مصر: إعدام في الذكرى الثامنة لـ "رابعة"

مصر: إعدام في الذكرى الثامنة لـ "رابعة"

القاهرة

العربي الجديد

العربي الجديد
14 اغسطس 2021
+ الخط -

"خلال وجودي في جلسة محاكمة والدي الذي حكم عليه بالإعدام، لم تطاردني سوى فكرة واحدة، وهي أن هذه قد تكون المرة الأخيرة أو من المرات الأخيرة، وأن سلامي في ختام الجلسة لا بد أن يكون سلام مودع". هذا ما كتبته سارة، ابنة أسامة ياسين، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين ووزير الشباب الأسبق، المحكوم عليه بالإعدام في القضية رقم 2985 لسنة 2015 كلي شرق القاهرة، والمعروفة إعلامياً باسم "أحداث فض اعتصام رابعة العدوية"، عقب آخر جلسة رأت فيها والدها قبل حلول ذكرى رابعة العدوية بأيام، وتحديداً في التاسع من أغسطس/ آب الجاري.
وتزداد قسوة حلول الذكرى الثامنة لمذبحة رابعة العدوية التي وقعت في 14 أغسطس/ آب 2013، وراح ضحيتها نحو ألف قتيل، مع تأييد محكمة النقض المصرية حكم الإعدام بحق 12 مواطناً في قضية فض اعتصام رابعة، وبانتهاء المدة القانونية لإصدار عفو رئاسي عن المحكوم عليهم بالإعدام، ليصبح الحكم نافذاً.
كُتبَ على سارة ياسين وأسرتها، وهي ضمن 12 أسرة من معتصمي ميدان رابعة العدوية لهم أقارب محكوم عليهم بالإعدام في القضية، أن يعيشوا المذبحة مرتين؛ الأولى في الميدان عام 2013 والأخرى في ساحات القضاء عام 2021، وتوقع تنفيذ الحكم كل لحظة، والتعامل مع كل مرة باعتبارها آخرة مرة، وأن يتمنوا مصير ضحايا المذبحة قبل ثمانية أعوام، بدلاً من تجدد ذكراها كل يوم.
وبخلاف المحكوم عليهم بالإعدام في قضية فضّ اعتصام رابعة، والبالغ عددهم 12، هناك المئات ممن خضعوا لمحاكمة جماعية تفتقر إلى العدالة، منهم 32 مواطناً كانوا محكومين بالإعدام في القضية نفسها وتم تخفيف الحكم إلى المؤبّد، من بين 739 شخصاً (300 متهم محبوس و439 صدر ضدهم الحكم غيابياً)، جميعهم معارضون وسياسيون وقياديون بارزون في جماعة الإخوان المسلمين وصحافيون، وقد أدينوا جميعاً من دون استثناء، هم أيضاً يعيشون المذبحة كل يوم من جراء الغياب والظلم والقهر.

ولم يعبأ النظام المصري بقتل نحو ألف معتصم في ميدان رابعة العدوية عام 2013. كما لم يكترث هذا العام بكل النداءات الدولية والمناشدات الإنسانية لإسقاط أحكام الإعدام في "فض رابعة". وكان أمام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مهلة أسبوعين كاملين بعد تأييد الحكم، بإصدار عفو عن أحكام الإعدام في هذه القضية أو إبدال العقوبة وفق المادة 470 في الباب الثاني الخاص بتنفيذ عقوبة الإعدام من قانون الإجراءات الجنائية المصري، التي تتيح للرئيس حق إصدار عفو عن أحكام الإعدام. وتنص على أنه "متى صار الحكم بالإعدام نهائياً، وجب رفع أوراق الدعوى فوراً إلى رئيس الجمهورية بواسطة وزير العدل، وينفذ الحكم إذا لم يصدر الأمر بالعفو أو بإبدال العقوبة في ظرف أربعة عشر يوماً".
وبعد مضي ثمانية أعوام على الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/ حزيران 2013، ما زال الحصر الإجمالي لضحايا فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية بالقاهرة والنهضة بالجيزة، متفاوت بين التقديرات الرسمية وغير الرسمية والتقديرات المحلية والدولية.
لكن وإن اختلف عدد القتلى من 1150 قتيلاً بحسب منظمة "هيومان رايتس ووتش"، استناداً إلى تقريرها الصادر في أغسطس/ آب 2014، قبل أن ينخفض في العام التالي إلى 817 حالة أو 2200 قتيل حسب إحصاء مستشفى رابعة العدوية الميداني، أو 2600 قتيل بحسب ما أعلنته جماعة الإخوان المسلمين، أو حتى 333 قتيلاً حسب وزارة الصحة المصرية، فإن ما حدث يعد مذبحة لم يشهد مثلها تاريخ مصر الحديث.


ويصر النظام على مواصلة إصدار المزيد من أحكام الإعدام وتنفيذها، ليحافظ على بقاء مصر في المرتبة الثالثة عالمياً بين دول العالم لناحية معدل تنفيذ أحكام الإعدام خلال عام 2020، وفقاً لتقرير صدر عن منظمة العفو الدولية في 21 إبريل/نيسان 2021، أكدت فيه زيادة عدد عمليات الإعدام السنوية ثلاثة أضعاف. واستأثرت إيران ومصر والعراق والسعودية بنسبة 88 في المائة من عمليات الإعدام المعروف بتنفيذها عالمياً في 2020.
وكشف تقرير منظمة العفو الدولية أن أربع من أصل الدول الخمس الأوائل المنفذة للإعدام في العالم هي من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. واستأثرت إيران (246+)، ومصر (107+)، والعراق (45+)، والسعودية (27) بنسبة 88 في المائة من كافة عمليات الإعدام المسجلة عالمياً في عام 2020، من دون احتساب الصين التي يُعتقد بأنها تعدم آلاف الأشخاص سنوياً، ما يجعلها الدولة الأكثر تنفيذاً للإعدام في العالم.

وبحسب أحدث تقارير "هيومان رايتس ووتش" الصادر في الأول من يونيو/ حزيران 2021، فقد حُكم على المئات بالإعدام، كما أُعدم العشرات بعد محاكمات اعتمدت على اعترافات انتزعت تحت وطأة التعذيب منذ عام 2014. وبالتوازي مع عدّاد القتل المتسارع الوتيرة بتنفيذ أحكام الإعدام، هناك عداد آخر يزيد بالمئات سنوياً نتيجة الإهمال الطبي المتعمد في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة.
مع ذلك، وعلى الرغم من دوافع النظام المصري الحالي ونواياه لقتل والدها، تستقبل سارة ياسين الأمر برضا وكأنها تستعد للجزء الثاني من مذبحة النظام المصري. ففي كلمات وصفت بها نفسها بدقة قبل أشهر من تأييد حكم الإعدام على والدها، كتبت سارة: "نضجت حين علمت قدر مساهمتي في نضجي، حين علمت أن كل ما أُلهمت به كان من الله. كل ما بذلت كان من الله. نضجت تارة حين أيقنت بأنه لا حول ولا قوة لي إلا به وأن كل خير كان منه وكل شر كان مني، وتارة حين علمت الصبر، مرارته، قسوته وعسره. وحين رأيت جماله في ائتناسه التسليم... وفي قول إنا لله... وأنني في يوم قد أعطي من الحب ما قد لا يقبل، فيقبله الله... لم يكن الأمر يسيراً، ولا أظنه سيكون... فيك وحدك أستجير... وبك أستعين... وبك أستغيث... نعم المولى أنت ونعم النصير".

ذات صلة

الصورة
الدرس انتهى لموا الكراريس

منوعات

أحيا مصريون وعرب على مواقع التواصل الذكرى الـ54 لمذبحة مدرسة بحر البقر التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي يوم 8 إبريل/نيسان عام 1970 في مدينة الحسينية.
الصورة
المؤرخ أيمن فؤاد سيد (العربي الجديد)

منوعات

في حواره مع " العربي الجديد"، يقول المؤرخ أيمن فؤاد سيد إنه لا يستريح ولا يستكين أمام الآراء الشائعة، يبحث في ما قد قتل بحثاً لينتهي إلى خلاصات جديدة
الصورة
مئات يترقبون انتشال المساعدات على شاطئ بحر غزة (محمد الحجار)

مجتمع

يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة ملاحقة المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع، وبعد أن كانوا يلاحقون الشاحنات، أصبحوا أيضاً يترقبون ما يصل عبر الإنزال الجوي.
الصورة

سياسة

نقلت وكالة "رويترز"، اليوم الجمعة، عن أربعة مصادر أن مصر بدأت تمهيد منطقة على الحدود مع قطاع غزة يمكن استخدامها لإيواء لاجئين فلسطينيين.

المساهمون