مستشفيات غزة... مشاريع لإعادة ترميم قطاع صحي أباده الاحتلال

06 فبراير 2025
الدمار الذي أحدثه الاحتلال في مستشفى كمال عدوان، 30 يناير 2025 (رمزي الكحلوت/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعرض القطاع الصحي في غزة لدمار كبير جراء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023، مما أدى إلى خروج 34 مستشفى و80 مركزاً صحياً عن الخدمة، ومقتل واعتقال العديد من الأطباء والممرضين، مع نقص حاد في الأدوية والعلاج.
- يبذل القائمون على القطاع الصحي جهوداً لإعادة ترميم المرافق بدعم من مؤسسات عربية وإسلامية، حيث تم إعادة تشغيل بعض الأقسام والمستشفيات، رغم الصعوبات في إدخال مواد البناء.
- يواجه القطاع تحديات مستمرة بسبب تدمير البنية التحتية ونقص الأدوية بنسبة عجز تصل إلى 85%، مع مطالبات دولية للسماح بإدخال المواد اللازمة لترميم المستشفيات.

كان القطاع الصحي هدفاً للاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه على قطاع غزة، حتى أخرجه عن الخدمة. في الوقت الحالي، يحاول القيمون إعادة القطاع إلى الحياة من خلال بعض المشاريع، لإنقاذ المرضى

يحاول القطاع الصحي في قطاع غزة النهوض مجدداً وترميم نفسه بعد عدوان إسرائيلي وإبادة جماعية لم تستثن هذا القطاع، وذلك من خلال إصلاح بعض الأقسام وترميمها في عدد من المرافق الصحية، في محاولة من القائمين لمساعدة المرضى والمصابين الذين يتوافدون على المستشفيات والعيادات الصحية.
ومنذ اندلاع العدوان في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، استهدف الاحتلال المنظومة الصحية، وعمد إلى تدمير وإحراق المستشفيات والمراكز الطبية وإخراجها عن الخدمة، بالإضافة إلى قتل أكثر من 1000 طبيب وممرض وكادر صحي، واعتقال العشرات منهم، وتعريضهم للتعذيب والقتل البطيء داخل سجونه، بالإضافة إلى منع إدخال المستلزمات الطبية والوفود الصحية ومئات الجراحين إلى قطاع غزة.
ولم يتوانَ الاحتلال عن محاولاته تدمير القطاع الصحي في قطاع غزة، خصوصاً في شمال القطاع، مستهدفاً مجمع الشفاء الطبي ومستشفيات كمال عدوان والإندونيسي والعودة وغيرها من المراكز الصحية ضمن سياسة ممنهجة. وبحسب إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي، فإن 34 مستشفى و80 مركزاً صحياً قد أخرجوا عن الخدمة، كما استهدف الاحتلال 162 مؤسسة صحية خلال أيام الحرب الـ 470.
تقول الفلسطينية جميلة داوود إنها تعاني التهابات شديدة في إحدى عينيها، وقد اشتد الألم عليها أكثر خلال العدوان الإسرائيلي، لكنها لم تجد الأدوية اللازمة لإنهاء تلك المعاناة الطويلة. تضيف داوود، التي عادت من مواصي خانيونس جنوبي القطاع إلى شماله قبل أيام، في حديثها لـ "العربي الجديد"، إنها توجهت إلى بعض المراكز الصحية خلال فترة نزوحها إلى الجنوب، ولم تجد ضالتها في العلاج المناسب حتى الآن. لذلك، تنوي التوجه إلى مستشفى العيون الذي افتتح مجدداً في مدينة غزة نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، معربة عن أملها في إيجاد العلاج المناسب لها.
أما الفلسطيني خليل أحمد، فقد تعرض في شهر سبتمبر الماضي لإصابة جراء قصف عمارة سكنية مجاورة لمنزله، أدت إلى كسور في فكيه، ويحتاج إلى إجراء عملية جراحية وأخرى تجميلية ليستعيد حياته الطبيعية. ويقول لـ "العربي الجديد"، إنه جرى تأجيل العمليات الجراحية اللازمة له إلى حين انتهاء العدوان، ولم يتمكن من إجرائها حتى الآن، ولا يزال يعاني جراء الإصابة، معرباً عن أمله في إجراء هذه العملية في القريب العاجل، في ظل الحديث عن عودة الكوادر الطبية المتخصصة من جنوب القطاع، ومحاولات ترميم القطاع الصحي من جديد. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ورغم كل ما أحدثته آلة الدمار الإسرائيلية، يحاول القطاع الصحي النهوض من خلال تنفيذ عدد من المشاريع الصغيرة بتمويل من مؤسسات وجمعيات عربية وإسلامية في الخارج، في محاولة لإعادة الحياة إلى القطاع الصحي المدمر. ويقول الوكيل المساعد في وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، الطبيب ماهر شامية، إن محاولات ترميم النظام الصحي في القطاع تجري على قدم وساق، ويَصل العاملون في المنظومة الصحية الليل بالنهار، من أجل تقديم الخدمات المناسبة والملائمة لكل مواطن فلسطيني. ويُعدد في حديثه لـ "العربي الجديد" بعض المشاريع التي جرى العمل عليها خلال الفترة الراهنة. وقد أُعيد تشغيل قسم الطوارئ في مجمع الشفاء الطبي في شهر سبتمبر الماضي، بعدما دمّره الاحتلال وأحرقه خلال العملية العسكرية التي شنها ضد المجمع في الثامن عشر من مارس/ آذار 2024، واستمرت أسبوعين وأخرجته عن الخدمة بالكامل. ويشير إلى إنشاء غرفتين لإجراء العمليات الجراحية، وصالة ضخمة تتسع لـ 40 سريراً. كما تم تشغيل قسم غسيل الكلى بقدرة 30 جهازاً، مشيراً إلى إمكانية استضافة مستشفى ميداني كبير في المنطقة الغربية لمجمع الشفاء الطبي في حال استمرت حالة الهدوء عقب دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
ويبين أن مجمع الشفاء الطبي لا يزال يحتاج إلى مواد خاصة وضخمة لإعادة تأهيل الأقسام الأخرى، مثل مبنى التخصصات والجراحات، فضلاً عن الحاجة إلى إدخال أجهزة ومعدات طبية. ويلفت إلى أنّ الوزارة نجحت في تشغيل مستشفى الرنتيسي للأطفال في مدينة غزة شمالي القطاع في مرحلته الأولى، وهناك مشروع آخر لاستكمال التأهيل لكامل مبنى المستشفى. كما جرى تشغيل مستشفى العيون التخصصي الوحيد بقدرة تصل إلى 90%.

ما بقي من مستشفى بيت حانون، شمال قطاع غزة، 29 يناير 2025 (خليل رمزي الكحلوت/فرانس برس)
ما بقي من مستشفى بيت حانون، شمال قطاع غزة، 29 يناير 2025 (خليل رمزي الكحلوت/فرانس برس)

وفي 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، افتتحت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، بالتعاون مع جمعية البركة الجزائرية، مستشفى العيون التخصصي الوحيد في مدينة غزة، الذي جرى إعادة ترميمه بعد تدمير الاحتلال الإسرائيلي أجزاءً كبيرة منه خلال العدوان على القطاع. ويؤكد أن هناك مشروعاً لإعادة تشغيل مستشفى الشهيد محمد الدرة للأطفال، شرقي مدينة غزة، وقد أصبح جاهزاً بانتظار عودة الكوادر الطبية المتخصصة من الجنوب إلى شمال القطاع. واتخذت الوزارة قراراً بتشغيل مستشفى الإندونيسي شمالاً خلال الأيام المقبلة.
وفي ما يتعلق بمستشفى كمال عدوان في مشروع بيت لاهيا شمالي القطاع، يقول شامية: "هناك مشاريع لإعادة بناء مجمع كمال عدوان الطبي"، لكن هذا الأمر مرتبط بسماح الاحتلال الإسرائيلي إدخال مواد البناء ومستلزماته.
وأقدم جيش الاحتلال خلال عمليته العسكرية شمالي القطاع، التي بدأت في الخامس من أكتوبر 2024، وانتهت مع اتفاق وقف إطلاق النار، على حرق وتدمير مستشفى كمال عدوان وإخراجه عن الخدمة، كما اقتاد الطواقم الطبية والجرحى ومرافقيهم إلى جهة مجهولة ما يهدد حياتهم، ولا يزال مديرا المستشفى الطبيبان أحمد الكحلوت وحسام أبو صفية معتقلَين في سجون الاحتلال ولا يعلم عنهما أي شيء.
يشار إلى أن هناك وتيرة متسارعة للعمل على إصلاح بعض ما دمّره الاحتلال، وتمكنت وزارة الصحة من تشغيل مستشفى أصدقاء المريض بمدينة غزة، إضافة إلى وجود وعود من جهات مختلفة بتنفيذ مشاريع كبيرة في المنظومة الصحية. ويفيد شامية بأن الاحتلال دمّر كل منظومة الرعاية الأولية بالكامل في محافظة شمال القطاع. لذلك، تلجأ الوزارة إلى المراكز الميدانية التي تموّلها مؤسسات دولية بدلاً منها. 

تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من المراكز الصحية والعيادات الخاصة التي فتحت أبوابها من جديد، واستقبلت المرضى وفق الإمكانيات المتاحة لها، في محاولة للنهوض من جديد وعدم الاستسلام للواقع الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي.
في هذا السياق، يقول مدير عام مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، إن الاحتلال لا يزال يتلكأ في تنفيذ التزاماته التي وقع عليها في اتفاق وقف إطلاق النار، من خلال منع إدخال المواد اللازمة لترميم المستشفيات والمراكز الطبية. ويؤكد في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن المنظومة الصحية في قطاع غزة متهالكة عقب تدميرها بشكل ممنهج من الاحتلال خلال حربه المسعورة على القطاع، التي لم يفرق فيها بين البشر والحجر والشجر. يضيف أن هناك عمليات جارية لتهيئة المستشفيات والمراكز الصحية، استعداداً لوصول الدعم المالي وتنفيذ المشاريع اللازمة، لافتاً إلى أن الأولوية الكبرى هي لإعادة إنعاش الواقع الصحي وترميم المستشفيات وإعادتها للخدمة.
ويطالب المجتمع الدولي بالتدخل والضغط على الاحتلال لتنفيذ البروتوكول الإنساني الذي ينص على فتح المعابر وإدخال المعدات الطبية والمواد المساعدة في استنهاض الواقع الإنساني في قطاع غزة، ولا سيّما المنظومة الصحية. ووفق تصريحات سابقة لمسؤولين في القطاع الصحي، فإن جميع مستشفيات القطاع تعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والمستلزمات الطبية، ووصلت نسبة العجز في الأدوية إلى 85%، خصوصاً تلك اللازمة لمرضى الأمراض المزمنة، فيما بلغ العجز في المستلزمات الطبية 75%.
وأسفرت الحرب الإسرائيلية عن استشهاد أكثر من 46 ألفاً، أكثرهم من النساء والأطفال، وتدمير مئات آلاف المنازل، وحرق وتدمير عشرات المستشفيات والعيادات الطبية والمستوصفات.