استمع إلى الملخص
- تحديات الأطراف الصناعية: يواجه المستشفى نقصاً في المواد اللازمة لصناعة الأطراف الصناعية، حيث تكفي المواد المتوفرة لصناعة 100 إلى 200 طرف فقط، ويسعى للتعاون مع صندوق قطر للتنمية لتلبية احتياجات 4500 مريض مبتور الأطراف.
- أهمية إعادة السمع للأطفال: عودة المستشفى للعمل أعادت الأمل للأطفال زارعي القوقعة الإلكترونية، مما حسّن من حالتهم الصحية والنفسية وعزز قدرتهم على التواصل مع الآخرين.
أعاد مستشفى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للتأهيل والأطراف الصناعية في غزة الأمل إلى المرضى والجرحى الذين بترت أطرافهم ومن لديهم مشكلات في السمع، بعد عودته إلى العمل رغم الدمار الذي طاوله بفعل العدوان
عاد مستشفى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للتأهيل والأطراف الصناعية غرب مدينة غزة، الممول من صندوق قطر للتنمية، إلى العمل مجدداً، بعد توقفه عن تقديم خدماته لأكثر من 15 شهراً، بسبب حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة رغم الدمار الذي لحق به، ليُعيد بريق الأمل إلى نفوس الكثير من المرضى والمبتورة أطرافهم الذين يحتاجون إلى تركيب أطراف صناعية.
ويقدّم المستشفى ثلاث خدمات رئيسية، وهي التأهيل الطبي والسمع والأطراف الصناعية، ما جعل خروجه عن الخدمة يترك أثراً سلبياً على الكثير من المرضى خصوصاً المبتورة أطرافهم. وتعرض المستشفى الذي افتتح عام 2019 للقصف والتدمير خلال اجتياح قوات الاحتلال البري للقطاع، وبلغت قيمة الأضرار التي لحقت به قرابة أربعة ملايين ونصف المليون دولار، أي ما يُمثل 30% من إجمالي قيمته، كما يفيد مديرها العام أحمد نعيم.
ويقول نعيم لـ "العربي الجديد" إن المستشفى استهدف على غرار بقية مؤسسات المنظومة الصحية في قطاع غزة، علماً أن الأضرار تتركز في الجهة الشمالية للمستشفى، كونها مقابلة لشارع الرشيد غرب مدينة غزة الذي اجتاحه الاحتلال، ما أدى إلى تدمير عدة أقسام بالكامل، أهمها قسم العلاج الطبيعي والأقسام الإدارية، ووحدة مُستحدثة لعلاج القدم السكري (مجموعة من التغيرات المرضية المؤثرة في الأطراف السفلية)، ومشكلات السمع والتوازن، بالإضافة إلى تدمير وحدة التشخيص بالكامل ومولد الكهرباء الكبير.
ويشير نعيم إلى أن المستشفى يضم 231 موظفاً من مختلف التخصصات الطبية والإدارية، وقد استشهد أربعة موظفين خلال الحرب، فيما غادر حوالي 30 من كوادرها من مختلف التخصصات، وغالبيتهم من الأطباء، إلى خارج قطاع غزة. ويوضح أن المستشفى بدأ بأعمال الصيانة بعد أسبوع من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ (19 يناير/ كانون الثاني 2025) والذي لم يصمد طويلاً جراء استئناف العدوان، ثم بدأ يستقبل بعض الحالات من مبتوري الأطراف والأشخاص ممن لديهم مشكلات في السمع.
يتابع أنه يجري العمل على استكمال أعمال الصيانة وفحص الأجهزة الطبية الخاصة بقسم التأهيل الطبي للبدء باستقبال المرضى، في ظل تضرر عدد من الأجهزة الطبية بفعل القصف الإسرائيلي، لكن الاحتلال لا يزال يرفض السماح بإدخالها إلى قطاع غزة.
يشار إلى أن القدرة التشغيلية للمستشفى بعد إجراء أعمال الصيانة لمختلف الأقسام لا تتجاوز الـ 70% مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب، نتيجة عدم توفر كميات كافية من الأدوية والمستهلكات الطبية. ويؤكد نعيم أن استمرار إغلاق المعابر يعرقل إدخال الأجهزة والمستهلكات الطبية والأدوية. يضيف: "نعتمد حالياً على المخزون المحلي الذي لا يكفي في أحسن الأحوال لأكثر من شهرين. وتستمر أزمة توفر الوقود لتشغيل المولد الكهربائي، عدا عن الحاجة إلى إجراء صيانة دورية له"، لافتاً إلى أن قطر قدمت كميات من الوقود قبل إغلاق المعابر، لكنها لن تكفي لمدة طويلة.
أطراف صناعية
تجاوزت أعداد الأشخاص المبتورة أطرافهم خلال العدوان الإسرائيلي 4500، علماً أن أعدادهم قبل الحرب لم تتجاوز الـ 2000، وفق إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية ومنظمة الصحة العالمية. ويقول رئيس قسم الأطراف الصناعية في المستشفى أحمد العبسي، إن استئناف المستشفى العمل شكّل بارقة أمل لكثير من المرضى خصوصاً المبتورة أطرافهم، كونه يقدم خدمة ذات جودة عالية في مجال تركيب الأطراف الصناعية.
يضيف العبسي لـ "العربي الجديد" أن عودة المستشفى إلى العمل سيُخفف أعداد المصابين الذين يتلقون الخدمة في مركز الأطراف التابع لبلدية غزة، ولا سيّما أن المستشفى يقدم خدمات خاصة في الأطراف العلوية. يذكر أن 700 حالة تحتاج إلى صيانة الأطراف التي جرى تركيبها لهم في المستشفى قبل اندلاع الحرب، ما يزيد الأعباء على المستشفى، خصوصاً في ظلّ عدم توفر كميات كافية من المواد اللازمة لصناعة الأطراف، مشيراً إلى أن المستشفى ركّب أطرافاً علوية إلكترونية عالية الجودة لما بين 60 و80 شخصاً.
ويوضح أن المواد المتوفرة في المستشفى تكفي لصناعة حوالي 100 إلى 200 طرف صناعي، ما يشكل تحدياً كبيراً أمام قسم الأطراف في ظل تزايد أعداد الأشخاص المبتورة أطرافهم الذين يحتاجون إلى متابعة، لافتاً إلى أن القسم يسعى جاهداً لإعادة العمل بشكل كامل كما كان الحال قبل الحرب. وستتواصل إدارة المستشفى مع صندوق قطر للتنمية من أجل محاولة توفير الأطراف الصناعية. وسيتم التنسيق مع صندوق قطر لتوفير احتياجات قسم الأطراف الصناعية.
كان الفلسطيني محمود إسماعيل ينتظر بشغف عودة المستشفى إلى العمل، وقد قدم من محافظة رفح جنوب القطاع إلى المستشفى لإجراء صيانة للطرف الصناعي الذي كان قد ركّبه في القدم اليُمنى قبل الحرب. يقول لـ "العربي الجديد": "انقطاعي عن تلقي الخدمة في المستشفى أدى إلى تضرر الطرف الصناعي الذي أعتمد عليه في التنقل من مكان إلى آخر، ما جعلني أعتمد على العكازين". يضيف: "حاولت إجراء صيانة للطرف الصناعي خلال فترة الحرب، لكن لم أجد أي مركز طبي قادر على إصلاحه، ما دفعني إلى تركه والاعتماد على العكازين. لكن في الوقت الحالي، أجريت صيانة له في المستشفى. أشعر أن الحياة عادت إلي من جديد". في هذا الإطار، يوضح نعيم أن القدرة الإنتاجية لقسم الأطراف الصناعية تراوح ما بين 120 و150 طرفاً في العام.
إعادة الحياة للأطفال
تقول المشرفة على وحدة التدريب السمعي اللفظي في المستشفى، نيفين مرتجى، إن عودة المستشفى إلى العمل أعادت الأمل لأعداد كبيرة من الأطفال من زارعي القوقعة الإلكترونية، بعد انقطاعهم عن المراجعة الدورية في المستشفى وإجراء الصيانة لأجهزتهم. وتوضح لـ "العربي الجديد" أن عدداً كبيراً من أجهزة السمع التي جرى تركيبها للأطفال تعطلت خلال الحرب، ما تسبب بانقطاع هؤلاء الأطفال عن التواصل مع العالم الخارجي لأن "السمع يعني الحياة للطفل".
وتبيّن أن تعطّل الأجهزة وعدم قدرة الأطفال على تبادل الأحاديث مع عائلاتهم يؤدي إلى حدوث تغيّرات في سلوكهم، أهمها العصبية الزائدة كونهم يشعرون بأنهم منفصلون عن الواقع والعالم الخارجي.
سارعت والدة الطفل ساجد الغولة إلى التوجه إلى مستشفى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للتأهيل والأطراف الصناعية منذ عودته إلى العمل، من أجل إجراء فحوصات جديدة لطفلها الذي أجرى عملية زراعة قوقعة قبل الحرب، وإجراء صيانة للجهاز. تقول لـ "العربي الجديد": "كانت الحالة الصحية لطفلي جيدة قبل الحرب. وبعد نشوبها، عانى مضاعفات صحية، وكان يحتاج إلى إجراء صيانة لجهاز السمع الذي تعطّل خلال الحرب". تضيف أن "عودة السمع لطفلي حسّنت من حالته الصحية والنفسية، لأن إعادة السمع تعني عودة الحياة والتواصل مع البيئة المُحيطة".
إلى ذلك، تؤكد المتخصصة في علم النفس في قسم زراعة القوقعة، أماني مرشود، أن الحرب خلّفت آثاراً نفسية سلبية كبيرة على الأطفال زارعي القوقعة بسبب الصعوبة لديهم في فهم الكلمات والانزعاج من الضوضاء. وتقول لـ "العربي الجديد": "الأحداث والمشاهد التي كانت تعرضها بعض شاشات التلفاز ويراها هؤلاء الأطفال صعبة للغاية نتيجة عدم قدرتهم على تفسيرها، ما جعل سلوكهم عدوانياً". تضيف: "لاحظنا خلال فترة الحرب أن عدداً كبيراً من الأطفال فقدوا أجهزة السمع نتيجة تكرار النزوح من مكان إلى آخر". وتوضح أن إعادة حاسة السمع للأطفال تقلل من الآثار النفسية الناتجة عن الحرب؛ فالسمع يعني عودة الحياة والقدرة على التواصل مع الآخرين.
تجدر الإشارة إلى أن أقسام التأهيل الطبي كانت تستقبل يومياً ما بين 300 و400 حالة، فيما تُقدر السعة السريرية للمبيت في قسم التأهيل 40 سريراً مقسماً بين النساء والرجال. أما عدد الحالات التي تتردد يومياً إلى قسم السمعيات في المستشفى فهي حوالي 100 حالة يومياً، فيما كان قسم الأطراف الصناعية يستقبل يومياً قبل الحرب 20 إلى 30 حالة، بحسب نعيم.
وقدم المستشفى خدماته منذ افتتاحه وحتى بدء العدوان لأكثر من 40 ألف شخص. ويُعد المستشفى من أكبر مستشفيات التأهيل الحيوية والنوعية في قطاع غزة، ويقدم خدماته مجاناً من خلال الأقسام الرئيسية الثلاثة التي تتكون من قسم الأطراف الصناعية، وقسم السمع والتوازن، وقسم التأهيل الطبي.