معوقو الشمال السوري... أنشطة ناجحة لدمج أطفال في التعليم

معوقو الشمال السوري... أنشطة ناجحة لدمج أطفال في التعليم

28 يونيو 2022
تكتفي المؤسسات التعليمية بتقديم أدوات خدماتية لذوي الاحتياجات الخاصة (شبكة حراس الطفولة)
+ الخط -

يعاني الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة في شمال سورية من ممارسات خاطئة في حقهم، سواء من الأهل نفسهم المحرجين من وضعهم أو المجتمع نفسه، فيجري فصلهم وإبعادهم ويواجهون التنمر. في المقابل، تحاول منظمات دمجهم في التعليم المدرسي عبر تنفيذ أنشطة تستهدفهم وتبنى على التعاون بين المدارس العامة ومراكز تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك في المجتمع والوظائف، ما يضمن حياة كريمة لهم تتناسب مع وضعهم الصحي. 
تقول والدة إناس السالم البالغة 16 عاماً من مدينة الدانا لـ"العربي الجديد": "تعاني ابنتي منذ صغرها من شلل جزئي في أطرافها ودماغها، ولا تستطيع الحركة والوقوف على قدميها والنطق، وتفتقد السمع والرؤية الجيدين. وامتنعنا عن إرسالها إلى مراكز خاصة أو مدارس بسبب تنمر المجتمع من ذوي الاحتياجات الخاصة، وعدم اعتياد الأطفال الأصحاء على وجودهم بينهم. كما منع وجود مدارس مجهزة ووسائل نقل خاصة للمعوّقين تعليم إناس، ودمجها رغم رغبتها الشديدة في الاختلاط، وحبها وتعلقها بالأطفال حولها".
تتابع السالم: "لا بد من تهيئة المجتمع قبل تنفيذ الدمج عبر تنظيم حملات لتوعية الأهالي وحثهم على دفع أطفالهم إلى التعاون مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك من خلال فرق متخصصة، كما يجب أن يحصل الدمج تدريجاً من خلال أنشطة مشتركة بين الأطفال ذوي الاحتياجات والأصحاء، وتعزيز التعاون بين المدارس ومراكز التربية الخاصة، والإفساح في المجال أمام تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوظيف قدراتهم وتخفيف معاناتهم النفسية والجسدية".
وتؤكد مديرة الاتصال في شبكة "حراس الطفولة" التي تهتم بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ليلى حسو، لـ"العربي الجديد" أن الشبكة تعمل حالياً ضمن 17 مركزاً تتوزع في مناطق إدلب وريف حلب الغربي شمال غربي سورية، من أجل إعادة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس. وتقول: "لا تهتم المؤسسات التعليمية بموضوع دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أنه ليس مدرجاً في برامج منظمات إنسانية تحت أي بند، ولا يوجد بالتالي تمويل لمعالجة أوضاع هذه الفئة التي قد تشملها فقط مبادرات لتقديم أدوات خدماتية مثل أدوات للسمع وغيرها، وهذا لا يكفي لوضع الأطفال في صف طبيعي بمدرسة نظامية، إذ يحتاج ذلك فعلياً إلى تهيئة الصف لدمج الطفل مع الأطفال الأصحاء عبر توفير موارد".
تتابع: "باشرنا تجربتنا قبل ثلاث سنوات عبر تقديم خدمات تعليم ضمن مركز مستقل ضم 28 طفلاً، ثم تجرأنا على فتح 17 مركز دمج أو غرف صفوف ضمن مدارس رسمية. ونحن نضع خططاً فردية لتطوير مهارات الأطفال كي يصلوا إلى مرحلة تسمح بدمجهم، وهو ما عرفه أطفال عانوا من إعاقات في السمع. أما بالنسبة إلى الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية مثل أولئك الذين يعانون من توحّد فيمكن أن يحصل دمج جزئي لهم لفترة ساعة أو ساعتين فقط، وهم يستطيعون غالباً بعد مرحلة معينة أخذ المهارات اللازمة في التعليم".

نتائج جيدة
ويخبر والد الطفل ص. (7 أعوام) الذي نزح مع عائلته من مهجري الزبداني بريف دمشق إلى بلدة الفوعة، "العربي الجديد"، أن طفله يعاني من مرض فرط نشاط الحركة الذي يؤدي إلى قلة الانتباه والصبر وعدم القدرة على التركيز، كما يواجه صعوبة في النطق. ويقول: "تابعت حالته ثلاث سنوات من خلال التواصل مع متخصصة في النطق بلبنان ساعدتني كثيراً. ومنذ سنة ونصف السنة، التحق بمركز حراس الطفولة، وكانت النتائج جيدة جداً بعدما لازمه ثلاثة أطباء في اختصاصات الأطفال وعلم النفس والأعصاب، فتعززت استجابته وتغير سلوكه في شكل ملحوظ، وبدأ يتعلم الأحرف والأرقام، وأصبح يحب الأطفال ويلعب معهم. وقبل فترة قصيرة انضم طفلي إلى مركز وبشّر الصابرين للنطق، وتحسنت حالته وأصبح عادياً واجتماعياً لا يعاني من مشكلة. وهو يتعلم الآن في مدرسة النور التابعة لتجمع دمشق، بعدما وضعت إدارتها برنامجاً خاصاً به بمساعدة مدرسات".

الصورة
تعمل شبكة حراس الطفولة لدمج ذوي الإحتياجات الخاصة في المدارس (شبكة حراس الطفولة)
تعمل شبكة حراس الطفولة لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس (شبكة حراس الطفولة)

بدوره تحدث مسؤول التربية الخاصة بشبكة "حراس الطفولة" محمد عرفات لـ"العربي الجديد" قائلاً: "بدأت أنشطة شبكة حراس الطفولة في سبتمبر/ أيلول 2019 ضمن مركز مستقل للتربية الخاصة، وجرى تنظيم حملات لتوعية الأهالي والمعلمين والأطفال الأصحاء. وفي بداية عام 2022، استقبلت المراكز 46 طفلاً، ووزعتهم على 17 مدرسة بعد إنجاز ترتيبات دمجهم ووضع خطط تربوية خاصة بهم بهدف تنمية مهاراتهم الأساسية مثل تلك الخاصة بالحركة واللغة والتصرف في الحياة والمجتمع والمدارس. ويحصل الدمج بحسب حالة الطفل، ونعمل لتجهيز غرفة في كل مدرسة نسميها غرفة المصادر بهدف العمل مع أفراد هذه الفئة تمهيداً لدمجهم في الصفوف العادية، وتحققت نتائج ممتازة على صعيد دمج الأطفال في المدارس".
أيضاً، يتحدث والد محمد رحمون (14 عاماً) النازح من ريف معرة النعمان إلى مدينة الدانا، لـ"العربي الجديد"، عن فقدان طفله محمد سمعه جراء القصف، ويقول: "يمضي محمد يومه حاملاً محفظته المدرسية على ظهره منتظراً عودة أطفال الحي من المدرسة. وهم يخافون منه حين يقترب منهم للعب معهم، فيعود باكياً ويفرغ غضبه برسم لوحات جميلة بألوان مختلفة تعبر عن حالته النفسية، وأنا لم استطع حتى الآن أخذه إلى مركز تعليم خاص لأنني غير قادر على فعل ذلك نظراً إلى أن قدمي مبتورتان، كما أن لا وسائل لنقل الأطفال إلى المركز الذي يقدم أنشطة هادفة وبأساليب يحبها للأطفال مثل التعلم باللعب، وتعزيز نفسيتهم وتهيئتهم للاندماج في المجتمع، إضافة إلى تنمية مواهبهم وتعليمهم القراءة والكتابة بطرق بسيطة".

الصورة
تضع مراكز الدمج خططاً فردية لتطوير مهارات الأطفال (شبكة حراس الطفولة)
تضع مراكز الدمج خططاً فردية لتطوير مهارات الأطفال (شبكة حراس الطفولة)

نقص الكوادر المهنية
ويؤكد المتخصص النفسي في مستشفى عفرين أحمد خطاب الذي يعمل مع منظمة "سامز" الطبية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "يجب أن يحصل التكوين النفسي من خلال مساحات آمنة لتطوير مهارات الأطفال وخبراتهم قبل الدمج لتجنب الصعوبات والإحباطات في المراحل التالية. ونحن كمتخصصين نفسيين ندعم الدمج بسبب آثاره النفسية والاجتماعية الإيجابية، ومساهمته في تخطي الصعوبات الخاصة بهذه الفئة التي لا يجب أن تكون موصومة اجتماعياً".
ويطالب الأهالي بأن تتزايد منظمات وهيئات العمل الإنساني التي تعنى بهذه الفئة، وتعمل لتسهيل دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في كافة مراحل التعليم، وتأمين فرص عمل لهم بعد التعليم الجامعي، وكذلك لزيادة الوعي الثقافي المجتمعي على كل الصعد، تمهيداً للحدّ من النظرات والاعتقادات الخاطئة السلبية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويلفت خطاب إلى أن فئة قليلة جداً من الأهالي لا تريد تسليط الضوء على حالات ذوي الاحتياجات الخاصة لأسباب اجتماعية أو أخرى تتعلق بالوصمة، ولا تحاول بالتالي تحسين أدائهم وتطوير مهاراتهم وقدراتهم بما يكفل الاعتماد على الذات في شكل أفضل. وفي بعض الحالات يبدي الأهل اهتماماً ضعيفاً بطلب متابعة أطفالهم أو قبولهم في الصفوف الدراسية الأولى من دون الالتفات أو مراعاة لخصوصيات التعامل معهم، ما ينعكس سلباً على شخصياتهم ونموههم وردود فعلهم وتصرفاتهم، وحجم اضطراباتهم السلوكية، وضعف أدائهم".
ويشير إلى قلة المراكز التي تعني بذوي الاحتياجات الخاصة، ما يضطر الأهل إلى تحمل تكاليف وأعباء إضافية من خلال التنقل وعناء السفر. وفي العديد من الحالات يبدأ العمل لدمجهم جزئياً، وقياس أثر بلوغ مرحلة الدمج الكلي، من خلال تعاون وتنسيق تام بين المتخصصين والأهل والكوادر التعليمية في المدارس. وللأسف هناك كوادر مهنية متخصصة قليلة، علماً أنه يجري أحياناً تقييم الطفل بأنه يعاني من توحد، ثم يتبين عكس ذلك ووجود أعراض لطيف توّحد، ما يعني ضرورة التشخيص المناسب الذي يتطلب تأهيل الكوادر، وإخضاعها لإشراف علمي بعد التدريب لأنه أمر مهم جداً. وللأسف تفتقد المنشآت الطبية إلى مساحات مهيأة للأنشطة التي تنحصر في مراكز الحماية ورياض الأطفال".

المساهمون