مرضى الكلى... سودانيون يدفعون كلفة باهظة للحرب

02 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 01:21 (توقيت القدس)
مرضى خلال غسل الكلى في الخرطوم، 3 يونيو 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني مرضى الفشل الكلوي في السودان من صعوبات كبيرة في الحصول على الرعاية الطبية بسبب توقف مراكز الغسل الكلوي عن العمل نتيجة الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، مما أجبرهم على السفر لمسافات طويلة أو مغادرة البلاد للعلاج.
- تعرضت المستشفيات ومراكز علاج الكلى للتخريب والنهب، خاصة في الخرطوم وولاية الجزيرة، مما أدى إلى نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية وزيادة معاناة المرضى.
- تعتمد مراكز علاج الكلى على دعم المنظمات الدولية والتبرعات بسبب توقف الدعم الحكومي، مما يضع المرضى أمام تحديات مالية كبيرة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

يعيش مرضى الفشل الكلوي في السودان معاناة بالغة للحصول على الرعاية الطبية التي أصبحت تُقدم في عدد محدود من مراكز الغسل الكلوي في المُدن التي لم تطاولها الحرب الدائرة منذ 27 شهراً.

عندما اندلعت الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم في منتصف إبريل/نيسان 2023، كان هناك 13.240 مصاباً بالفشل الكلوي يخضعون للعلاج، بحسب إحصائية للمركز القومي لأمراض الكلى، من بينهم 4500 خضعوا لعمليات زرع كلى، في حين كان 8740 يواظبون على جلسات الغسل الكلوي.
خلال العامين الماضيين، لم يُجر أي حصر رسمي للمصابين الجُدد بالفشل الكلوي، لكن مصدراً بوزارة الصحة السودانية يقدر عددهم بنحو 2400 مريض جديد، ما يرجح وصول عدد المرضى إلى ما يقارب 16 ألفاً. وتوقف عدد كبير من مراكز علاج الكلى، والتي كان عددها قبل الحرب 105مراكز، والمراكز القليلة الباقية تعمل بطاقة استيعابية وعلاجية مُتدنية.
ويتكبد مئات المرضى من المناطق النائية في السودان المشقة من أجل الوصول إلى المراكز الصحية بحثاً عن الرعاية الطبية. يقول حامد صالح، من إقليم كردفان لـ"العربي الجديد"، إنه اضطر إلى قطع مسافة تزيد عن ألف كيلومتر للوصول إلى مدينة بورتسودان من أجل الخضوع لجلسات غسل الكلى، ومع تأخر جلسات الغسل المقررة للمرضى الذين قدموا من مناطق متفرقة، قرر المغادرة إلى مصر عبر طريق التهريب البري، بحثاً عن العلاج غير المتوفر في السودان.
يضيف صالح الذي شُخصت إصابته بالفشل الكلوي في ديسمبر/كانون الأول 2024: "يفترض أن أنتظر لشهر على الأقل حتى يتم وضعي ضمن قائمة المرضى الذين يخضعون لجلسات الغسل، لكن حتى إذا تمت جدولة الجلسات، لا أحد يضمن إجراءها أو استمراريتها في ظل تكرار انقطاع الكهرباء، وندرة الوقود، والحالة الأمنية غير المستقرة. لكل هذه الأسباب غادرت السودان، ومثلي كل من تسمح ظروفه المالية والصحية بالسفر".
ويقول مريض آخر، فضل عدم ذكر اسمه، إنه اكتشف إصابته بالفشل الكلوي في مايو/أيار 2023، وبدأ العلاج بمركز غسل الكلى في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، قبل اجتياحها من قوات الدعم السريع، بعدها نزح إلى مدينة القضارف، ولأن عدد المرضى كان يفوق سعة مركز الغسل الكلوي، نزح مرة أخرى إلى مدينة كسلا على الحدود الشرقية، حيث ما زال يتلقى العلاج.
ويضيف لـ"العربي الجديد"، أنه يعاني ظروفاً قاهرة، وأصبح غير قادر على مواصلة حياته الطبيعية، كما لا يملك مصدر دخل، ما حرمه من البحث عن علاج خارج السودان. يتابع: "جلسات الغسل الكلوي تتوقف بين الحين والآخر بسبب نقص المستلزمات والأدوية وانعدام المحاليل الوريدية، علاوة على تعطل ماكينات الغسل، وفي مرات أخرى يكون انقطاع الكهرباء سبباً في تأخر الجلسات لأيام، وقد فارق بعض المرضى الحياة بسبب انقطاع جلسات الغسل الكلوي وتناول الأدوية الضرورية، ويعاني الذين ما زالوا على قيد الحياة من صعوبة مواصلة العلاج".

ويستطرد: "المرضى القادمون من خارج مدينة كسلا يضطرون إلى العيش بالقرب من مركز العلاج، بعضهم في العراء، أو في مراكز إيواء، لأن إيجارات العقارات مرتفعة، وليس في استطاعة المرضى دفعها شهرياً، ما يجعلهم يعيشون كالمشردين، وغالبيتهم قادمون من ولايات بعيدة توقفت فيها خدمات العلاج نهائياً".
وخلال عامي الحرب الماضيين في السودان، تعرضت المستشفيات ومراكز تقديم الخدمات الطبية للتخريب ونهب الأجهزة والمعدات الطبية، خصوصاً في العاصمة الخرطوم، وتؤكد إحصائية أصدرتها وزارة الصحة، أن 36 مركزاً لعلاج الكلى في العاصمة تم تدميرها بالكامل خلال الأسبوع الأول للحرب، من بينها ثلاثة مراكز لزرع الكلى هي مركز مستشفى سوبا الجامعي، ومركز مستشفى أحمد قاسم، ومركز الشهيدة سلمى، كما لحق الدمار بـ12 مركزاً في ولاية الجزيرة (وسط)، وعدد آخر من مراكز علاج الكلى في إقليمي كردفان ودارفور.
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصيبت عائدة صديق، من مدينة الأبيض بإقليم كردفان، بالفشل الكلوي، ولأن المدينة كانت تحت حصار قوات الدعم السريع، وتعاني مراكز الغسل الكلوي فيها نقصاً حاداً في الأدوية والكوادر الطبية، توفيت بسبب تراكم السموم في جسدها. ويقول شقيقها آدم صديق، لـ"العربي الجديد": "حاولنا نقلها إلى أقرب مركز للكلى، لكن إغلاق الطرق، وصعوبة الوصول إلى المركز على بعد 750 كيلومتراً في مدينة شندي، حالا دون وصولها، ففارقت الحياة. عشرات المرضى ماتوا لأنهم لم يستطيعوا الوصول إلى مراكز العلاج، والتي يكلف الوصول إليها مالاً وجهداً لا يملكهما غالبية المرضى وأسرهم في ظروف الحرب".

تقلص عدد مراكز غسيل الكلى في السودان، 3 يونيو 2023 (فرانس برس)
تقلص عدد مراكز غسل الكلى في السودان، 3 يونيو 2023 (فرانس برس)

وفي التاسع عشر من شهر يوليو/تموز الماضي، توقف مركز غسل الكلى الوحيد في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، معرضاً حياة نحو 80 مريضاً للخطر نتيجة عدم تمكنهم من الحصول على الغسل الكلوي. ويقول طبيب يعمل في المركز، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "توقف المركز عن إجراء الغسل الكلوي بسبب انقطاع الكهرباء، وتعطل المولد الكهربائي. نتوقع أن يستمر توقف المركز طالما أن الكهرباء العامة مقطوعة عن الولاية بسبب عطل عام في محطة التوليد بسد مروي. لا أستبعد حدوث وفيات بين مرضى الفشل الكلوي إذا لم يخضعوا للغسل في أسرع وقت ممكن. في أحسن الأحوال، نتوقع أن تتراجع صحتهم، أو تحدث لهم مضاعفات نتيجة تأخير جلسات الغسل".
عاود مركز غسل الكلى بمدينة أم درمان، العمل في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد توقف لأكثر من عام، وبالقرب منه، يعيش 32 مريضاً ظروفاً قاهرة داخل أحد مراكز الإيواء، إذ يعانون الجوع ونقص الأدوية. يقول أحد المتطوعين في المركز لـ"العربي الجديد": "قدم هؤلاء المرضى للعلاج من خارج الولاية، وهم يعيشون في مركز إيواء قريب لأنهم لا يملكون قيمة إيجار سكن يقيمون فيه أثناء انتظارهم للغسل الكلوي. جميع هؤلاء المرضى لا يملكون شراء الطعام، وهناك أدوية يحتاجون إليها، لكنهم لا يقدرون على شرائها من الصيدليات، ويحصلون على الطعام من تبرعات الخيرين غير المنتظمة".
في ولاية الجزيرة (وسط)، يتكرر انقطاع الدواء عن مراكز علاج الفشل الكلوي، والتي عادت إلى العمل مؤخراً، ما يضاعف معاناة 462 مريضاً بالفشل الكلوي، ويعرض بعضهم للموت. ويقول وزير الصحة بولاية الجزيرة، أسامة عبد الرحمن، لـ"العربي الجديد": "نتحوط لتوفير أدوية مرضى الفشل الكلوي باستمرار، وعندما تنفد من المراكز لا تزيد مدة انعدامها عن شهر واحد".
يضيف عبد الرحمن: "عدد المرضى في ولاية الجزيرة حالياً يمثل أقل من 50% من عددهم قبل اندلاع الحرب. 12 مركزاً دمرت منذ اجتياح الدعم السريع للولاية. تعرضت مراكز غسل الكلى لعمليات نهب واسعة، وسرقت المحولات ومولدات الكهرباء وماكينات الغسل، وقتل عدد من العاملين في تلك المراكز أثناء عمليات السرقة. نحاول إعادة العمل في سبعة مراكز حالياً، ويشكو المرضى من نقص شديد في الأدوية التي أصبحت تباع في السوق السوداء".

بدوره، يقول المريض الطيب قيدوم لـ"العربي الجديد"، إنه يلجأ إلى شراء الدواء من السوق السوداء من أجل مواصلة جلسات الغسل التي تقلصت إلى أربع مرات في الشهر بدلاً من ثلاث في الأسبوع.
وفي مركز غسل الكلى بمدينة كسلا (شرق)، يخضع نحو 213 مريضاً لجلسات الغسل الكلوي، بيد أنه تنعدم الأدوية الخاصة لمن زرعوا الكلى. 
ويقول مصدر طبي في المركز القومي لأمراض وجراحة الكلى، فضل حجب هويته، لـ"العربي الجديد": "النقص الحاد في الخدمات الطبية المقدمة لمرضى الكلى بالسودان يرجع إلى توقف الدعم المالي من وزارة المالية الاتحادية منذ اندلاع الحرب، والتي كانت تتكفل برعاية مرضى الكلى. تعتمد المراكز في الوقت الراهن على دعم المنظمات الدولية والخيرين، ولذلك كثيراً ما تنعدم الأدوية لفترات طويلة، إلى جانب توقف إجراء عمليات زراعة الكلى بصورة نهائية، في حين تكلف عمليات زراعة الكلى بالخارج أكثر من 60 ألف دولار، وهو مبلغ لا يمكن أن يتوفر لغالبية المرضى السودانيين".

المساهمون