استمع إلى الملخص
- يواجه الفلسطينيون صعوبات كبيرة في الحصول على المساعدات الغذائية، حيث ينتظرون لساعات طويلة في مراكز تفتقر للكميات الكافية، ويتعرضون لخطر الإصابة أو الاستشهاد بسبب إطلاق النار.
- تتصاعد الانتقادات للآلية الأميركية لتوزيع المساعدات، مع مطالبات بعودة إشراف الأمم المتحدة لضمان سلامة المتلقين، في ظل معاناة الأهالي من فقدان أحبائهم.
استشهد 52 فلسطينياً في "مجازر المساعدات" برفح خلال أسبوع
بلغ إجمالي المصابين خلال هذه الفترة نحو 340 مصاباً
تعامل عناصر الشركة الأميركية مع المجوّعين يظهر معاملة غير إنسانية
منذ بدء عمل "مؤسسة غزة الإنسانية" الأميركية، تخلو آلية توزيع المساعدات من أي تنظيم، ما يؤدي إلى فوضى وتدافع، مع عدم توفير أي حماية للمتوافدين الذين يكرر جيش الاحتلال استهدافهم.
عاش آلاف الفلسطينيين مجزرة دامية، فجر الأحد الماضي، قبل أن يصلوا إلى مركز توزيع المساعدات الأميركي الذي تديره "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة إسرائيلياً، والواقع في أقصى جنوب غربي مدينة رفح على الحدود مع مصر، بعدما أطلقت دبابات الاحتلال الإسرائيلي نيران رشاشاتها تجاههم، مخلفة أكثر من 30 شهيداً، ونحو 200 مصاب.
وأفاد أشخاص حضروا المجزرة "العربي الجديد" بأنها وقعت على شاطئ البحر بالقرب من دوار العلم، بين الساعة الثالثة والنصف والساعة الخامسة فجراً، أثناء انتظار الأهالي بدء العمل في مركز توزيع المساعدات، وأنه حينما تراجع من وصلوا مبكراً للحصول على طرد غذائي إلى شاطئ البحر هرباً من نيران الدبابات، باغتتهم الزوارق الحربية من البحر باستهدافهم على الشاطئ.
وفوجئ الأهالي الذين دخلوا إلى ساحة مركز التوزيع بوجود أربع شاحنات فقط، وهي كمية قليلة مقارنة بحجم المحتشدين، والذين غادر معظمهم تحت وطأة إطلاق النار، ولم يتمكنوا من الحصول على أية مساعدات، فيما عاد عشرات في أكفانٍ، لتتجرع عائلاتهم الفقد والجوع معاً.
ومع منع الاحتلال مركبات الإسعاف من الوصول إلى المكان الذي يصنفه منطقة عسكرية، تمت عمليات نقل الشهداء والمصابين عبر قطع بلاستيكية أو ألواح الزينكو، أو على الدراجات الهوائية وعربات الكارو، واستمرت عملية النقل لنحو ثلاث ساعات.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، استشهد 52 فلسطينياً في مجازر مراكز توزيع مساعدات "مؤسسة غزة الإنسانية" منذ بدء العمل بها بتاريخ 27 مايو/ أيار الماضي، في حين بلغ إجمالي المصابين نحو 340 مصاباً.
عند الثالثة فجراً، كان الفلسطيني محمد الزبن (28 سنة) من بين آلاف المنتظرين لبدء توزيع المساعدات، ويحكي لـ "العربي الجديد": "كانت الأعداد كبيرة، ولم يكن هناك متسع حتى للمشي نتيجة كثرة الأعداد. مشينا باتجاه الطريق الساحلي، ولكوني ذهبت عدة مرات إلى المركز ورجعت بطرد في كل مرة، كنت أحتمي بالسواتر الترابية، وأنبطح أرضاً أثناء إطلاق النار من الدبابات، وهذا يحدث يومياً".
يضيف: "تراجع الشباب إلى شاطئ البحر بسبب كثافة النيران، واحتموا خلف سواتر رملية، لكن الغدر جاء من البحر، ومعظمهم استشهدوا أو أصيبوا برصاص الزوارق البحرية الإسرائيلية. كل بضع دقائق كنا نسمع باستشهاد أحدهم، ومعظم الشهداء سقطوا على البحر، والرصاص كان مباشراً وكثيفاً، فتجد شاباً يقف إلى جانبك يسقط فجأة. عندما توقف إطلاق الرصاص مع بدء طلوع الضوء، اندفع الشباب بأعداد كبيرة إلى المركز وحصلوا على الطرود المتاحة".
يتابع الزبن: "لم يكن النازحون إلى جنوبي القطاع فقط من توجهوا إلى مركز التوزيع في رفح، بل كان هناك شبان من شمالي القطاع، وقد باتوا ليلة السبت في المكان. مع كثافة النيران، كانت طائرة مسيّرة (كواد كابتر) تحلق على علو منخفض فوقنا، وبعد ربع ساعة من بدء التوزيع، دخلت أعداد كبيرة من الناس إلى ساحة المركز الذي لا يوجد له بوابة، ونفدت كل الطرود الموجودة سريعاً، والتي لم تكفِ سوى لأعداد قليلة من المتجمعين. استطعت العودة لطفلي بطرد بسكويت صغير وبعض علب الجبن. بعد الحصول على الطرد الغذائي تبدأ رحلة شاقة أخرى، إذ علي حمله لمسافة نحو ثمانية كيلومترات، أصعد خلالها تلالاً رملية، وأمشي في منطقة صحراوية، وفوق بيوت مدمرة".
جاء شحدة محمد بركة (48 سنة) من مدينة دير البلح في وسط قطاع غزة إلى رفح، محاولاً شراء بعض السلع من أسواق منطقة دوار العلم، وهو المكان الذي وقعت قربه مجزرة المساعدات، وقد نام ليلته هناك، وفي الرابعة والنصف فجراً أصابته رصاصة في رأسه، فاستشهد على الفور.
يقول شقيقه هاني بركة لـ "العربي الجديد": "ذهب لشراء بعض الطعام، ولم يكن ينوي دخول مركز المساعدات، وهي المرة الأولى التي يذهب فيها إلى رفح. لكنه استشهد. لديه أربع بنات وولدان، ودفعته الظروف الصعبة ونفاد الطعام والغلاء الفاحش للذهاب إلى رفح. ذهب ماشياً وعاد شهيداً".
رافقت يارين أبو النجا (44 سنة) شقيقها محمد (48 سنة) إلى نفس المنطقة للحصول على طرد غذائي، لكنه أصيب برصاصة في البطن. تحكي لـ "العربي الجديد": "أطفالي وأطفال أخي لم يأكلوا منذ ثلاثة أيام، فقد نفدت لدينا كل المستلزمات الأساسية، فقررنا التوجه إلى مركز التوزيع. سرنا مع الناس، وبعد وصولنا بدأت الدبابات تطلق الرصاص نحونا. تهت عن أخي وتراجعت إلى الخلف، وبدأت أسأل عنه، ثم عرفت أنه أصيب، فتوجهت إلى مجمع ناصر الطبي حيث كانت الأوضاع صعبة، فعلى مدار الوقت كانت تصل إصابات، وتتكدس في المستشفى، ونتيجة الضغط الشديد جرى إخراج أخي بعد إسعافه، والإبقاء على الحالات الخطرة".
لا يقل المشهد خطورة في مركز توزيع المساعدات القريب من جسر وادي غزة في المنطقة المعروفة باسم "محور نتساريم"، فخلال انتظار الحصول على المساعدات، باغت جيش الاحتلال المتجمعين بإطلاق نار كثيف، واستشهد أحدهم وأصيب عدد آخر.
كان من بين المصابين الشاب ساهر تيسير عيد، وهو يرقد حالياً بالمشفى الأميركي في مدينة دير البلح (وسط)، بعد إصابته برصاصتين إحداهما في صدره والأخرى في قدمه، ويصعب تعامل الطواقم الطبية مع حالته إصابته السابقة بالسرطان.
يقول شقيقه صائب الذي يرافقه بالمشفى لـ "العربي الجديد": "عندما بدأ إطلاق النار، تراجع أخي مع الشبان الموجودين، ومع بدء إطلاق نداءات الاستغاثة بوجود مصابين، شارك في حمل ثلاثة منهم، وفي المرة الرابعة، عاد ليحمل مصاباً فتعرض لإطلاق النار، وأصابته رصاصتان. ذهب أخي للحصول على طرد غذائي، لكنهم أثبتوا أنهم يتلاعبون بأرواح الناس".
وتتصاعد وتيرة التحذيرات من خطورة الآلية الأميركية لتوزيع المساعدات بديلاً عن المؤسسات الأممية، لكونها تتجاهل معايير العمل الإغاثي والإنساني، وسط مطالبات فلسطينية ودولية بالعودة إلى آلية توزيع المساعدات التي تشرف عليها الأمم المتحدة.
منذ مساء الخميس الماضي، ينام جبر موسى قرب مركز المساعدات القريب من جسر وادي غزة، على أمل أن يتمكن من معرفة مصير نجله المفقود عبيدة (16 سنة)، والذي لحق بإخوته وأبناء حارته الذين توجهوا صباح الخميس، إلى المركز للحصول على المساعدات، لكنه أصيب بطلق ناري من دبابة إسرائيلية، ثم فقد أثره.
كان موسى يأمل أن يتمكن من الدخول إلى المكان لمقابلة الممثلين عن الشركة الأميركية التي تتولى التوزيع، وإبلاغهم بفقدان نجله في المكان الذي يفترض أنه "منطقة إنسانية"، على أمل معرفة مصيره. يحكي ابنه حاتم لـ "العربي الجديد": "ذهبت مع إخوتي وأبناء حارتي إلى المركز، ولم أعلم أن عبيدة لحق بنا، ووصلنا الساعة 11 صباحاً، ضمن الموعد الذي أعلنته الشركة للتوزيع الذي يبدأ من الثامنة صباحاً ويستمر حتى السادسة مساء، وعندما اقتربنا كانت المساعدات قد نفدت، فاعتلى أحد عناصر الشركة الأميركية تلة، ورأيته يشير لباقي عناصر الشركة بالانسحاب إلى خلف تلة ترابية، وأعطى إشارة أخرى لجيش الاحتلال".
وتظهر مشاهد منشورة لحظة إشهار عناصر الشركة الأميركية السلاح تجاه المحتشدين، بهدف الإبقاء على مسافة فاصلة، في معاملة غير إنسانية تنافي الهدف المعلن من وجود المركز، وفق وصف الأهالي.
يستعيد بقية التفاصيل: "انسحبنا من المكان، وحسب رواية شهود العيان، كان أخي يتقدم الصفوف، ويحمل هوية أمي محاولاً الحصول على طحين، وعندما بدأ إطلاق النار حاول مع جار لنا يدعى عبد الله المغاري الهرب، لكنهم فوجئوا بثلاث دبابات تخرج من ثلاثة اتجاهات، وتطلق النار مباشرة عليهم. أصيب أخي برصاصة في بطنه، وأصيب المغاري في كتفه، وحاول جار لنا حمل أخي بعدما استنجد به قائلاً أمانة لا تتركوني هنا، لكن مع اشتداد إطلاق النار، اضطر الشاب الآخر للانسحاب وترك أخي بالمكان".
ما يعطي بصيص أمل للعائلة أن شهوداً أخبروهم بمشاهدة مروحية إسرائيلية تقلع من المكان، وأن "جيباً" عسكرياً بمكان سقوط عبيدة مصاباً، وقد يكون في ذلك إشارة إلى نقل مصابين أو جثامين شهداء، وقد أبلغوا الصليب الأحمر والمركز الفلسطيني للمفقودين بالواقعة، لكن جيش الاحتلال لم يفد بأي معلومات.
يضيف حاتم: "بعد يومين من الواقعة، ذهبت مع أبي إلى المركز، ولم نكن نريد الحصول على مساعدات، فمنذ الخميس الماضي ينام أبي هناك لمعرفة مصير أخي، لكن على بعد 100 متر من المركز، أطلقت دبابة وطائرات مسيّرة نيراناً كثيفة، فتراجعنا إثر ذلك، واستشهد بالقرب منا جارنا محمد أبو حجير، وأصيب العديد من الشباب".