مصر: انتقادات لإحالة مخالفات البناء على الأراضي الزراعية إلى القضاء العسكري

25 ابريل 2025
بنايات على أراض زراعية في مصر، مايو 2024 (أحمد حسب الله/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قررت السلطات المصرية إحالة مخالفات البناء والتعديات على الأراضي الزراعية إلى القضاء العسكري بعد اكتشاف آلاف المخالفات، مما أثار مخاوف من تآكل الكتلة الزراعية في مناطق مثل دلتا النيل.
- قوبل القرار بانتقادات حقوقية واسعة، معتبرين أنه مخالف للدستور والقانون ويعتدي على حق المواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، مطالبين بالتصدي لهذه التوجيهات قانونيًا.
- أكد خبراء قانونيون على قدرة القضاء العادي في معالجة المخالفات، داعين لتفعيل القوانين الحالية والبحث عن بدائل لحماية الأراضي الزراعية بدلاً من اللجوء للقضاء العسكري.

كشفت مصادر رسمية مصرية عن قرار بإحالة مخالفات البناء والتعديات على الأراضي الزراعية إلى القضاء العسكري، بعد اكتشاف السلطات ارتكاب آلاف المخالفات خلال إجازة عيد الفطر، ما أدى إلى مخاوف من تآكل الكتلة الزراعية في مناطق شديدة الخصوبة، من بينها دلتا النيل.
وقالت المصادر إن توجيهات رسمية صدرت إلى وزارتَي الزراعة والتنمية المحلية ومجالس المدن والوحدات المحلية في جميع المحافظات، بتحرير محاضر شرطية لهذه المخالفات التي تشمل التعدي بالبناء على الأراضي الزراعية.
وأعادت هذه التوجيهات إلى الأذهان ما جرى قبل سنوات عدّة عندما أُحيلت آلاف من مخالفات البناء التي مرت عليها عشرات السنوات إلى النيابة العسكرية، وخُيّر أصحاب هذه المخالفات ما بين دفع غرامات قُدّرت بالملايين، أو استمرار النيابة العسكرية في إقامة الدعوى مع إحالة المخالف مسجوناً إلى القضاء العسكري، وذلك على الرغم من كون قطع الأرض المقام عليها البناء مدنية وكون المتورطين في المخالفات مدنيين لا عسكريين.
وقوبلت التوجيهات بتحويل مخالفات البناء إلى القضاء العسكري بحالة من الغضب في الأوساط الحقوقية، التي وصفت الخطوة بأنها مخالفة للدستور والقانون، كما تشكل اعتداءً على حق المواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، وحقه في استئناف الحكم أمام محكمة أعلى درجة، ووجود مراحل متعدّدة من التقاضي، بخلاف القضاء العسكري الذي لا يجوز الطعن على أحكامه.
واتفق عدد من الحقوقيين على دراسة سبل التصدي لهذه التوجيهات، والطعن بكل السبل القانونية في إحالة مخالفات البناء إلى القضاء العسكري، معتبرين الأمر اعتداءً على استقلال القضاء، وتعدياً على صلاحياته، وانتقاصاً من ولايته واختصاصاته.
وانتقد الخبير الدستوري عصام الإسلامبولي القرار، واصفاً إياه بأنه "يعيدنا إلى الوراء عقوداً، ويخالف الدستور والقانون الذي يمنع إحالة المدنيين إلى المحاكمة العسكرية إلّا في أضيق الحدود، كأن تكون المخالفة قد ارتكبت في أرض تابعة للقوات المسلحة أو مرتبطة بها، أو تشكل اعتداءً على مناطق عسكرية، وهو ما يفتقد في الأغلبية الساحقة من قضايا مخالفات البناء"، وأضاف أن "إحالة مخالفات البناء التي تورط فيها مدنيون إلى القضاء العسكري تشكل عدواناً على استقلال القضاء وعلى ولايته الطبيعية، فضلاً عن كونها عدواناً على حق المواطن في التمتع بمراحل الدفاع المختلفة، ما يستوجب التراجع عن القرار فوراً".

البناء على الأراضي الزراعية شائع في مصر، 16لامايو 2022 (Getty)
البناء على الأراضي الزراعية مخالفة شائعة في مصر، 16لامايو 2022 (Getty)

وحول حجة بطء إجراءات التقاضي في القضاء العادي والحاجة إلى حسم القضاء العسكري للاعتداء على الأراضي الزراعية، أوضح الإسلامبولي لـ"العربي الجديد" أنّ "القضاء الطبيعي قادراً على التصدي للمخالفات وردعها، والمهم هو ضرورة امتلاك الإرادة السياسية لتنفيذ أحكام القضاء على نحوٍ سريع وحاسم، وقطع الطريق على أي محاولات للمماطلة في تنفيذ هذه الأحكام، باعتبار أن سرعة التنفيذ أكثر جدارة في مواجهة المخالفات، بدلاً من مخالفة القانون والدستور بإحالة القضايا ذات الطبيعة المدنية إلى المحاكم العسكرية".
في السياق نفسه، يؤكد نائب رئيس محكمة النقض السابق محمد ناجي دربالة، لـ"العربي الجديد"، أن "القرار الجديد بإحالة مخالفات البناء إلى القضاء العسكري ليس الأول، فقد سبقته محاولات عديدة، إذ قررت حكومة كمال الجنزوري في تسعينيات القرن الماضي إحالة  المخالفات للقضاء العسكري لمنع الاعتداء على الرقعة الزراعية، وشهدت محكمة النقض سابقاً طعناً تقدمت به النيابة العامة على حكم برفض إحالة مواطن للقضاء العسكري بعد عدم تنفيذ قرار بإزالة تعديه على أرض زراعية، وأصدرت محكمة النقض حينها حكماً برفض طعن النيابة انطلاقاً من عدم دستورية أو قانونية إحالة مخالفات البناء المدنية إلى القضاء العسكري، مؤكدة أنها تشكل اعتداءً على حقوق المدنيين في الوقوف أمام قاضيهم الطبيعي، كما أنها تشكل عدواناً على استقلال القضاء".
يضيف: "حكم محكمة النقض هذا جرى الاستناد إليه في آلاف الدعاوى المماثلة، وبات تأكيداً على عدم شرعية إحالة مخالفات البناء للقضاء العسكري، ولا أكون مبالغاً إذا أكدت أن تمسك الحكم بحقوق الدفاع وحق المواطن في استئناف أي حكم أمام قضاء أعلى درجة هو ما دفع مجلس القضاء الأعلى في مراحل لاحقة إلى تخصيص درجتين لمحاكم الجنايات، وليس درجة واحدة كما كان معمولاً به لعقود".

وشدّد دربالة على "ضرورة وجود نصوص جامعة مانعة، وليست فضفاضة، تمنع إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، خصوصاً أن هناك مشاريع حكومية مثل المحاور المرورية مثلت اعتداءً على الأراضي الزراعية، وتسببت في إهدار ملايين الأفدنة"، ونبه إلى "ضرورة الطعن في قرار إحالة المدنيين أمام القضاء الإداري، باعتباره قراراً إدارياً مخالفاً للدستور والقانون، ويشكل خطأ فادحاً يَستلِزم إلغاءه فوراً".
بدوره، رفض عضو مجلس النواب ضياء داود، القرار المخالف للدستور والقانون، الذي يشكل عدواناً على حق المدنيين في الوقوف أمام قاضيهم الطبيعي، والتمتع بكل الحقوق والضمانات التي تحفظ حقوقهم وتمنع إهدارها حال مثولهم أمام القضاء العسكري، خصوصاً وأن مخالفة البناء على أراضٍ زراعية ليست جريمة عسكرية، ولم يرتكبها عسكريون، ولم تقع على أرض ذات طبيعة عسكرية.
ويؤكد البرلماني المصري قدرةَ القضاء العادي على الحفاظ على الأراضي الزراعية، ومنع أي اعتداء عليها، شريطة إنفاذ القانون بصرامة تمنع أي تلاعب بأحكام القضاء، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "حالة الغضب الواسعة حيال القرار الإداري بالإحالة إلى القضاء العسكري قادرة على نقضه، فهناك بدائل عديدة للحفاظ على الأراضي الزراعية تسبق الإحالة إلى القضاء العسكري، منها تفعيل قانون تنظيم البناء الصادر سنة 1992، والتوسع في إنشاء مدن جديدة في الظهير الصحراوي قابلة للمعيشة، والتوسع في المدن الجديدة، وكلّها بدائل قادرة على الحفاظ على الرقعة الزراعية، وهي من مهام السلطات في المقام الأول".

المساهمون