مستشفيات غزة الميدانية... خط الدفاع الأخير عن الحياة

18 ابريل 2025
في المستشفى الميداني الكويتي، 3 إبريل 2025 (محمود بسام/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- المستشفيات الميدانية في غزة تعمل كخط دفاع أخير لإنقاذ المصابين، حيث أنشأتها جهات دولية وعربية ومحلية بسبب تدمير 80% من مستشفيات القطاع وانهيار المنظومة الصحية.

- تقدم هذه المستشفيات خدمات طبية حيوية في ظل نقص الأدوية والمستلزمات، وتستقبل مئات الحالات الطارئة يومياً، مع خطط لإنشاء مستشفيات إضافية لتلبية الطلب المتزايد.

- تنقسم المستشفيات الميدانية إلى دولية، عربية، ومحلية، وتواجه تحديات كبيرة بسبب إغلاق المعابر ومنع إدخال المستلزمات الطبية، مما يهدد بتوقف خدماتها.

في ظل استهداف الاحتلال الإسرائيلي المستشفيات في قطاع غزة خلال عدوانه المستمر، ساهمت المستشفيات الميدانية في سد بعض من الفراغ والنقص وإنقاذ حياة المصابين والمرضى 

تعدّ المستشفيات الميدانية في قطاع غزة خط الدفاع الأخير لإنقاذ حياة آلاف المرضى والمصابين في ظل انهيار المنظومة الصحية بشكل شبه كامل، وغياب الدعم المتواصل بفعل استمرار الاحتلال الإسرائيلي إغلاق المعابر، ومنع ادخال الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية.
وشكّلت المستشفيات الميدانية، التي أنشأتها جهات دولية وعربية ومحلية في أماكن مختلفة عدة في قطاع غزة، ملاذاً آمناً للمرضى والجرحى، خصوصاً في أوقات اشتداد التصعيد والقصف الإسرائيلي، في ظل خروج العديد من المستشفيات الحكومية عن الخدمة بفعل القصف والدمار اللذين تعرضت لهما طيلة فترة الحرب. ومنذ اندلاع حرب الإبادة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كانت مستشفيات قطاع غزة هدفاً مباشراً للاحتلال، إذ تفيد وزارة الصحة الفلسطينية بأن 80% من مستشفيات القطاع أصبحت خارج الخدمة، في خرق واضح لكل القوانين والمواثيق الدولية التي تحظر استهداف المنشآت الطبية في أوقات النزاع.
وبحسب إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي، فإن الاحتلال استهدف 37 مستشفى و80 مركزاً صحياً أخرجهم الاحتلال عن الخدمة، كما استهدف 162 مؤسسة صحية، وكان آخر المستشفيات هو الأهلي العربي (المعمداني) الذي توقفت فيه الخدمة بشكل جزئي في أعقاب القصف الإسرائيلي الذي طاول أحد مبانيه قبل أيام.
ومن أبرز المستشفيات التي طاولها الدمار والخراب في شمال قطاع غزة، مجمع الشفاء الطبي ومستشفيات كمال عدوان والإندونيسي والعودة، ومجمع ناصر الطبي في محافظة خانيونس جنوبي القطاع، وغيرها من المراكز الصحية.
كانت الفلسطينية نهال أبو العون تنام على أحد أسرّة قسم المبيت في مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني الميداني في منطقة السرايا وسط مدينة غزة، تتلقى العلاج جراء إصابة تعرضت لها نتيجة قصف منزلها في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة قبل أيام. تقول لـ"العربي الجديد" إن قوات الاحتلال قصفت منزل عائلتها قبل حوالي أسبوع من دون سابق إنذار، ما أدى إلى تدميره بالكامل، وظل أحد أسقف المنزل فوق جسدها مدة تزيد عن الساعة ما أدى إلى إصابتها بكسر في اليد اليمنى وكسر آخر في الحوض وفي الظهر وجروح في الرأس. وعندما انتشلت من تحت الأنقاض، نقلت إلى المستشفى المعمداني شرقي مدينة غزة.
لم يمض سوى يومين على الحادثة ومكوثها على أحد أسرّة المعمداني بعدما أجرت عملية جراحية، ليطلب جيش الاحتلال إخلاء المستشفى تمهيداً لقصفه، وقد أمهل المرضى والجرحى عشر دقائق فقط، كما تروي أبو العون. تضيف: "توجهت إلى مستشفى الهلال الأحمر الميداني وأنا على سرير المرض من أجل استكمال العلاج، وجرى استقبالي ووضعي في قسم المبيت الخاص بالنساء، وما زلت أتلقى العلاج اللازم ويتابع حالتي الصحية أطباء متخصصون".

الحال نفسها واجهها الجريح محمد شمالي، الذي يتلقى العلاج في مستشفى الهلال الأحمر الميداني عقب إصابته جراء قصف إسرائيلي لمجموعة من المواطنين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة قبل أيام. يقول لـ"العربي الجديد" إن شظايا تناثرت في أنحاء جسده أدت إلى كسر في يده اليمنى وتمزق في الأمعاء، ووصلت تلك الشظايا إلى القولون ومنطقة الظهر، فجرى تحويله إلى المستشفى المعمداني. ومؤخراً، جرى تحويله إلى مستشفى الهلال الميداني لاستكمال العلاج.
من جهته، وجد المواطن محمد نصار ضالته بالتوجه إلى مستشفى ميداني تابع لمنظمة أطباء بلا حدود ـ بلجيكا في المحافظة الوسطى، لعلاج نجله الذي كان يعاني من آلام شديدة في البطن، وتردت حالته الصحية بشكل مفاجئ. يقول نصار لـ"العربي الجديد" إن "المستشفى تعامل مع حالة نجله وقدّم له الخدمة الطبية المناسبة والعلاج، حيث تتوفر في المستشفى الخدمات والرعاية الصحية المناسبة لجميع الحالات، سواء للمرضى أو للمصابين بفعل تعرضهم لاستهداف إسرائيلي".

حاجة ملحة

يقول المدير الطبي في مستشفى الهلال الأحمر الميداني في غزة نافذ القرم إن المستشفى أُنشئ في يونيو/ حزيران 2024 في خانيونس، لكن جرى نقل معداته وتجهيزاته إلى مدينة غزة، عقب توقيع اتفاق التهدئة وإزالة الحاجز الإسرائيلي الذي نصبه الاحتلال وفصل شمال غزة عن جنوبها. وبدأ العمل فيه فعلياً في 20 فبراير/ شباط الماضي بمدينة غزة. ويوضح القرم لـ"العربي الجديد" أن المستشفى جاء تلبية لحاجة ملحّة بسبب توقف عدد كبير من المستشفيات شمالي قطاع غزة عن العمل، ولتوفير خدمات طبية حيوية كانت شبه معدومة في مختلف التخصصات الطبية.
ويُشير إلى أن المستشفى يضم أقساماً عدة، منها قسم العناية المركزة المجهز بالكامل ويحتوي على ثمانية أسرّة، وقسم المبيت بقدرة سريرية تصل إلى 40 سريراً، والطوارئ بسعة تسعة أسرّة، وحضانة الأطفال بسعة ستة أسرّة، إضافة إلى غرفتي عمليات ومختبر شامل وخدمات الأشعة والصيدلية والعيادات الخارجية التخصصية التي تخدم شريحة واسعة من المرضى يومياً.

داخل مجمع ناصر الطبي الذي استهدف خلال العدوان، 6 إبريل 2025 (هاني الشاعر/الأناضول)
داخل مجمع ناصر الطبي الذي استهدف خلال العدوان، 6 إبريل 2025 (هاني الشاعر/الأناضول)

ويذكر أن المستشفى يستقبل يومياً ما بين 250 و300 حالة طوارئ، وأكثر من 150 مراجعاً في العيادات الخارجية، إذ إن نسبة إشغال الأسرّة تفوق 120%. وأجري ما يزيد عن 350 عملية جراحية خلال 40 يوماً من مختلف التخصصات، في مقدمتها الجراحات المتعلقة بالإصابات.
ويؤكّد القرم أن هناك نقصاً حاداً في الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب الأوضاع الراهنة، ما يصعّب أداء الطواقم الطبية، التي تعمل جاهدة لتوفير الرعاية اللازمة ضمن الإمكانات المتوفرة، علماً أنه المستشفى الميداني الأول في محافظة غزة. ويكشف عن مخطط جديد لإنشاء مستشفى ميداني إضافي في شمال القطاع لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات الطبية.
إلى ذلك، يؤكد مدير المستشفيات الميدانية في وزارة الصحة في قطاع غزة مروان الهمص أن المستشفيات الميدانية تلعب دوراً مهماً في تقديم الخدمات الصحية، وتعويض أدوار المستشفيات في ظل الانهيار الكبير للمنظومة الصحية بفعل الحصار والعدوان، رغم محدودية إمكاناتها وعدم كفايتها لتغطية احتياجات السكان.
ويوضح الهمص لـ"العربي الجديد" أن المستشفيات الميدانية في القطاع تنقسم إلى ثلاث فئات رئيسية، وهي المستشفيات الدولية والعربية والمحلية (الأهلية أو توسعات حكومية)، علماً أن غالبيتها تركزت في المناطق الجنوبية لقطاع غزة، في حين أن مدينة غزة لا تضم حالياً سوى مستشفى ميداني واحد.

دمار مجمع الشفاء الطبي، 16 إبريل 2025 (داود أبو الكاس/الأناضول)
دمار مجمع الشفاء الطبي، 16 إبريل 2025 (داود أبو الكاس/الأناضول)

ويذكر أن المستشفيات الدولية هي المستشفى الميداني التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر في مواصي رفح جنوبي القطاع وسعته 50 سريراً، والمستشفى البريطاني، ويقدمان خدمات صحية متعددة تشمل الأطفال والجراحة العامة وجراحة العظام، بالإضافة إلى مستشفى الهيئة الطبية الدولية في المحافظة الوسطى، ويتسع لـ70 سريراً، ويُمكن أن يتسع لـ120 سريراً. وجميع هذه المستشفيات تعتمد على الطواقم الطبية التابعة لوزارة الصحة في غزة، إضافة إلى بعض المتخصصين من خارج القطاع.
ويشير إلى أن هناك مستشفيات تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود ـ بلجيكا وأخرى تابعة لفرنسا في المحافظة الوسطى. أما المستشفيات العربية، فهي الميداني الأردني في خانيونس بسعة 27 سريراً، ويعتمد على طواقمه الخاصة من الأردن، وهناك المستشفى الإماراتي الميداني في رفح لكنه خرج عن الخدمة حالياً بسبب العملية العسكرية هناك. ويبين أن أبرز المستشفيات الميدانية المحلية هو التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وجرى نقله من خانيونس إلى غزة خلال فترة التهدئة.

يضيف الهمص أن حال المستشفيات الميدانية كما المستشفيات الحكومية، إذ تعاني من قلة الأدوية والمستلزمات الطبية بفعل استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخالها منذ أكثر من 45 يوماً، وحتى السولار المتوفر لديها لا يكفي سوى لـ15 يوماً فقط، وهو ما ينذر بتوقف خدماتها في الأيام القليلة المقبلة.
يتابع أن تلك المستشفيات كانت فاعلة بشكل كبير خلال فترات النزوح. لكن قل الإقبال عليها بعد الهدنة، إلا أن الحاجة إليها لا تزال كبيرة مع عودة الأهالي إلى مناطقهم، خصوصاً في محافظتي غزة والشمال. ويؤكد أنه حتى اللحظة، لم يسمح الاحتلال بإدخال أي مستشفى ميداني جديد أو شحنات طبية بحجج أمنية واهية، ما يُفاقم الوضع الكارثي. ويجدد الهمص الدعوة للضغط الدولي من أجل السماح الفوري بإدخال المستشفيات والمساعدات الطبية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام الصحي في قطاع غزة.
ومنذ اندلاع الحرب، قتل الاحتلال أكثر من 1000 طبيب وممرض وكادر صحي، واعتقل العشرات منهم وعرضهم للتعذيب والإعدام. كما منع إدخال المستلزمات الطبية والوفود الصحية ومئات الجراحين إلى قطاع غزة.

المساهمون