استمع إلى الملخص
- تسببت الحرب في توقف الدراسة وتشريد الملايين، وتسعى الحكومة لتوفير بيئة آمنة عبر تدابير أمنية ودعم نفسي للتلاميذ، مع خطط لإعادة النازحين أو توفير بدائل.
- تواجه المدارس تحديات كالأضرار بالبنية التحتية وتحولها لثكنات عسكرية، مع معاناة المعلمين من عدم استلام الرواتب، وتبدي "يونيسف" استعدادها لدعم الرواتب وتأهيل المدارس.
تتباين الآراء حول قرار سلطات ولاية الخرطوم السودانية، استئناف الدراسة بجميع المراحل التعليمية للحفاظ على مستقبل التلاميذ، رغم مطالبات بتأجيل الخطوة إلى حين انتهاء الحرب.
تبدأ الدراسة في جميع مدارس ولاية الخرطوم السودانية يوم غد الثلاثاء، بعد أن أقرت لجنة أمن الولاية في اجتماع عقد نهاية الأسبوع الماضي، برئاسة والي الولاية، أحمد عثمان علي، توصية من المدير العام لوزارة التربية والتعليم، باستئناف الدراسة بشكل كامل، وأمرت الجهات المعنية، باتخاذ كل التدابير الأمنية لتأمين سلامة التلاميذ.
واتخذت حكومة الولاية القرار بعد دراسة تقول مديرية التربية والتعليم إنها أجرتها، واتضح من خلال نتائجها ضرورة عودة التلاميذ إلى مدارسهم لضمان حفظ مستقبلهم بعد شهور طويلة من انقطاع آلاف التلاميذ عن الدراسة.
والخرطوم أكبر ولايات السودان من حيث عدد السكان، إذ يقطنها نحو 10 ملايين شخص، وكانت أول ولاية اندلعت فيها المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخامس عشر من إبريل/نيسان 2023، وتسببت تلك المعارك في مقتل آلاف المدنيين، وتشريد الملايين، وتدمير البنى التحتية، وتوقفت الدراسة في جميع المراحل التعليمية، واضطر تلاميذ السنوات النهائية في المراحل المختلفة إلى الجلوس للامتحانات في الولايات الآمنة مثل ولايات نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر وكسلا، بينما ترك بعضهم الدراسة نهائياً خلال العامين الماضيين، واتجه بعضهم إلى سوق العمل في المهن الهامشية لمساعدة أسرهم على توفير القوت والمتطلبات خلال أشهر النزوح القاسية.
"يونيسف": 19 مليون تلميذ توقفوا عن الدراسة في السودان
وقدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، بعد أشهر من اندلاع الحرب، عدد التلاميذ المتوقفين عن الدراسة بنحو 19 مليون طفل، لكن هذا العدد تناقص عقب تمكن ولايات عديدة من استئناف الدراسة خلال العام الماضي، وتنظيم امتحانات المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ونجاح الحكومة الاتحادية في عقد امتحانات الشهادة الثانوية في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
بيد أن قرار استئناف الدراسة بولاية الخرطوم قوبل بتباين في الآراء والمواقف، فالبعض يؤيد الفكرة كلياً، ويرى أنها خطوة مصيرية لملايين الأطفال الذين انقطعوا عن الدراسة، بينما يرى فريق آخر أن القرار ينطوي على خطر كبير على حياة الأطفال والمعلمين، لكون الوضع الأمني في الولاية غير محسوم، وبعض المناطق لا تزال تشهد قصفاً مدفعياً، كما هو الحال في شمال أم درمان، التي قتل فيها أكثر من خمسين شخصاً في آخر هجوم من قبل قوات الدعم السريع التي ظلت منذ بداية القتال تستهدف المنطقة وأسواقها ومرافقها العامة، بما في ذلك المدارس.
يقول الناطق باسم حكومة ولاية الخرطوم، الطيب سعد الدين، إن القرار الذي اتخذته لجنة أمن الولاية باستئناف الدراسة في جميع المراحل، جاء عطفاً على دراسة وافية من وزارة التربية، وبعد نجاح تنظيم امتحان الشهادة الثانوية قبل أسابيع. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "وزارة التعليم أبدت رغبتها في استئناف للدراسة حتى لا يحرم التلاميذ مستقبلهم التعليمي، واللجنة الأمنية حريصة على القيام بكل التحوطات لضمان سلامة المدارس والتلاميذ والمعلمين".
وحول ازدحام المدارس نفسها بالنازحين من ولايات أخرى ومن مناطق داخل الخرطوم، يؤكد سعد الدين أن "توسع الرقعة الأمنية الآمنة في الخرطوم بعد انتصارات الجيش الأخيرة ستتيح الفرصة لعدد كبير من النازحين لطي صفحة النزوح والعودة إلى مناطقهم الأصلية، وأيضاً النازحين من ولايات وسط السودان، حيث استعاد الجيش كبريات المدن ومئات القرى، والكثير من النازحين يستعدون فعلياً للعودة. وإن تعذر خروج بعض النازحين من المدارس، لدينا هناك خيارات أخرى تشمل تفريغ بعض المدارس، وتجهيز أماكن بديلة للنازحين، أو العمل بدوامين في المدارس الخالية، وتقليص العطلة الأسبوعية إلى يوم واحد بدلاً من يومين".
يتابع: "ظروف الحرب الحالية تسببت في العجز عن دفع رواتب المعلمين، ولمقابلة ذلك، أبدت منظمة يونيسف استعدادها لدفع الرواتب عقب استئناف الدراسة، وحتى تستعيد أجهزة الدولة عافيتها بالكامل. احتجاج البعض على فتح مدارس الخرطوم بحجة أن هناك ولايات لم تستأنف بعد يُعَد غريباً، ويمكن أن يفهم في إطار امتحانات الشهادة الثانوية، لكن في بقية المراحل الدراسية يكون القرار متاحاً لكل ولاية حسب تقديراتها الذاتية".
نزحت السودانية "أم سمر" مع أطفالها الخمسة الذين انقطعوا عن دراستهم لشهور، وهي تستعد حالياً للعودة إلى منزلها في الخرطوم بحري، وتقول لـ"العربي الجديد"، إن "أهم فائدة لاستئناف الدراسة، استعادة أطفالي للتعليم بعد أن انغمسوا طويلاً في حياة الحرب، حتى في لعبهم ولهوهم اليومي. مع استئناف الدراسة سيكون كل التلاميذ بحاجة إلى دعم نفسي متكامل بواسطة مختصين، وهذا ما يجب أن تتبناه وزارة التعليم وإدارات المدارس. لا أخفي قلقي على حياة أطفالي الذين حرمتهم ظروف النزوح مواصلة تعليمهم، وأملي أن تتخذ السلطات الأمنية كل التدابير اللازمة لحمايتهم من أية مخاطر، مع ضرورة تدريب التلاميذ على التصرف عند وقوع أي خطر أمني".
في المقابل، لا يتفق عثمان الفادني مع تقديرات وزارة التربية والتعليم الخاصة بإمكانية استئناف الدراسة، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه "كان على الوزارة انتظار انتهاء المعارك الفاصلة في ولاية الخرطوم، التي ما زالت دائرة، ثم تقدر الوضع على حقيقته بعد ذلك، خصوصاً أن هناك ملايين الأسر النازحة داخل السودان أو اللاجئة خارجه، وغالبيتها لم تتخذ قرار العودة بعد، ولن تعود إلا بعد نهاية الحرب بشكل كامل".
ولا يقتصر التباين حول استئناف الدراسة على التلاميذ وعائلاتهم، بل يمتد إلى المعلمين أيضاً. تقول المعلمة في مدرسة الفيحاء بمنطقة شرق النيل، تهاني علاء الدين، في اتصال مع "العربي الجديد"، من منطقة نزوحها بالولاية الشمالية، إنها لن تتمكن من العودة إلى الخرطوم أو استئناف عملها إلا بعد أن تشعر أن الأمن متوافر تماماً في كل أرجاء الولاية، مشيرة إلى أن "المنطقة التي أسكنها، وكذا مقر المدرسة التي أعمل فيها، ما زالتا تحت سيطرة قوات الدعم السريع، ما يجعل الوقت غير مناسب لاستئناف الدراسة".
تضيف علاء الدين: "المعلمون مثل سائر المواطنين، فقدوا أثاث منازلهم عبر النهب والسرقة، وبعضهم دمرت منازلهم بالقصف، وهم بحاجة إلى دعمهم أولاً حتى يعودوا، ثم دعمهم مجدداً للبدء بتأسيس منازلهم من الصفر، وبعد ذلك يمكنهم العودة إلى عملهم، كذلك فإن ظروف الحياة في كثير من مناطق ولاية الخرطوم سيئة، وهناك انقطاع في خدمات المياه والكهرباء، ولا وجود لمؤسسات الدولة. المعلمون من بين الفئات التي لم تصرف رواتبها كاملة طوال أشهر الحرب، وما صرف منه لا يكفي لأيام قليلة من الشهر نتيجة للتضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات".
ويتفق معها جمال محمد حسين، وهو مدير مدرسة إسكان الشرطة بالحاج يوسف، ويضيف من جانبه زاوية أخرى تتعلق بالدمار الذي لحق بالكثير من المدارس، وخصوصاً تلك التي تحولت إلى ثكنات عسكرية أو طاولها القصف المدفعي، ومن بينها المدرسة التي يديرها.
ويقول حسين لـ"العربي الجديد"، إن "مليشيا الدعم السريع خربت المدرسة، وأحرقت كل ما فيها من وثائق وأدوات مدرسية، وبالتالي تحتاج مثل الكثير من المدارس الأخرى إلى إعادة تأهيل كامل، وبعض المدارس بحاجة إلى التطهير من الألغام والأجسام المتفجرة وغيرها من مخلفات الحرب، وكل ذلك ينبغي فعله قبل فتح أبوابها لاستقبال التلاميذ". يضيف: "أدعم الوزارة في وجوب استمرار العملية التعليمية لضمان مستقبل التلاميذ، وعدم تركهم لمقاعد الدراسة، لكن ينبغي الاستعداد مسبقاً لاستئناف الدراسة، فهناك أسر كثيرة نزحت إلى خارج نطاق ولاية الخرطوم، وهناك مشكلة في رواتب المعلمين والعاملين، والتحدي الأكبر يتمثل بتوفير الأمن للمدارس، فالقصف المدفعي والعمليات العسكرية لا تزال مستمرة، وهناك أبرياء يموتون في الأسواق ومراكز الإيواء، فكيف يكون الحال لو حدث ذلك لتلاميذ مدرسة في أثناء الدوام المدرسي؟ في ظل هذه الأوضاع لن يكون هناك استعداد نفسي لدى التلاميذ او المعلمين لاستئناف الدراسة، وعلى الوزارة انتظار أن تتغير الظروف الحالية".