مصابو الحروق... معاناة مضاعفة بسبب غياب العلاج في غزة

11 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 13:30 (توقيت القدس)
أصيب مدنيون بحروق بعد هجوم إسرائيلي على خيام بخانيونس، 17 مايو 2025 (محمود بسام/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني المصابون بالحروق في غزة من تفاقم آلامهم خلال الصيف بسبب ارتفاع الحرارة ونقص الأدوية نتيجة الحصار وإغلاق المعابر، مما يضاعف معاناتهم.
- تتفاقم معاناة المصابين مثل نبيلة وشقيقتها شهد بسبب القصف الإسرائيلي، حيث يعانون من حروق وتشوهات حادة دون علاج كافٍ بسبب الظروف الاقتصادية وغلاء الأدوية.
- يواجه القطاع الصحي في غزة تحديات كبيرة في علاج الحروق بسبب نقص الأدوية والإمكانات، مما يزيد من تعقيد الإصابات ويجعل الحاجة ملحة للسفر للعلاج بالخارج.

تزداد أوجاع المصابين بالحروق في قطاع غزة مع ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف، وسط عدم توفر الأدوية التي يحتاجونها أو غلائها، مع استمرار الحصار وإغلاق المعابر 

يعيش المصابون بالحروق في قطاع غزة واقعاً مأساوياً، وخصوصاً أن آلامهم تزداد خلال فصل الصيف، في ظل عدم توفر الأدوية وتدهور المنظومة الصحية. ومع استمرار الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ الثاني من مارس/ آذار الماضي، وبالتالي إغلاق المعابر، تحرم هذه الفئة من الأدوية والمستلزمات الطبية الخاصة بها، ما يضاعف معاناتها. 
ويفيد أطباء متخصصون بأن غالبية الإصابات الناجمة عن الاستهدافات المتكررة للمواطنين والمنازل عادة ما تكون مصحوبة بحروق بسبب قوّة الأسلحة والصواريخ التي يستخدمها الاحتلال، بالإضافة إلى استخدام مواطنين وسائل طهي غير آمنة مثل البلاستيك والنايلون والأخشاب وغيرها.
في الثامن والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2024، غيّر استهداف إسرائيلي عنيف حياة الفلسطينية نبيلة محمد الميناوي وشقيقتها شهد إلى الأبد. أصيبت نبيلة بشظايا صواريخ انهالت على المنزل الذي نزحت إليه برفقة عائلتها في منطقة الكتيبة جنوب غرب مدينة غزة، وظلّت ساعات عدة تحت الركام. أُصيبت بحروق من الدرجة الثالثة في أجزاء متفرقة من جسدها، من الرقبة إلى الظهر والبطن والكاحل، فيما أُصيب وجهها بحروق من الدرجة الأولى، كما تقول لـ "العربي الجديد". تضيف: "لم أحصل على علاجات مناسبة ولا أتابع حالتي لدى طبيب مختص في الوقت الراهن. ظهرت لديّ ندوب بارزة وتشوهات حادة نتيجة عدم التئام الحروق، عدا عن إصابتي بكسر في كاحل القدم، ورضوض في كل أنحاء الجسم، ويزداد الأمر سوءاً في ظل انعدام تام لأي مصدر دخل".
أما شهد، الأخت الأصغر لنبيلة، فقد أُصيبت في نفس الاستهداف بحروق من الدرجة الرابعة في الوجه والرقبة ويديها وقدميها. وتقول نبيلة عن شقيقتها: "لا تستطيع شهد إغلاق فمها بطريقة سليمة بسبب تلك التشوهات، وهي غير قادرة على تناول الطعام". تضيف: "نحتاج أنا وشهد إلى أدوية ومضادات حيوية ومراهم بقيمة 570 شيكلاً (الدولار يساوي 3.5 شيكلات) أسبوعياً، وليس لدينا القدرة على شرائها بسبب تردي الأوضاع المعيشية، في ظل الغلاء الفاحش واستمرار إغلاق المعابر. يومياً، تزداد أوضاعنا سوءاً. أدرجت منظمة الصحة العالمية اسمينا للسفر والعلاج في الخارج. ما زلنا ننتظر السفر". وتقول: "مع ارتفاع درجات الحرارة، نضع المياه المثلجة على أجسادنا. نشعر بالألم يتحول إلى وخز كالإبر، عدا عن الحكة المستمرة، في ظل عدم توفر أي مراهم أو مسكنات تخفف ذلك الوجع". 
من جهتها، تعاني الفلسطينية خولة حويلة، التي ترقد على سرير المرض في مستشفى الأهلي العربي (المعمداني)، حروقاً في الوجه واليدين من الدرجة الثانية، وكسر في الحوض، جراء استهداف مقر الجمعية الإسلامية في عيادة التوبة في مخيم جباليا شمالي القطاع. يقول زوجها يوسف حويلة، لـ "العربي الجديد": "الاحتلال قصف مقر الجمعية أثناء عمل زوجتي في توزيع المساعدات لذوي الأيتام من دون سابق إنذار، ما أدى إلى سقوطها من الطابق الثالث وارتطامها بالأرض، وإصابتها بحروق في الوجه واليدين وكسر في الحوض وجروح وثقب في الأذن".
يضيف أنها "تعيش على المسكنات في ظل عدم توفر الأدوية اللازمة لها، وباتت تعاني من ارتفاع شديد في الحرارة منذ أيام، فتضطر إلى وضع المياه المثلجة على جسدها طول اليوم، للتخفيف من حدة الوجع الذي تعاني منه". 
من جهته، يجلس عبد الله البسوس على كرسي الانتظار في منظمة "أطباء بلا حدود" في مدينة غزة، ينتظر دوره لمراجعة الطبيب المختص حول إصابته بحروق جراء تعرضه لاستهداف إسرائيلي. ويقول: "أعاني حروقاً في قدمي اليسرى أدت إلى وجود تقرحات في القدم". يضيف لـ "العربي الجديد": "أعاني حروقاً من الدرجة الثالثة ولا أستطيع الحركة إلا بواسطة العكاز. أقصد أطباء بلا حدود لتنظيف الجروح"، لافتاً إلى أن "الإصابة بالحروق صعبة وقاسية خصوصاً خلال الصيف".

أما أبو محمد جبر، فقد أصيب بحروق من الدرجة الثانية خلال إشعال قطع بلاستيكية لطهي الطعام، إذ تناثرت تلك القطع على يديه. ويقول: "وجع الحروق شديد وخصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة. أشعر بوخز كالإبر في أماكن الحروق. كما أن قلة الأدوية والمراهم تُضاعف الأوجاع".
إلى ذلك، يؤكد اختصاصي الجراحة العامة والمناظير وطبيب الطوارئ في وزارة الصحة، هلال الشيخ، أن طبيعة الإصابات التي شهدها القطاع "تفوق الوصف"، بسبب الأسلحة التي استخدمها الاحتلال ضد المدنيين خلال حرب الإبادة على قطاع غزة.
ويقول الشيخ الذي عمل خلال الحرب على علاج إصابات الحروق، لـ "العربي الجديد": "الحروق كانت تنتشر على أجزاء واسعة من الجسم، وقد تسببت بتسمم شديد والتهابات متعفنة (الالتهابات التي تتسبب فيها البكتيريا أو الفطريات أو الفيروسات، وتتطور مع الوقت لتسبب مشاكل صحية أكثر خطورة) ظهرت خلال ساعات"، واصفاً إياها "بالظواهر الطبية التي لم نعتد عليها حتى في أصعب الظروف".

غزة، 20 نوفمبر 2024 (معز صالحي/الأناضول)
طبيعة الإصابات التي شهدها القطاع تفوق الوصف، 20 نوفمبر 2024 (معز صالحي/الأناضول)

يضيف: "أبشع الإصابات كانت تلك الناتجة عن قصف طائرات الـ F-16. بعض الحالات كانت تحمل شظايا معدنية سميكة، ونسبة حروقها تفوق الـ 90%، غالبيتها من الدرجتين الثالثة والرابعة. في بعض الحالات، كانت الحروق ناتجة عن قذائف حارقة تُحدث انصهاراً في الجلد والأنسجة، وتؤدي إلى الوفاة الفوري".
وفي شرح لتأثير القصف، يوضح الشيخ أن الانفجارات تمرّ بثلاث مراحل مؤذية: موجة انفجارية شديدة تتسبب بامتصاص البارود عبر أنسجة الجسم، ثم إصابات نتيجة الشظايا والتمزق والنزيف، وأخيراً ارتطام الضحية بمحيطها أو تساقط الركام عليها. يتابع: "كنا نرى حروقاً في الأمعاء تظهر بعد أيام نتيجة تسريب داخلي من الخلايا المحترقة". كما يشير إلى أن نسبة الشفاء منخفضة جداً في ظل الإمكانيات الحالية. "ما كان يُعتبر حرقاً قابلاً للنجاة سابقاً أصبح قاتلاً اليوم. غياب أسرّة العناية المركزة، خصوصاً في شمال القطاع، زاد الوضع سوءاً. أحياناً، لا نجد مسكنات".
ويحذر من غياب الأدوية والمراهم والمضادات الحيوية بعد الخروج من المستشفيات، علماً أن الدعم الذي تقدمه المؤسسات الأهلية والدولية غير كافٍ لتغطية الأعداد الكبيرة من المصابين بالحروق، وخصوصاً مع استمرار إغلاق المعابر. ويوضح أن استمرار إغلاق المعابر أدى إلى منع دخول وفود طبية متخصصة في جراحة الحروق والتجميل، بالإضافة إلى غياب الإمكانات التقنية اللازمة لترميم الأنسجة.

من جهته، يوضح اختصاصي الجراحة في "أطباء بلا حدود - فرنسا" بمدينة غزة، خالد الشوا، أن واقع مصابي الحروق "يتجه من سيئ إلى أسوأ"، في ظل غياب وسائل الطهي الآمنة، وتردي النظافة، وسوء التغذية، لافتاً إلى أن كل هذه العوامل تؤدي إلى تفاقم الإصابات وتعقيدها. ويقول الشوا لـ "العربي الجديد": "معظم الحالات تعاني من التهابات ناتجة عن قلة النظافة والعيش في خيام إلى جوار مياه الصرف الصحي. وفي ظل سوء التغذية، فإن التئام الجروح بات أبطأ والأنسجة أضعف. والأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً". يضيف أن تفشي أمراض سوء التغذية بين المواطنين له انعكاسات سلبية خطيرة على المصابين بالحروق، ويحتاج المريض إلى البروتينات والفيتامينات الموجودة في الفاكهة والخضار واللحوم وغيرها. وكل مصادر الغذاء هذه غير متوفرة في الوقت الحالي، ما يؤثر على سرعة التئام الجروح".
ويذكر أن انتشار الحشرات ومياه الصرف الصحي والتلوث وقلّة النظافة في القطاع تزيد نسبة الالتهابات والأمراض الجلدية مع ارتفاع درجات الحرارة، وكذلك الأمر مع مصابي الحروق. ويبين أن أدوية الحروق والمسكنات والمضادات الحيوية أصبحت نادرة وتُستخدم وفق "نظام الأولويات" وبحرص شديد، محذراً من انهيار وشيك في المخزون الطبي المتبقي في صيدليات ومراكز القطاع. كما يؤكد أن بعض المرضى بحاجة ملحّة للسفر لتلقي العلاج، وخصوصاً المصابين بحروق من الدرجة الرابعة، التي تحتاج إلى تدخلات جراحية دقيقة وتقنيات غير متوفرة في غزة. إلا أن قوائم السفر مغلقة أو بطيئة، والفرص محدودة للغاية.

المساهمون