استمع إلى الملخص
- تفاقمت الأزمة بسبب غياب العاملين ونقص الوقود، مما أدى إلى خروج بعض المستشفيات عن الخدمة واعتمادها على الصليب الأحمر، بينما واجهت الصيدليات إغلاقاً شبه تام.
- مع تحسن الأوضاع الأمنية، بدأت المستشفيات في تنظيم عملها وظهرت مبادرات مجتمعية لدعم القطاع الصحي، مع دعوات للدول والمنظمات لتقديم المساعدات الطبية.
أثرت حالة الانفلات الأمني التي خلفها سقوط نظام بشار الأسد على القطاع الصحي السوري، خصوصاً في العاصمة دمشق، وتزامن ذلك مع وصول عشرات الإصابات بالرصاص الطائش خلال الاحتفالات
ضربت حالة من الفوضى كل مفاصل القطاع الصحي السوري خلال الأيام الأولى بعد سقوط النظام، ومع تزايد أعداد المراجعين، وجد أفراد الكادر الطبي في عدد من المشافي أنفسهم مجبرين على المفاضلة بين الحالات، ليقرروا استقبال الحالات الأكثر خطورة فقط.
على عجل، حمل السوري مصطفى محمد طفله وسام الذي يعاني ربواً مزمناً، بعد أن هاجمته نوبة الربو، متجولاً به بين عدة مستشفيات للحصول على جلسة علاجية، لكنّ أياً من المستشفيات الحكومية لم تستقبله، ما اضطره إلى الذهاب إلى مستشفى خاص، حيث دفع مبلغاً كبيراً لقاء جلسة "إرذاذ" قصيرة.
بدوره، يؤكد رئيس الأطباء المقيمين في مشفى دمشق "المجتهد"، الطبيب سعد الحمود، أنّ "الفوضى التي حصلت نتجت عن توافد العديد من المصابين بالرصاص العشوائي، والذين كانت إصاباتهم تتباين بين الخفيفة والمتوسطة، مع قلة من الإصابات المهددة للحياة. تعرضنا لضغط رهيب مع وصول المئات من الإصابات إلى المستشفى، كونه المستشفى المركزي في دمشق، وحاولنا تقديم الخدمات قدر المستطاع رغم ما نُعانيه من نقص في المستلزمات، ونقص في الأدوية. المهم أننا استطعنا تدارك الوضع، وتقديم الخدمة لغالبية الإصابات، وتمكنا بحمد الله من تجاوز يومين غاية في الصعوبة".
وفاقم الأزمة عدم تمكن عدد كبير من العاملين في القطاع الصحي من الوصول إلى المستشفيات والمراكز الطبيّة. يقول مدير مشفى ابن النفيس الحكومي، الطبيب نزار إبراهيم، لـ"العربي الجديد": "عانت جميع المشافي بشكل عام تغيبَ أعداد كبيرة من أفراد الكادر الطبي نتيجة حالة الانفلات الأمني التي حصلت، فضلاً عن غياب وسائل النقل. بات الوضع أفضل بعد عودة القسم الأكبر من العاملين إلى عملهم، سواء الأطباء أو الممرضين أو الإداريين".
وبالتوازي مع حالة الفوضى، أكد وزير الصحة السوري السابق، أحمد ضميرية، في تصريحات صحافية، أن بعض المستشفيات خرجت عن الخدمة بسبب الضغط الكثيف الناتج عن أعداد الإصابات التي توافدت على المستشفيات.
وتقول السورية هيام منوّر: "أصيب طفلي البالغ سبع سنوات بعدّة شظايا في أنحاء جسده نتيجة تهشم زجاج المنزل، وبعد إسعافه إلى مستشفى المواساة في دمشق، لم يتم استقباله. لم تكن إصابة طفلي كبيرة، لكنه أصيب بأكثر من جرح، وطلبوا منّا التوجه إلى مستوصف محلي، كون المستشفيات باتت تقتصر على استقبال الحالات الطارئة".
بدوره، أصيب سميح الموسى بالرصاص العشوائي، وبعد وصوله إلى مستشفى المواساة، فوجئ بغياب غالبية الكوادر الطبيّة، ولم يكن في المشفى سوى أعداد قليلة، رغم امتلاء ممراتها بأعداد كبيرة من المصابين، ما خلف فوضى عارمة في المكان. ويقول: "بعد تقديم الإسعافات الأولية، تمّ تحويلي إلى قسم الأشعة، وهناك فوجئت بعدم وجود أي من فنيي الأشعة، ليقوم عدد من العاملين في الأقسام الأخرى بإجراء عمليّة التصوير اللازمة، وبعد خروجي من المستشفى فوجئت بعدم وجود صيدلية تفتح أبوابها كي أتمكن من شراء الدواء الذي وصفه لي الطبيب".
لكن أسباب وضع المشافي السيئ في دمشق لم تقتصر على كثرة الإصابات وغياب الكادر الطبي، بل تعدته إلى النقص الكبير في المعدّات والمستلزمات، وأيضاً نقص الوقود. وأكدت حكومة محمد الجلالي (السابقة)، في تصريحات صحافية، أن القطاع الصحي يواصل تقديم خدماته للسوريين في كل أنحاء البلاد، لكنه يعاني نقصاً في الوقود الذي يغذي المستشفيات العامة والخاصة.
وصدم عدد كبير ممن راجعوا المستشفيات العامة في العاصمة بعدم وجود أنواع من المستلزمات الطبيّة، ليضطروا إلى البحث عنها في الصيدليات، لكن غالبية الصيدليات لم تفتح أبوابها نتيجة الانفلات الأمني، ما حرمهم من شراء تلك المستلزمات والعودة بها إلى المستشفى.
يقول أحمد العقلة: "المستلزمات الخاصة بالمستشفيات لا تُباع عادةً في الصيدليات، مثل أدوية التخدير أو المحاليل الطبية. أصيب ابني بشظايا زجاجية، وبعد مراجعة مستشفى المجتهد، أكّد لنا أحد العاملين في الإسعاف أنّ أدوية التخدير قاربت على النفاد، وأنهم لا يُقدمونه سوى للحالات الحرجة، طالباً مني البحث في الصيدليات عنه، وأنه في حال وجدته سيقوم بإجراء الإسعافات اللازمة".
ويقر مدير مشفى ابن النفيس الحكومي، نزار إبراهيم، بوجود نقص في مختلف المستلزمات الطبية، من الأمصال إلى المحاليل، وحتى الأدوية. ويقول: "وضع المستشفيات كان بائساً جداً، وكانت تعاني من نقص شديد في جميع الأدوية والمستهلكات الطبية، وكان اعتمادنا بشكل كامل على الصليب الأحمر في تأمين السيرومات والخيوط الجراحية إضافة إلى الأدوية النوعية مثل مضادات الالتهاب والمضادات الحيوية والمسكنات، وتواصلت مع مسؤولين في الصليب الأحمر بهدف تأمين ما يستطيعون تأمينه من المستلزمات أو الأدوية، قدر المستطاع وبحسب إمكاناتهم، وذلك لتلافي النقص ريثما تعود العجلة للدوران بشكل طبيعي".
بدورها كشفت رئيس قسم التمريض بمستشفى الكلى التابع لمستشفى ابن النفيس الحكومي، يمامة دلّة، عن وجود نقص في "السرنجات"، في حين أن غالبية المستلزمات الطبيّة الأخرى متوفرة. مضيفة: "لا يمكن أن تنقص المستلزمات، فمرضى الكلى يحتاجون إلى غسيل دوري، وانقطاع المستلزمات ينتج عنه مخاطر جمة على حياتهم. لدينا مخزون من المستلزمات الطبيّة يكفي لمدّة 6 أشهر، وعادة ما نقوم بعمليات الشراء بشكل دوري من خلال الأموال التي تقدمها الحكومة، أو من الهبات التي يتبرع بها أهل الخير".
حال الصيدليات لم يكن أفضل من المستشفيات، إذ شهدت دمشق إقفالاً شبه تام للصيدليات، والقليل منها فقط فتح أبوابه رغم المخاوف. ويؤكد الدمشقي كمال الكنجو أن "غالبية صيدليات حي برزة لم تفتح أبوابها رغم الحاجة الملحة للكثير من الأدوية، ولا سيما المضادات الحيوية والمسكنات التي يجب أن تؤخذ بعد استخراج الرصاص الطائش أو علاج إصاباته. اضطررت إلى البحث في أحياء مختلفة من دمشق عن صيدلية يمكن أن أجد عندها الدواء الذي أحتاج إليه، حتى تمكّنت من الوصول إلى صيدلية داخل مشفى خاص، وقامت بإعطائي المعادل الأجنبي للأدوية الموصوفة".
ودفع نقص الأدوية نقابة الصيادلة في دمشق، لتوجيه رسالة إلى جميع الصيادلة والمستودعات الطبية بضرورة العودة إلى العمل، وقالت النقابة إنّها سمحت ببيع الأدوية بنسبة زيادة قدرها 20% على أسعار الأدوية، وذلك لتأمين وصول الأدوية إلى كل المرضى، وأنّ هامش الربح هذا يمكن الصيادلة من تعويض خسارتهم في ظل الظروف الراهنة.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت مبادرات دعت الأطباء على مختلف اختصاصاتهم إلى فتح المجال للاستشارات المجانية، إما بالحضور إلى العيادات وإما التواصل عبر الهاتف لمن لا يحتاج إلى معاينة مباشرة، وأكدت تلك المبادرات أنّ العديد من الأطباء بادروا بإرسال أرقام هواتفهم وعناوين عياداتهم، مؤكدين تطوعهم لتقديم الاستشارات بالمجان.
وانتهت حالة التخبط التي حصلت خلال الأيام التي تلت سقوط النظام بعد استتباب الأمن في العاصمة، وبدأت المستشفيات تنظيم أمورها، خصوصاً مع توافر وسائل النقل، ما سمح بعودة أعداد كبيرة من الكادر الطبي إلى أعمالهم. لكن لا تزال مشكلة فقدان عدد كبير من المستلزمات الطبيّة قائمة.
وطالب عدد من مديري المستشفيات دول الجوار والدول الصديقة والمنظمات الدولية بإرسال كميات من المعدّات والمستلزمات الطبيّة اللازمة لتسيير العمل في المستشفيات السورية، خصوصاً بعد سقوط نظام الأسد الذي كان يبتز الدول، ويفاوضها على إرسال تلك المعدات، مشيرين إلى أن المجال بات مفتوحاً لمساعدة الشعب السوريين، وأنه يمكن لأي دولة أو منظمة أن تُساهم في دعم القطاع الطبي السوري، خصوصاً مستشفيات دمشق، كون العدد الأكبر من السوريين يقيمون في العاصمة، وتوجد فيها أهم المستشفيات الاختصاصية التي لا تملكها بقية المحافظات.