مراقبة الامتحانات... معاناة إضافية لمدرّسي دمشق

مراقبة الامتحانات... معاناة إضافية لمدرّسي دمشق

08 يونيو 2022
يعاني المدرسون السوريون للوصول إلى مراكز الامتحانات (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

تقطع سارة فهمي، وهي مدرسة في العقد الرابع من عمرها، نحو 30 كيلومتراً يومياً من منزلها في بلدة قطنا بريف دمشق، إلى المدرسة التي تراقب فيها امتحانات الشهادة الإعدادية في أحد أحياء البرامكة بالعاصمة السورية دمشق، وذلك بعد أن لوحت مديرية التربية بإحالتها إلى الرقابة والتفتيش في حال رفضها المراقبة. 
بدأت امتحانات التعليم الأساسي في 29 مايو/ أيار الماضي، وفي اليوم الذي يليه، بدأت امتحانات الشهادة الثانوية، وتمتد فترة الامتحانات إلى قرابة الشهر، وسط أزمة مواصلات، ونقص في الوقود تعاني منهما مناطق سيطرة النظام السوري، لتزيد من متاعب المدرسين الحكوميين الذين تقدر رواتبهم الشهرية بنحو 92 ألف ليرة (23 دولار). 
تقول سارة لـ"العربي الجديد"، إنها تضطر إلى التغيب عن مراقبتها في بعض الأيام، إذ يكلفها يوم المراقبة 6000 ليرة (نحو دولار ونصف الدولار) كأجرة الطريق ذهاباً وإياباً، وبعد التكلفة، والانتظار لساعات طويلة في الطريق نظرا لقلة وسائل النقل، تحصل بعد أشهر على تعويض مراقبة قيمته 300 ليرة (0.075 دولار) عن كل ساعة عمل، وأغلب مواد الامتحانات لا تتجاوز مدتها الزمنية ساعتين.

وتضيف المدرسة السورية: "لدي 15 يوم مراقبة خلال فترة الامتحانات، وهي تكلفني 90 ألف ليرة (22.5 دولار) أجرة مواصلات، وأحصل مقابل المراقبة على أجر قيمته 9 آلاف ليرة (2.25 دولار)، محسوماً منها ضريبة بقيمة 10 في المائة".
وتلجأ حكومة النظام إلى فرض عقوبات على المتخلفين عن مراقبة وتصحيح الامتحانات عبر تحويلهم إلى الرقابة والتفتيش، والخصم من رواتبهم، وتؤكد سارة لـ"العربي الجديد"، أن مدير المركز الامتحاني الذي كلفت بالمراقبة فيه أخبرها أن كل يوم تغيب فيه عن المراقبة، سيرفع فيه اسمها إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، لمخالفة تعليمات الامتحان، ما سيؤثر على وضعها الوظيفي، إضافةً للخصم المالي من راتبها. 
ويواجه المئات من المدرسين في العاصمة دمشق وريفها مصيراً مشابهاً في ظل قيام وزارة التربية بتكليف المدرسين بالمراقبة وتصحيح أوراق الامتحان في مدارس بعيدة عن أماكن سكنهم، من دون مراعاة لسوء المواصلات، أو تكلفتها، خصوصاً خلال فترة الامتحانات، كما ترفض زيادة تعويضات عملية المراقبة. 
ويستهجن مدرسون أن تكون تكلفة دقيقة المكالمة الخلوية 27 ليرة، في حين ساعة المراقبة بـ300 ليرة، ويقول المدرس فاطر حسن (52 سنة) لـ"العربي الجديد": "المدرسون لا يتهربون من عملهم، ولكننا منذ سنوات نطالب وزارة التربية التابعة للنظام برفع قيمة تعويض المراقبة والتصحيح من دون جدوى. بينما رفعت وزارة الاتصالات قيمة المكالمة الخلوية بحجة مطالبة شركتي الخلوي لها برفع التكلفة". 
ويوضح المدرس السوري: "في أول يوم امتحانات، هناك قاعات امتحان في المدرسة التي أراقب فيها بالعاصمة دمشق خلت من المراقبين باستثناء مراقب واحد. المدرسة التي أراقب فيها تبعد عن مكان سكني نحو 20 كيلومتر". 
ولا تختلف معاناة فاطر حسن عما تعانيه سارة فهمي، سواء ارتفاع كلفة المواصلات، أو قلة التعويض المادي، ما دفعه للاتفاق مع مدير مركزه الامتحاني على أن يراقب سبعة أيام فقط بدلاً من خمسة عشر يوماً تجنباً لتعرضه للخصم المالي من راتبه، أو تحويله للرقابة والتفتيش، ويضيف: "تخيل بعد 27 سنة خدمة في التدريس يهددوننا بالخصم والعقوبة في حال تخلفنا عن المراقبة من دون مراعاة لوضعنا المعيشي الصعب".  

الصورة
تعويضات تصحيح الإمتحانات السورية زهيدة (دليل سليمان/فرانس برس)
تعويضات تصحيح الامتحانات السورية زهيدة (دليل سليمان/فرانس برس)

وتعترف حكومة النظام السوري بعدم التزام المراقبين المكلفين بالحضور إلى المراكز الامتحانية، حسب تصريحات صحافية لمدير تربية دمشق، ماهر فرج، قال فيها: "لا يوجد نقص في عدد المراقبين، بل عدم التزام من المكلفين بالمراقبة"، مدعياً أن العملية الامتحانية "مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع من دون استثناء".
في السياق كشف مصدر خاص رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنَّ "عملية توزيع المدرسين على مراكز الامتحانات يشوبها الفساد والمحسوبية"، مضيفاً أن هناك مدرسين لم يكلفوا بالمراقبة وتصحيح الأوراق بحجج واهية، أو عبر تقارير طبية كاذبة. 
وبالتزامن مع الامتحانات، تخصص وزارة التربية التابعة للنظام السوري مراكز لتصحيح الأوراق، ومنها مركز التصحيح في حي ركن الدين بدمشق، وتقول المدرسة سوزان علي (32 سنة)، لـ"العربي الجديد": "يجب أن نتواجد في مركز التصحيح من الساعة السابعة والنصف صباحاً وحتى الساعة الثالثة عصراً. سبع ساعات ونصف الساعة من العمل يكون أغلبها بدون كهرباء. نصحح أوراق امتحان لطلاب الصف التاسع وسط ازدحام قاعات التصحيح، وارتفاع درجات الحرارة، ما يضطرنا إلى تشغيل أضواء جوالاتنا كي نرى بدقة، ولا نظلم أي طالب". 

تتقاضى سوزان كما غيرها من مصححي الأوراق الامتحانية 400 ليرة سورية مقابل كل ساعة تصحيح، ما مجموعه اليومي 3000 ليرة، أي أقل من دولار واحد في اليوم، وتؤكد أن هذا التعويض لا يغطي ولو جزء صغير من مصروفها اليومي للتنقل من منزلها إلى مركز التصحيح، بدون أن تأكل أو تشرب. 
وتشهد مناطق سيطرة النظام السوري خلال فترات الامتحانات زحاماً في المواصلات، مع ندرة وسائل النقل اللازمة لنقل الطلاب والمدرسين إلى مراكز الامتحانات، في ظل غياب التنسيق بين الجهات المسؤولة. 

المساهمون