- الخبراء يشيرون إلى أن عدد اللاجئين والنازحين يتجاوز 120 مليون شخص عالميًا، وأن الجدال حول الهجرة في أوروبا يُضخَّم، مع استغلال السياسيين للخوف لتحقيق مكاسب انتخابية.
- في الولايات المتحدة، يدعم ملايين المهاجرين غير النظاميين الاقتصاد، لكن سياسات الهجرة الصارمة تؤدي إلى توترات اجتماعية وتهدد قطاعات اقتصادية حيوية.
يرى خبراء في شؤون الهجرة أنّ تصاعد العداء تجاه اللاجئين في أوروبا صار عاملاً رئيسياً في تشكيل السياسات، وذلك في ظلّ تفاقم أزمة الهجرة على الصعيد العالمي، بعد مرور 25 عاماً على إدراج الأمم المتحدة 20 يونيو/ حزيران على رزنامتها يوماً عالمياً للاجئين. ويهدف اليوم العالمي للاجئين إلى إيصال معاناة هؤلاء إلى المجتمع الدولي وتكريم الذين أُجبروا على ترك أوطانهم، إلّا أنّ التوترات السياسية والاجتماعية الناجمة عن تزايد أعداد اللاجئين تؤدّي إلى تصاعد النزعة المناهضة لهم في الدول الأوروبية.
وفي حين أدّت الخلافات حول سياسات الهجرة في هولندا إلى أزمات سياسية أطاحت الحكومة، كشفت الاحتجاجات والمواجهات التي اندلعت بعد مداهمات وعمليات احتجاز نفّذتها إدارة الهجرة والجمارك في الولايات المتحدة الأميركية ضدّ مهاجرين غير نظاميين في مدينة لوس أنجليس عن الأبعاد العالمية لأزمة الهجرة.
وبهدف تسليط الضوء على القضية، استطلعت وكالة الأناضول رأي كلّ من خبيرة السياسات الأوروبية شذى إسلام، وأستاذ دراسات الهجرة والاندماج في جامعة إراسموس روتردام الهولندية هان إنتزينغر. وقيّم الخبيران مقاربة المجتمع الدولي لقضية اللاجئين، وتأثيرات سياسات الهجرة الأوروبية على المشهد السياسي، إلى جانب مستجدات الوضع في الولايات المتحدة الأميركية.
معاداة المهاجرين وصعود اليمين المتطرّف
تقول خبيرة السياسات الأوروبية شذى إسلام لوكالة الأناضول إنّ اليوم العالمي للاجئين يذكّر العالم بحقوقهم وبحقوق طالبي اللجوء، مشيرةً إلى أنّه يلفت الأنظار إلى تمتّع هؤلاء بحقوق مقدّسة بموجب الاتفاقيات الدولية، وتضيف أنّ "الاتحاد الأوروبي حوّل مسألة الهجرة إلى أزمة، وطريقة تعاطيه مع هذه القضية تنطوي على تمييز عنصري يقوم على أساس عرقي"، وتوضح إسلام أنّ "نهج الاتحاد تجاه اللاجئين والمهاجرين يختلف بصورة كبيرة بحسب بلدانهم الأصلية. ففي حين تُطبَّق سياسة الباب المفتوح على اللاجئين الأوكرانيين الفارين من الهجمات الروسية، يُصار إلى التعامل بحسب سياسات صارمة وعنصرية جداً مع أولئك الوافدين من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية والعالم العربي وجنوب شرق آسيا".
وتبيّن إسلام أنّ سياسة الاتحاد الأوروبي مبنيّة على الردع وتتضمّن عنصراً جديداً من "نقل إجراءات اللجوء إلى دول خارجية"، شارحةً أنّه "يُقترح الآن تقييم طلبات اللجوء في دول ثالثة بدلاً من استقبال المهاجرين الوافدين من أفريقيا وآسيا إلى الأراضي الأوروبية، وغالباً ما يُستشهَد بنموذج رواندا في هذا السياق"، وتلفت إلى أنّ مواقف اليمين المتطرّف تتّسم بعنصرية تقليدية، و"لطالما عارض اليمين المتطرّف السود وأصحاب البشرة الداكنة تاريخياً، ويُصار إلى الترويج لفكرة أنّ الأوروبيين البيض وحدهم هم الأوروبيون الحقيقيون، وأنّ وجود المهاجرين يهدّد جودة حياة المواطنين الأصليين وفرص عملهم"، وتؤكد أنّ الأحزاب الرئيسية باتت تتبنّى هذا الخطاب كذلك، وتتابع "نشهد هذا بوضوح في هولندا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، إذ يُعتقَد أنّ تبنّي مواقف عدائية تجاه السود وأصحاب البشرة الداكنة والمسلمين يجلب أصواتاً انتخابية".
وإذ تشدّد خبيرة السياسات الأوروبية على أنّ القارة الأوروبية تعاني من شيخوخة سريعة ونقص في اليد العاملة، تتساءل "من أين سوف تأتي هذه اليد العاملة؟ الذكاء الاصطناعي وحده لا يكفي، نحن في حاجة إلى عمّال أجانب، وأنظمتنا في مجالات الصحة والتعليم والنقل سوف تنهار دونهم"، مؤكدةً أنّ "المهاجرين يشكّلون عاملاً مهماً في نموّ اقتصاداتنا وتنميتها"، لكنّها تشير إلى أن معاداة اللاجئين لم تعد حكراً على أوروبا، بل تمتدّ إلى الولايات المتحدة الأميركية، و"عندما نستمع إلى تصريحات السياسيين (الأميركيين) نلاحظ ذلك بوضوح، لا أحد يطالب بفتح الحدود بالكامل، لكن يمكننا استقبال الناس بطريقة إنسانية، بما ينسجم مع القيم والمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان".
السياسيون يستغلّون الخوف من الهجرة
بدوره، يقول أستاذ دراسات الهجرة والاندماج في جامعة إراسموس روتردام الهولندية هان إنتزينغر لوكالة الأناضول إنّ عدد اللاجئين والنازحين في العالم يتجاوز 120 مليون شخص، بحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويشير إلى أنّ جزءاً كبيراً من هؤلاء ما زال في داخل البلدان الأصلية، فيما اضطر كثيرون إلى الانتقال إلى دول أخرى، ويضيف أنّ الجدال القائم في أوروبا بشأن الهجرة يُضخَّم بصورة أكبر من حقيقته.
ويوضح إنتزينغر أنّ "ثمّة سكاناً محليين يخشون المهاجرين نظراً لخلفياتهم المختلفة، ويعدّونهم تهديداً. وثمّة سياسيون يستغلّون هذا الشعور بعدم الرضا". وتعليقاً على سقوط الحكومة الهولندية مرّتَين في خلال فترة قصيرة بسبب الخلافات حول قضية اللاجئين، يقول إنّ "اللاجئين في هولندا لا يمثّلون سوى نسبة صغيرة من إجمالي عدد المهاجرين"، ويتابع أنّ "نسبة اللاجئين بالكاد تتجاوز 10% من مجموع المهاجرين. ومع توسّع الاقتصاد وشيخوخة اليد العاملة، ما زالت البلاد في حاجة إلى مزيد من العمّال، يُضاف إلى ذلك أنّ اللاجئين يفتقرون في الغالب إلى المهارات المطلوبة".
ويبيّن الأستاذ الجامعي أنّ "الأرقام والمعلومات المتداولة حول اللاجئين تكون في الغالب غير دقيقة، ويُروَّج لفكرة أنّ الأعداد أكبر بكثير من الواقع، وأنّ السلطات غير قادرة على التعامل مع الوضع. في الحقيقة، الوضع ليس بالسوء الذي يروّج له بعض السياسيين، لكنّ هؤلاء يفعلون ذلك لأنّهم يعتقدون أنّه يمنحهم مكاسب انتخابية".
وعن الوضع في الولايات المتحدة الأميركية، يشرح إنتزينغر أنّ "نحو 11 إلى 12 مليون مهاجر غير نظامي يدعمون الاقتصاد هناك، لكنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تستغلّ وجودهم لبثّ الخوف في نفوس بقيّة السكان، من دون أن تعي مدى إسهامهم في دعم الاقتصاد الأميركي"، ويلفت إلى أنّ اختفاء هؤلاء المهاجرين بصورة مفاجئة سوف يؤدّي إلى انهيار قطاعات اقتصادية حيوية، مثل الزراعة والمطاعم والبناء.
ويصف إنتزينغر سياسات ترامب بأنّها "فعّالة لكنّها ضارة"، ويشير إلى أنّ "في الأشهر الأخيرة، لم يتجاوز عدد الأشخاص الذين عبروا الحدود المكسيكية-الأميركية إلّا بضعة آلاف، فيما كان العدد قبل عامَين يتجاوز 200 ألف شهرياً. من هذه الناحية، قد تكون السياسة فعّالة، لكنّها ليست جيّدة لأنّها تؤجّج الصراع بين فئات المجتمع المختلفة".
(الأناضول)