معبد زغوان... سياحة على سفح ينابيع تونس

معبد زغوان... سياحة على سفح ينابيع تونس

30 نوفمبر 2021
معبد المياه أسفل الجبلين (العربي الجديد)
+ الخط -

على ارتفاع أكثر من 1200 متر عن سطح الأرض، وقرب أكبر جبلين في مدينة زغوان التي تبعد 60 كيلومتراً من شمال شرقي تونس العاصمة، شيّد الإمبراطور الروماني هادريان، خلال حقبة حكمه بين عامي 117 و138 ميلادياً، معبد المياه ذات الشكل نصف الدائري على عين أسفل الجبلين اللذين يفصل بينهما وادٍ يحمل اسم القلب، ويُطل على سهل زراعي واسع. وقد أطلق اسم زغوان المشتق من كلمة "زيكا" اللاتينية التي تدل على الماء، على المدينة لأنها تحتوي على ينابيع عذبة ومياه جوفية. 
وسبق تشييد المعبد بناء "الحنايا"، وهي بمثابة جسور معلّقة في شكل أقواس نصبت على أعمدة لنقل المياه من زغوان إلى قرطاج التي كانت مركز حكم الإمبراطوية الرومانية حينها، وذلك بأمر من الإمبراطور أدريانوس من أجل معالجة المشاكل الناتجة من تعرض البلاد لجفاف استمر 5 سنوات. ولا يزال جزء كبير من هذه "الحنايا" ممتداً على طول المسافة بين مدينتي تونس وزغوان.
ووفق المعهد الوطني للتراث، تعاقبت حضارات عدة على زغوان، بينها البونية والرومانية التي خلّفت معالم ومعابد ومسارح لا تزال آثارها حاضرة حتى اليوم. ويعد معبد المياه فيها من أكبر المعابد التي بنيت في تونس، وأحد أهم المعالم التي حَافظت على صبغة نشأتها الأولى. 
يقول أستاذ التاريخ عبد الحميد بن محمد لـ"العربي الجديد": "شيّد المعبد على الطراز الروماني باستخدام حجارة جلبت من جبال زغوان أساساً وبعض المناطق المجاورة. ويضم فسحة كبيرة في الوسط تحيط بها أدراج على اليمين والشمال، ما يجعلها تبدو كأنّها مسرح صغير شهد في العهد الروماني طقوس عبادة لآلهة الماء والبحر نبتون". 
ويضيف: "يحتوي المعبد على حوض كبير تتجمع فيه المياه المتدفقة من العيون، قبل أن تنقلها الحنايا إلى قرطاج القديمة. وقد انهار بمرور الزمن جزء كبير من هذه الحنايا، لكن الطريق الذي يفصل بين منطقة المعبد وتونس العاصمة لا يزال يضم أجزاءً منها تشكل معالم أثرية مهمة اليوم".  

الصورة
زوار وسياح كُثر سنوياً (العربي الجديد)
زوار وسياح كُثر سنوياً (العربي الجديد)

أكثر من 500 معلم أثري
ويشير بن محمد إلى أن "المنطقة تزخر بعيون عذبة ما زالت تتدفق منها المياه، ما جعل مصانع تعبئة المياه تتركز فيها، وسط خوف الأهالي من استنزاف هذه الثروة، وتأثيرها سلباً على الميزات التاريخية للمكان الذي يستقطب آلاف السياح المتحمسين لرؤية العيون الطبيعية، والمعبد الذي لم تجف مياهه منذ تشييده. وتزداد الرحلات الداخلية خلال عطل نهاية الأسبوع والإجازات المدرسية، والتي تنقل عائلات ومجموعات شبابية وطلاباً في التاريخ والجغرافيا تحديداً". 

بيئة
التحديثات الحية

ويقول بلال عبد المولى، أحد منظمي الرحلات السياحية في تونس: "تنقل عشرات الرحلات مئات الزوار والسياح للتمتع بجمال زغوان التي تحمل اسم سيدة المياه، وتستضيف مهرجان عرائس المياه كل صيف، والذي ساهم في التعريف بميزاتها الحضارية والثقافية وتاريخ المياه فيها، وجعلها وجهة سياحية داخلية مهمة. وقد دعت لجنة تضم خبراء في التراث المادي واللامادي في المعهد الوطني للتراث مرات إلى دعم محاولة إدراج معبد المياه على قائمة التراث العالمي، خصوصاً أن منطقة زغوان تضم أكثر من 500 معلم أثري". 

الصورة
جزء من فسحة معبد المياه (العربي الجديد)
جزء من فسحة معبد المياه (العربي الجديد)

جاذبية الكهوف
كذلك يشكل جبل زغوان محيطاً بيئياً فريداً يضم كهوفاً ومواقع غنيّة بنباتات وحيوانات مختلفة. وعلى بعد 10 كيلومترات من المدينة، اكتشف خبراء فرنسيون في عهد الاستعمار مجموعة كبيرة من الكهوف والمغاور، قبل أن يتابع هذه المهمة بنجاح  نادي الكهوف والمغاور في زغوان بالتعاون مع خبراء من بلجيكا. 

ومن أهم المواقع التي جرى اكتشافها "مغارة الشيطان" التي توجد في أعلى قمة بجبل زغوان، إلى جانب مغارة "المجانين الأربعة" التي تتراوح مساحتها بين 15 و30 متراً، ومغارة "معبد المياه" ومغارة "سيدي بوقبرين" ومغارة "وادي الدالية" ومغارة صيف 2000 ومغارة المعزة. 

الصورة
معالم هندسية مميزة من العهد الروماني (العربي الجديد)
معالم هندسية مميزة من العهد الروماني (العربي الجديد)

من هنا أصبحت المنطقة كلها تستقطب زوّاراً تونسيين كثراً يهتمون بتصوير الكهوف، خصوصاً من الشبان. ويقول عبد المولى: "يطلب مغامرون شبان كثر زيارة الكهوف، وتوفير مرشدين سياحيين لدخولها والتجولّ في المنطقة، علماً أن بعض الكهوف تتميز بأن مداخلها تتلاقى مع بعضها البعض. لكن الرحلات إلى المنطقة قد تستغرق أكثر من يوم، وتتطلب تراخيص مسبقة للسماح بتنفيذها". 

المساهمون