معارك شمال غربي باكستان... لا خطة لاحتواء النازحين

18 يناير 2025
اشتدت المعارك بين الجيش الباكستاني والمسلحين، 6 مايو 2021 (باسط زرغار/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد المناطق القبلية في باكستان عنفًا شديدًا بسبب سيطرة "طالبان باكستان"، مما أدى إلى عمليات عسكرية واسعة ونزوح السكان دون دعم حكومي.
- السكان المحليون يواجهون تحديات كبيرة بسبب الإخلاء المفاجئ، ويعيشون في فقر مدقع ويفتقرون إلى الخدمات الأساسية، مما يزيد من معاناتهم.
- النزوح المستمر يعكس تدهور الوضع الأمني، حيث يظل الفقراء محاصرين في ظروف صعبة دون دعم حكومي، مما يبرز الحاجة لبرامج إيواء ومساعدة فعالة.

تشهد باكستان عموماً، ومناطقها القبلية خصوصاً، أعمال عنف شرسة، بينما تزداد مشكلات السكان مع عدم إعلان الحكومة أي خطة لإيوائهم في ظل اضطرار كثيرين منهم إلى النزوح بعد تعرّضهم لخسائر كبيرة في الممتلكات بسبب العمليات العسكرية الدائرة في مناطقهم.

وسيطر مسلحو "طالبان باكستان" سيطروا على مناطق قبلية (شمال غرب)، ما دفع الجيش الباكستاني إلى مطالبة السكان بإخلائها قبل أن ينفذ عمليات عسكرية واسعة فيها. وأخيراً قلّص الجيش هذه العمليات، وجعلها محدودة النطاق والزمان، لكن أضرارها لا تزال كبيرة على السكان.

وأثّرت العمليات العسكرية على حياة كثير من المواطنين لأن الجيش يطالب خلال تنفيذ أي عملية سكان الأحياء والقرى بإخلائها، ومع البرد القارس يزداد الوضع سوءاً على السكان، في حين لا تقدم الحكومة أو الجيش أو أي جهة أخرى أي نوع من الدعم. وتستهدف أعمال العنف من ينتمون إلى الحكومة والجيش، لكن أشخاصاً من العامة يسقطون فيها. ويثير ذلك خوف العاملين في الحكومة وأسرهم، وأيضاً سكان المناطق المستهدفة.

يقول فريد خان محسود، أحد سكان منطقة مكين بإقليم جنوب وزيرستان القبلي، لـ"العربي الجديد": "ننتمي إلى قبائل فقيرة، ولا نملك مصادر دخل ثابتة، ونفتقد معظم ضروريات الحياة الأساسية. في العادة نرتب أمور حياتنا اليومية بصعوبة بالغة وبإمكانيات محدودة، وعندما يمرض فرد من عائلتنا لا نقلق على مرضه فقط، بل يقلقنا أكثر عدم وجود أموال، أو سيارات للنقل، أو عيادات وأدوية، وتزداد مصائبنا حين يأتي الجيش ليطلب منا إخلاء القرى فوراً لأن عملية عسكرية ستبدأ بعد يوم أو بعد ساعات من دون أن ترتب لنا السلطات أي بديل للإيواء أو تساعدنا في أي شيء. هذا ظلم، والضغوط الكبيرة تجبرنا على المغادرة، وعندما نرجع إلى منازلنا بعد انتهاء العملية العسكرية نرى الدمار والخراب نتيجة المواجهات بين الجيش والمسلحين".

لا خطة حكومية لإيواء النازحين في باكستان

يتابع: "تقع قريتنا قرب جبال وتلال يتمركز فيها مسلحون، وكلما شن الجيش عملية ضدهم طلبوا منا أن نترك المنازل التي يستهدفها المسلحون لاحقاً بعيارات نارية ثقيلة وخفيفة من الجبال فنتكبد نحن الخسائر، إذ نُقتل وتدمّر ممتلكاتنا. والآن كما ندخر في المنزل بعض المال لعلاج مريض، ندخر المال كي نستطيع استخدام سيارة إذا طلب منا الجيش المغادرة. هذا وضعنا المحزن".

وفيما يغادر بعض سكان القبائل منازلهم لفترات محدودة قبل أن يعودوا إليها، يتركها آخرون في شكل دائم بعدما اشتدت وتيرة المعارك بين المسلحين والجيش. وإذ بات المسلحون أكثر قوة ونفوذاً زادت تحذيرات قادة القبائل للسكان من احتمال شن الجيش عملية شاملة في القريب العاجل. ومن بين المناطق التي بدأ السكان ينزحون منها مير علي بإقليم شمال وزيرستان القبلي، وذلك قبل أكثر من شهر.

يخلي الجيش الباكستاني أحياءً وقرى حين يشن عملية، 14 ديسمبر 2020 (باسط زرغار/ Getty)
يخلي الجيش الباكستاني أحياءً وقرى حين يشن عملية، 14 ديسمبر 2020 (باسط زرغار/Getty)

ويقول الزعيم القبلي في منطقة مير علي، سيدان شاه، لـ"العربي الجديد": "يترك بين 10 و20 أسرة على الأقل منازلهم في منطقة مير علي يومياً، ويذهبون إلى مناطق أخرى في شمال غربي باكستان هرباً من المواجهات العسكرية الشرسة بين قوات الجيش والمسلحين. بدأت الموجة الجديدة من النزوح قبل شهر ونصف الشهر، والجيش غير قادر على حماية المواطنين، خصوصاً أن جنوده لا يستطيعون أن يخرجوا من مراكزهم بعد صلاة المغرب، فهم يحاولون الحفاظ على أنفسهم بينما يجول المسلحون في المنطقة كلها. في الصباح يسيّر الجيش دوريات في سوق مير علي والمناطق المحيطة، لكنّ جنوده لا يتوجهون إلى القرى البعيدة لأنهم قد يتعرضون لهجمات".

ويوضح أن المشكلة الأساسية ليست في وجود المسلحين الذين ينتمون إلى القبائل، فهم لا يفعلون شيئاً للسكان، بل يحظون برضاهم أيضاً بعدما ساهموا في القضاء على عصابات السرقة والنهب والقتل التي عجزت الحكومة عن مواجهتها. لا نخاف من المسلحين، بل من الحرب المندلعة بينهم وبين الجيش، كما أن الجيش ينفذ عمليات داخل القرى والأحياء، فيستهدفه المسلحون، بينما نحن ضحايا هذه المعارك، إذ نخسر الأموال والممتلكات والأرواح".

ويذكر الزعيم القبلي الباكستاني أنّ "معظم السكان الذين يتركون المنازل يعتبر وضعهم المعيشي جيد نسبياً، ويستطيعون استئجار منزل في بشاور أو ميران شاه أو ديره إسماعيل خان، كما قد يستفيدون من أموال يرسلها إليهم أفراد ينتمون إليهم ويعملون خارج البلاد، أما الفقراء ذوو الدخل المحدود فلا يملكون إلا خيار الصبر على أوضاعهم الصعبة والبقاء في مناطقهم، أو الذهاب إلى منازل يملكها أقارب لهم في مناطق آمنة نسبياً. الحكومة لا تملك أي نوع من البرامج لإيواء هؤلاء الناس أو مساعدتهم".

المساهمون