مستشفيات عامة في تونس تواجه الإفلاس

مستشفيات عامة في تونس تواجه الإفلاس

22 يناير 2021
التهديد يطاول المنظومة الصحية ككلّ (العربي الجديد)
+ الخط -

تواجه المستشفيات العامة في تونس منذ أعوام، صعوبات مالية بسبب ارتفاع حجم مستحقاتها لدى الصندوق الوطني للتأمين على المرض، بالإضافة إلى ارتفاع قيمة ديونها لدى المزوّدين في القطاعَين العام والخاص، كما ساهمت جائحة كورونا في مفاقمة أزمات هذه المستشفيات. وفي الفترة الأخيرة، تداولت أكثر من جهة أخباراً حول إمكانية توقّف عمل مستشفى "الرابطة" في العاصمة تونس على خلفية عجزه المالي وافتقاره إلى أنواع من الأدوية، إلا أن وزارة الصحة نفت تعليق نشاط المستشفى لكنّها لم تنفِ في المقابل الصعوبات المادية التي يواجهها نتيجة تراكم ديونه لدى الصندوق.

وأفاد مسؤولون في مستشفى "الرابطة" بأنّ ميزانيته كانت في عام 2019 نحو 12 مليون دولار أميركي، إلا أنّ موازنات المستشفى تشهد اضطرابات بسبب عجز الصندوق الوطني للتأمين على المرض عن تسديد ديونه لمصلحة المستشفى، والبالغة نحو 11 مليون دولار، لا سيّما أنّ الصندوق يؤمّن 90 في المائة من ميزانية المستشفى. كذلك تكبّد المستشفى أعباءً مالية إضافية، تتعلّق بإجراء عمليات زرع قلب ناجحة لم تكن مبرمجة سابقاً. وديون هذا المستشفى لدى الصندوق واختلال توازناته المالية جعلت إدارة المستشفى عاجزة عن سداد ديون المزوّدين في القطاع العام، على غرار الصيدلية المركزية وبنك الدم ومعهد باستور والشركة التونسية للكهرباء والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وغيرها من الشركات العمومية الأخرى التي تقدّم خدمات للمستشفى، تُضاف إلى ذلك ديون أخرى للقطاع الخاص.

وكان قد عُقد اجتماع جمع وزيرة الصحة السابقة سنية بن الشيخ وإدارة المستشفى وكوادر طبيّة لمتابعة الوضع المالي لهذه المؤسسة الاستشفائية الجامعية، فيما أشارت وزارة الصحة إلى أنّ المستشفى يعيش على غرار بعض المستشفيات العامة الأخرى وضعاً مالياً صعباً بسبب الديون لدى صندوق التأمين على المرض. يُذكر أنّ الشارع التونسي لم يتوقّع أن يكون العجز المالي للمستشفى بهذا الحجم أو أن يكون الوضع المالي للمستشفيات العامة كارثياً بالشكل الذي يهدّد بعضها بالغلق، لا سيّما أنّها تؤمّن العيادات والعلاج لمعظم المرضى من كلّ الجهات والمحافظات التونسية، لذا أثار خبر غلقه جدالاً لدى الرأي العام.

 



يقول مدير مستشفى "الرابطة" منجي الخميري لـ"العربي الجديد"، إنّه "من المستحيل غلق مستشفى يُعَدّ من بين أبرز المستشفيات في العاصمة وفي تونس ككلّ. لكنّنا لا ننكر أنّه يعاني منذ سنوات صعوبات مادية بسبب ديونه لدى الصندوق الوطني للتأمين على المرض لدى جهات أخرى. كذلك، فإنّ تعطّل سداد مستحقات المستشفى تسبّب في اختلال توازنه المالي وإضعاف إمكانياته في ما يخصّ توفير بعض الأدوية". يضيف الخميري أنّ "جملة من اللقاءات عُقدت مع وزارة الصحة وبعض الكوادر الطبية لبحث كيفية تجاوز الأزمة المالية وتوفير بعض الأدوية الضرورية. كذلك تمّ التباحث مع المشرفين على الصندوق حول كيفية سداد الديون على أقساط والمدّة الزمنية الممكنة لتوفير تلك الأقساط".

والصعوبات المالية ليست محصورة بمستشفى "الرابطة" في تونس، فتشير طبيبة في مستشفى شارل نيكول بالعاصمة تونس، فضّلت عدم الكشف عن هويتها، لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "المستشفى يواجه صعوبات مالية كبيرة جعلته عاجزاً عن توفير أدوية عدّة، فصار يُطلب من المرضى توفيرها بأنفسهم. كذلك ارتفعت ديون المستشفى لدى الصندوق الوطني للتأمين على المرض". تضيف أنّ "الوزارة اليوم ليست مطالبة بالنظر في الصعوبات المالية التي يواجهها مستشفى الرابطة فحسب، بل في كلّ الصعوبات المالية التي تعانيها المستشفيات بسبب ديونها لدى الصندوق".

ولا تتعلّق أزمة المستشفيات بارتفاع قيمة ديونها لدى الصندوق فقط، فسوء التصرّف في الأدوية يُعَدّ من بين أبرز المشكلات التي زادت مصاريف المستشفيات. وقد أثبتت تقارير رقابية عدّة ارتفاع معدّل سرقة الأدوية من المستشفيات التي تورّط فيها موظفون ومسؤولون في المنشآت الاستشفائية. وقد تكرّر توقيف كوادر طبية وأخرى عاملة في مجال الخدمات الطبية المختلفة، بتهمة سرقة كميّات من الأدوية من صيدليات المستشفيات العامة. كذلك أشار تقرير دائرة المحاسبات في الجمهورية التونسية الصادر في العام الماضي، إلى أنّ التصرّف في الأدوية والمستلزمات الطبية والفحوصات التكميلية تشوبه أشكال عدّة من الخلل. وأكّدت التقارير الرقابية التي أثبتت تكرار عمليات سرقة الأدوية بكميات كبيرة وبتكاليف مرتفعة، أنّ تلك السرقات تسبّبت كذلك في مشكلات مادية كبيرة لمعظم المستشفيات حيث سُجّلت تلك العمليات، وطالبت بإنشاء منظومة إلكترونية لمراقبة عمليّة التصرف بالأدوية في تلك المنشآت.