مصريون في رمضان... زينة وتنظيم يخففان الأحزان والقلق

مصريون في رمضان... زينة وتنظيم يخففان الأحزان والقلق

14 ابريل 2021
إصرار على الاحتفال رغم كلّ المنغّصات (الأناضول)
+ الخط -

للعام الثاني على التوالي، يحرم تفشّي فيروس كورونا الجديد المصريين من طقوس خاصة كانوا يحرصون عليها في شهر رمضان، فتختفي عادات وتقاليد فيما تستمر أخرى على استحياء وبقدر محدود. ويحاول كثيرون ممّن يعانون ظروفاً اقتصادية تتضاعف تأثيراتها الصعبة مع أزمة كورونا، التمسّك بخصوصية رمضان.
وقبيل حلول هذا الشهر، استعدت أحياء القاهرة له، فارتدت الشوارع والمنازل والمساجد الزينة والأنوار. ويقول محمود السيد، من منطقة شبرا مصر، أحد أحياء شمالي القاهرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "للأحياء الشعبية طقوسها الخاصة بالشهر الفضيل، من بينها تزيين الشوارع والحارات والمساجد. فذلك يعبّر عن فرحة استقبال شهر الصوم". يضيف السيد أنّ "الأطفال أعدّوا الزينة منزلياً، ببقايا الورق والبلاستيك، خصوصاً مع ارتفاع أسعار الفوانيس، فأضفت كلّها مظهراً جمالياً على الشوارع" مؤكداً أنّ "الأوضاع الحالية التي تمرّ بها البلاد في ظل أزمة كورونا لم تمنع الاحتفال والشعور بالبهجة مع حلول الشهر".
وبينما كانت صفحات المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة تتضمّن أخبار وفاة، وكذلك رسائل مواساة لأهالي المتوفّين أو المرضى، فإنّ المصريين حاولوا أخيراً عدم التنازل عن مظاهر البهجة وقد رفعوا على تلك المواقع نفسها شعار "مهما كانت الأيام صعبة، دخلة رمضان ليها فرحة"، متحدّين حالة الاكتئاب التي أصابت عدداً لا يستهان به من البيوت المصرية التي تضرّرت من جرّاء أزمة كورونا. كذلك، تسابق مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في نشر أفكار جديدة لتزيين البيوت، وطرق إعداد زينة يدوية في المنزل. ونشر بعض آخر نصائح تهدف إلى اغتنام فرصة شهر رمضان، فخُصصت دورات تدريبية "أونلاين" لربات البيوت حول استقبال الشهر الكريم. فانهالت بالتالي إعلانات مجموعات التسويق على تلك المواقع الخاصة بالمنتجات الرمضانية. وقد تنوّعت ما بين فوانيس وزينة مختلفة وأدوات مطبخ.
في سياق متصل، يقول جمال عمر، من منطقة صفط اللبن في محافظة الجيزة، إنّ "شهر رمضان هذا العام أخفّ حدّة من العام السابق في ما يخصّ تطبيق الإجراءات الاحترازية المتعلقة بفيروس كورونا. ففي رمضان السابق، مُنعت صلاة التراويح والتجمعات وفُرض حظر تجوّل. وهذا العام، يحاول الجميع التعويض عن غياب الفرحة في العام الماضي. وثمّة استعداد في المساجد لإقامة صلاة التراويح، مع اتّباع الإجراءات الاحترازية، فيما الجميع يحرص على صلاة الفجر". يضيف عمر أنّه "قبل صلاة الفجر، نستعدّ للسحور بتناول وجبة الفول والزبادي. وهو أمر يلاحَظ فى كلّ بيت مصري". أمّا أحمد عبد الله، من منطقة الزاوية الحمراء في القاهرة، فيعبّر عن سعادته بحلول رمضان، موضحاً أنّه "في العادة، ألتقي في أوّل أيام الشهر بأبنائي وابنتي وأحفادي. ونتناول كلنا الإفطار معاً ونتبادل الأحاديث حتى وقت متأخر من الليل".

من جهته، يشير عمرو يوسف، وهو طالب جامعي من منطقة الشرابية، التي تعد أحد الأحياء الشعبية الكبيرة في القاهرة، إلى تجمّعات شبابية قامت في كلّ واحد من شوارع المنطقة لتحضير زينة رمضان، من خلال جمع ما بين خمسة جنيهات مصرية وعشرة (ما بين 0.30 و0.60 دولار أميركي)، من كلّ شقة سكنية، مؤكداً أنّ ثمّة "فرحة عبّر عنها المواطنون عند دفعهم المبلغ المتواضع". يضيف يوسف أنّ "المصريين يتميزون بعادات وتقاليد خاصة بشهر رمضان، منها ضرورة اجتماع كل أفراد العائلة للإفطار في أوّل أيام الشهر الكريم حتى لو تفرّقوا أيام الشهر الباقية".

زينة رمضان في شوارع مصر (الأناضول)
زينة رمضان في شوارع مصر (الأناضول)

وفي هذا الإطار، تخبر سامية عزت بأنّها تزوجت قبل خمس سنوات، وأنّه "مذ ذلك الحين اعتدنا إفطار اليوم الأول عند أهل زوجي، والثاني عند أهلي. ولا نفوّت أيّاً من الموعدين مهما حدث". بالنسبة إليها "تلك أيام جميلة تجتمع فيها الأسرة الكبيرة بأصولها وفروعها حول الإفطار". أمّا فاطمة دسوقي، المتزوجة منذ 20 عاماً ولها أولاد وأحفاد، فتحرص في شهر رمضان مع زوجها على "دعوة الأولاد في أول أيام الشهر. هذه عادات أتّبعها فقط لا غير، ويتّبعها أهلي وأقاربي". وتتفق نجاح الطاهر مع دسوقي، مؤكدة أنّ "أبرز ما يميّز شهر رمضان هو العزومات"، آملة أن "يرفع الله بلاء كورونا عن العالم". وتشدد على أنّ "لمائدة أول أيام رمضان طعماً خاصاً مع اجتماع شمل العائلة والحديث عن الذكريات حتى السحور".

تهيؤ ملائم
بالنسبة إلى كريمة عبد الرؤوف، فإنّ "المسؤولية والعبء الأكبرين في شهر رمضان يقعان على عاتق ربات البيوت، أي الزوجات والأمهات. هؤلاء يخططن لرمضان قبل حلوله ويسيّرنَ أعمال المنزل في خلاله، بما في ذلك ما يتعلق بالطعام والارتباطات الاجتماعية". وتشير إلى أنّ "تبادل الزيارات بين الأقارب ولو لمدّة قصيرة، يُعَدّ من العادات المهمة التي تحرص عليها الأسر في خلال هذا الشهر، خصوصاً في المناطق الشعبية، على الرغم من الظروف المرتبطة بأزمة كورونا". وتحكي عبد الرؤوف عن "الإفطارات الجماعية التي تُنظّم في بيوت المطرية بالقاهرة حيث أقيم، والتي ينظّمها الأهل والأصدقاء والمعارف. هكذا يكون إفطار اليوم في بيت فلان وغداً في بيت آخر. وهذه من العادات الجميلة التي يتميز بها هذا الشهر، لا سيّما أنّها مناسبة ليتجاذب الجميع أطراف الحديث بمختلف أشكاله، السياسي والاجتماعي والاقتصادي".

شوارع مصر وسط كورونا في رمضان (زياد أحمد/ Getty)
شوارع مصر وسط كورونا في رمضان (زياد أحمد/ Getty)

أمّا أميمة عبد الفتاح، من منطقة الخصوص في محافظة القليوبية، فتقول "اعتدت قبل دخول الشهر الكريم قلب الشقة رأساً على عقب، وتنظيفها وشراء أوانٍ جديدة للمطبخ وكذلك بعض المفروشات استعداداً للعيد. كذلك اعتدت شراء الزينة لوضعها على شرفة المنزل وفي الصالة، فيما أوزّع الزهور في كل أركان المنزل"، مضيفة أنّها تحرص مع زوجها على صلاة العشاء والتراويح والفجر.
وبينما تستعد ميهاد عمرو لشهر رمضان قبل نحو أسبوع من حلوله، موضحة أنّها تستعين بـ"قائمة على خدمات تنظيف المنازل لمساعدتي في إنهاء الاستعداد للشهر الكريم"، بدأت سماح سعيد الاستعدادات هذا العام قبل ثلاثة أشهر. وتخبر بأنّها قرّرت "إجراء تغييرات جذرية في المنزل، فبدأت بالتخلص من الكراكيب أولاً، ثمّ غسلت الستائر وقمت بكيّها ونظفت السجاجيد. وتركت التفاصيل الصغيرة في تنظيم المنزل إلى الشهر الأخير قبل رمضان. وعلى الرغم من كل ذلك، فإنّني لم أنتهِ إلا قبل يومَين فقط من بداية الشهر".
والاستعداد لرمضان يتطلّب نشاطاً خاصاً، وقد أنهك نورهان أحمد، المتزوجة حديثاً. تقول: "لم أكن أعلم أنّ ذلك مرهق إلى هذا الحدّ. تهيئة البيت للأجواء الرمضانية تحتاج إلى مجهود كبير". تضيف أنّ "هذا أوّل رمضان لي في بيت الزوجية، ولم أكن أشعر بذلك من قبل. فشراء المواد الغذائية وتخزينها وتحضير زينة الشهر وتنظيم المنزل كلها أمور جديدة عليّ". ولا تخفي أنّها تشعر بالقلق أكثر مما تشعر بالبهجة.

طريقة للتنفيس
تفيد الدكتورة دينا عبد السلام، استشارية الصحة النفسية، بأنّ "تعليق زينة رمضان في داخل البيوت هو أمر جديد وسط أزمة كورونا"، لافتة إلى أنّ "العقل الباطني هو الذي دفع المصريين بشكل لاإرادي إلى الإتيان بما يشعرهم بالبهجة بعدما فقدوا كثيراً من التفاصيل التي كانت تشعرهم بالشهر الكريم". تضيف عبد السلام أنّ "أزمة كورونا ربما تكون قد أفقدت المصريين كثيراً من الأجواء الرمضانية، لكنّها أظهرت الجانب الجمالي في نفوسهم. فاهتمامهم بشراء الزينة وتزيين المنازل أمر يحتاج إلى حسّ فنّي تبيّن أنّ الهموم كانت تخبئه". وتتابع عبد السلام أنّ "سعي ربات البيوت إلى تنظيف المنازل وتنظيمها قبل رمضان، هو عادة يجب تشجيعها بشكل كبير، غير أنّ التنظيم المبالغ فيه والذي يأتي قبل أشهر عدة يعبّر عن قلق واضطراب يسيطران على ربات بيوت مصريات، نتيجة أزمة كورونا وما خلفته من أضرار نفسية". وتوضح عبد السلام أنّ "الاهتمام بالبيت الذي عدّه كثيرون أمراً مبالغاً فيه، في الفترات الأخيرة، يشير إلى محاولة التخلص من القلق أو التفكير الزائد"، متابعة أنّ "البيئة الفوضوية تزيد من الشعور بالتعب والإرهاق، فيما يساعد تنظيم المنزل في تحرير الدماغ من مواصلة التفكير في الأمور المقلقة، ويضفي إحساساً بالاستقرار النفسي والسلام الداخلي".

المساهمون