مستشفيات تونس "خارج خدمة" الدواء

مستشفيات تونس "خارج خدمة" الدواء

23 نوفمبر 2021
مستشفيات تونس لا تلبي احتياجات الدواء (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

تشهد تونس أزمة عدم توافر أدوية لأمراض مزمنة وعصبية، خصوصاً في المستشفيات العمومية التي لم تعد تستطيع تلبية احتياجات المرضى. وقد تعمّقت هذه الأزمة خلال السنتين الأخيرتين من تفشي فيروس كورونا.
ويؤكد مسؤولون طبيون ونقابيون في القطاع الصحي، في أحاديث إعلامية أدلوا بها، أن 300 صنف دواء مفقود في شكل مستمر، ولا تتواجد في أي من الصيدليات الخاصة وتلك التابعة للمستشفيات العمومية ومراكز الصحة الأساسية في مختلف المحافظات. ويوضحون أن غالبية الأدوية المفقودة تعالج أمراضاً عصبية ومزمنة، مثل أمراض ضغط الدم والسكري والقلب والأعصاب، وأخرى سرطانية، "ما يهدد حياة حوالى مليون شخص مصاب بأمراض مزمنة"، وفق الإحصاءات الرسمية. 
وبات النقص في الأدوية معاناة يومية يعيشها المرضى والأطباء ومسؤولو المستشفيات العمومية وأصحاب الصيدليات الخاصة، ما دفع النقابة العامة للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان إلى إعلان يوم إضراب في 16 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، من المقرر أن يشمل كل الخدمات الصحية باستثناء الحالات الطارئة، من أجل التنديد بالانقطاع المتواصل لأدوية الأمراض المزمنة والعصبية في المستشفيات، واستخدام تجهيزات طبية قديمة مع عدم توافر أية مؤشرات لاستبدالها، ومماطلة السلطات في تلبية مطالب القطاع.
يوضح كاتب عام النقابة العامة للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان نور الدين بن عبد الله في حديثه لـ "العربي الجديد" أنّ "أزمة الأدوية متواصلة منذ عام 2011 وتتفاقم سنوياً، علماً أن المستشفيات العمومية ترسل طلبات للحصول على أدوية قبل شهرين أو ثلاثة أشهر من نفاد الكميات الموجودة من أجل تجنب أي ضغط ونقص، لكن نسبة استجابة السلطات لطلباتها لا تكفي ولا تغطي الاحتياجات اليومية للمستشفيات".
يُضيف: "بلغت نسبة الاستجابة للطلبات 56 في المائة عام 2020، ثم تراجعت إلى 33 في المائة هذه السنة، ما يعني أن أزمة نقص الأدوية تتجه نحو مزيد من التعقيد، علماً أن أصنافاً من الأدوية شهدت انقطاعات كاملة لفترات غير قليلة تراوحت بين شهرين و8 أشهر، وبينها تلك الخاصة بمعالجة ارتفاع ضغط الدم التي انقطعت 6 أشهر سابقاً، ودواء الأنسولين الخاص بالسكري الذي لم يتواجد نحو 3 أشهر، وأدوية الأعصاب التي فقدت لمدة 5 أشهر، وأدوية أمراض القلب التي يتوفر بعضها بنسبة 5 في المائة، وبعضها الآخر بنسبة 24 في المائة". 

ويصف نور الدين وضع المستشفيات بأنه "كارثي على صعيد البنى التحتية والأجهزة الطبية والكوادر الطبية وشبه الطبية التي تعاني من نقص كبير، ما حتم إعلان نيتنا تنظيم إضراب قبل شهر من موعده بهدف فتح باب للحوار والتفاوض مع السلطة المشرفة، والأخذ في الاعتبار الصعوبات التي يتعرض لها أطباء الصحة العمومية من أجل توفير الخدمات المطلوبة للمواطنين، خصوصاً ضعفاء الحال، وكذلك للتعبير عن استياء أهل القطاع الصحي عن عدم تقدير السلطة المشرفة الجهود التي بذلها الأطباء خلال جائحة كورونا، إذ حرمتهم وزارة الصحة من منح الجائحة".
وكان وزير الصحة علي المرابط اعترف أخيراً بأن تونس تعاني من نقص حاد في عدد من الأدوية، خصوصاً تلك المخصصة للأمراض المزمنة، لكنه تعهد تدارك سلبيات الأزمة في أقرب وقت من خلال تنفيذ استراتيجية تأمين مخزون استراتيجي من أدوية الأمراض المزمنة والحياتية، لمواجهة أي نقص".
ويؤكد متخصصون وأصحاب صيدليات خاصة أن إشكالية النقص الكبير في الأدوية وضرورة تكوين مخزون استراتيجي لها، تتعلق في الأساس بعجز الصيدلية المركزية التي تتولى حصراً عملية الاستيراد وتزويد الأدوية، عن تسديد التزاماتها المالية داخل تونس وخارجها، وهو أمر متواصل منذ سنوات.

القطاع الصحي يطالب بمعالجة نقص الأدوية (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
القطاع الصحي يطالب بمعالجة نقص الأدوية (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

وخلال السنة الأولى من انتشار فيروس كورونا، وفي ذروة موجته الثالثة والرابعة في شتاء وصيف 2021، تحوّلت بعض الصفحات على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي إلى صفحات لاستنجاد مرضى بحثوا عن أدويتهم المفقودة منذ أسابيع وحتى أشهر في الصيدليات الخاصة والمستشفيات ومراكز الصحة الأساسية العمومية.
وأطلقت هذه الصفحات التي حمل بعضها عناوين مثل "سيب (اترك) الدواء" و"من حقي نعيش"، إنذارات وصرخات للضغط على وزارة الصحة من أجل إيجاد حلول لتوفير الأدوية في أسرع وقت مع تفشي الفيروس وإغلاق المستشفيات أقسام الأمراض المزمنة، وتخصصيها ممرات للمصابين بفيروس كورونا، وتوجيه كل الإمكانات المالية لهذه الجائحة.
وأوجدت هذه الصفحات مسارات افتراضية لمساعدة المرضى في توفير أدويتهم من خلال نشر احتياجاتهم الأساسية والمستعجلة لأصناف الأدوية المطلوبة، ما حوّلها إلى جسر ووسيط للبحث عن الأدوية والحصول عليها عبر مسافرين قادمين من دول أوروبية في مقدمها فرنسا وبريطانيا وألمانيا. 

المساهمون