مربّى وزبدة

مربّى وزبدة

18 يناير 2021
حتى الاحتجاجات نفسها غامضة (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

المربّى، تلك الفاكهة المطبوخة والمحفوظة بالسكّر، له أشكال مختلفة في لبنان؛ أشهرها المشمش والتفاح، والفريز (فراولة)، والسفرجل، والكرز، والبلح، والتين، وغيرها. هذا البلد الصغير يجود إلى جانب مصائبه السياسية والاقتصادية والمجتمعية، بمختلف أنواع المحاصيل، بل يتباهى كتاب الجغرافيا المدرسي، بتعداد أنواع التضاريس ما بين سهول ساحلية ومدرجات جبلية وسهول داخلية، لكلّ منها فاكهته المميزة.
لكنّ الزمن ليس زمن تباهٍ بقطاع زراعي يكاد يموت في لبنان، كما تموت الفواكه على الأغصان من دون أن تتحول إلى محاصيل، ومثلما تموت الأشجار إذ تقطع مساحات منها لاستبدالها بمحاجر وكسارات ومشاريع بناء، لا يتمكن معظم الناس من شراء وحدة سكنية صغيرة فيها ربما لا تتجاوز 60 متراً مربعاً. هو زمن فاصل يشبه لاعب حبل، يحمل لبنان بأكمله فوقه، بينما يعبر من طرف غير مأمون إلى طرف مجهول. ولبنان يهتز مع اهتزاز الزمن فوق حبله. زمن يعبر من كورونا ببطء فيسقط بعض حمولته على الأطراف إصابات تتجاوز الخمسة آلاف يومياً وتصل ببلد لا يضم أكثر من 6 ملايين إنسان، إلى مستويات بلدان تضم أكثر من 100 مليون إنسان. زمن يعبر لا من أزمات، فمن سمات الأزمات الوضوح ولو في عناوينها العريضة، بل من غموض سرقات وفضائح وانفجارات وقتل وفوضى ودولة لم تُبنَ يوماً، ولم يشأ أحد من المتسلطين منذ شكّلت فرنسا هذا الكيان قبل قرن، أن يبني تلك الدولة، بمن فيهم فرنسا نفسها. وكلّ ذلك مغلف بحقائق - كذبات أخرى، وبزيف وطني- عقائدي لا يملك أيّ حلّ، وإن امتلك حلاًّ رفض أن يتجه إليه، فالوضع القائم هو الأفضل له.
هذا الكيان المليء بالفاكهة، وبالمربّى متعدد الأنواع، فيه شعب يتكيّف مع أيّ ظرف، وليست تلك الظروف سهلة، بل من النوع القاتل في معظم الأحيان. حروب ومعارك داخلية؟ لدينا: 1958 و1975 - 1990، و2008. اعتداءات واجتياحات صهيونية؟ نحن أكثر من لديه، ولن أذكر غير أشهرها: 1978، 1982، 2006. جرائم قتل وخطف واغتصاب؟ لدينا. جرائم سرقة وتهريب؟ لدينا. لبنان مصدر رئيس لتجارة المخدرات على مستوى المنطقة. لبنان بلد تهريب بشر. لبنان بلد غسيل أموال، وتلاعب بالعملات، واسألوا أثرياءه في ثالوثهم المالي - السياسي - الديني، إن استطعتم. لبنان بلد تجارة سلاح، داخلياً وخارجياً. لبنان بلد لا ثقة بمصارفه، ولا ثقة بسلطاته التنفيذية، والتشريعية وقواته العسكرية والأمنية، أو بأحزابه، أو برؤساء طوائفه الدينيين ومن معهم، أو بقضائه حتى.

موقف
التحديثات الحية

القائمة تطول وتطول، لكنّ كلّ ذلك لا يمنع اللبناني من التكيّف مع وضعه، فهل تذكرون الأيام التي رفضتم فيها أكل المربّى إلاّ مع زبدة دنماركية، بل ربما فرنسية، فانحدرتم بالترافق مع تبخر قيمة المال، وإن كان في جيوبكم، إلى نوع أرخص من الزبدة، ثم ذهب المربّى نفسه هذه المرة، فاكتفيتم بأكل الزبدة مع سكّر، وذهبت الزبدة لاحقاً، فباتت التحلية - إن وجد الطعام - خبزة فوقها سكّر مبلول. هل تنتظرون انقطاع السكر، أم إنّ له انحداراً أيضاً؟

المساهمون