، يوم الاثنبن، أن سبب ترحيل اللبنانية رشا علوية من مطار نيويورك يعود إلى سفرها، الشهر الماضي، لحضور جنازة زعيم حزب الله.
الصورة
يعبرون النهر الكبير الحدودي للوصول إلى شمال لبنان (العربي الجديد)

مجتمع

وصل سوريون من مناطق الساحل التي تشهد اشتباكات إلى بلدات شمالي لبنان بعد رحلة محفوفة بالمخاطر، خصوصاً على النساء والأطفال.
المساهمون