مخيم نور شمس... معاناة مضاعفة لإجلاء ذوي الإعاقة والمسنين

15 فبراير 2025
تكرر تجريف شوارع مخيم نور شمس، 1 يوليو 2024 (ناصر اشتية/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني العائلات الفلسطينية النازحة من مخيم نور شمس من ظروف قاسية، خاصة للأفراد من كبار السن وذوي الإعاقة، مثل أحمد الغول وغسان أبو العجوز، الذين واجهوا صعوبات كبيرة في النزوح بسبب وعورة الطريق والظروف الجوية السيئة.
- غسان أبو العجوز، الذي يعاني من شلل الأطفال، نزح إلى منزل شقيقه المكتظ، مما زاد من معاناته بسبب عدم تهيئة المكان لاحتياجاته الخاصة.
- تواجه جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني تحديات في إجلاء النازحين بسبب منع قوات الاحتلال وصول الطواقم، مع استمرار عملية "السور الحديدي" التي تزيد من معاناة النازحين.

تعيش العائلات الفلسطينية النازحة من مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ظروفاً قاسية، كما هو حال جميع النازحين من مخيمات شمالي الضفة الغربية، لكن معاناة تلك العائلات تتضاعف حين تضم أفراداً من كبار السن أو من الأشخاص ذوي الإعاقة.
لدى الفلسطيني أحمد الغول (25 سنة) إعاقة ذهنية كما أنّه لا يستطيع الكلام ولديه توحّد، فضلاً عن فقدانه البصر قبل عدة سنوات بسبب عدم نجاح عملية لإزالة المياه البيضاء من عينيه. اضطرت عائلته إلى النزوح من منزلها بعد أن أطلقت مناشدة للخروج الآمن، ولم يُسمح لهم بالمغادرة سوى بعد 12 ساعة.
يقول مثنى الغول، والد أحمد، لـ"العربي الجديد": "تواصلنا مع الهلال الأحمر الفلسطيني من أجل إجلائنا، لكنّ جيش الاحتلال منع الطواقم من الوصول إلى منزلنا، فانتظرناهم عند الشارع الرئيسي. أحمد لا يعي ما يجري من حوله، فهو لا يرى ولا يتكلم، ومنذ سنوات طويلة يرفض ارتداء حذاء، ويفضل أن يبقى حافي القدمين، والطريق من المنزل في حي المدارس إلى الشارع الرئيسي جرّفته قوات الاحتلال، وهو مليء بمخلفات التجريف التي تشمل قطع الزجاج، فضلاً عن مناطق موحلة نتيجة الأمطار وتدمير خطوط الصرف الصحي".
يضيف الغول: "قبل مغادرتنا، ألبست أحمد الحذاء نحو عشر مرات تقريباً، وفي كل مرة كان يخلعه، لذا اضطررت للسماح له بالسير حافياً، وفي كل مقطع صعب من الطريق نتيجة التجريف كنت أحمله مع اثنين من إخوته، إلى أن وصلنا إلى الشارع الرئيسي على مسافة قرابة كيلومتر من المنزل، وهناك جرى إجلاؤنا عبر مركبة للهلال الأحمر".
انتقلت العائلة إلى منزل أصدقاء لهم في بلدة بلعا المجاورة، لكن المعاناة لم تنتهِ، فأحمد لا يستطيع التعبير عما يريده. كان يحفظ الأماكن في منزله، وحين يريد الذهاب إلى المرحاض يقف على بابه، وإن أراد الطعام أو الماء يذهب إلى المطبخ، لكنه اليوم لا يعرف المكان، وكثيراً ما يتعثر حين يسير، وحين يريد شيئاً ولا يستطيع التعبير عن نفسه يغضب، ويقوم بضرب رأسه بيديه أو بالحائط.

يضم مخيم نور شمس 250 فلسطينياً من ذوي الإعاقة ومئات المسنين

كذلك، يعاني الفلسطيني غسان أبو العجوز (55 سنة) من شلل الأطفال، ولا يستطيع السير من دون عكازه، وقد نزح قسراً من حي المسلخ في مخيم نور شمس، بعد أن أجبر الاحتلال سكان الحي على مغادرة منازلهم، ولم يعطهم الفرصة حتى لأخذ بعض الملابس.
نزح أبو العجوز بينما كانت السماء تمطر، ما حوّل الطريق إلى برك مياه متناثرة. يقول لـ"العربي الجديد": "قدمي اليمنى مصابة بشلل الأطفال، ولا أستطيع استخدامها، وأعتمد في المشي على اليسرى والعكاز. لم أستطع المغادرة وحدي، بل بمساعدة الآخرين. كان من المستحيل أن أسير في هذا الطريق وحدي، فحتى الشخص العادي يمشي بصعوبة، ويغوص في الطين والوحل، والمركبة الصغيرة التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني لم تستطع الوصول إلى المكان بسبب وعورة الطريق، فاضطررنا إلى المشي أكثر من خمسمئة متر، وكان معنا أطفال ومسنون وعائلتي المكونة من زوجتي وابنتينا".
نزح غسان إلى منزل شقيقه في بلدة أكتابا المجاورة، لكن المنزل يضم قرابة 50 فرداً، فقد نزحت إليه العديد من العائلات. في منزل النزوح بدأت معاناة جديدة، ففي منزله الذي غادره قسراً، كان كل شيء ملائماً لحالته الخاصة؛ الحمام، والسرير، وحتى المكان الذي كان يجلس فيه، لكنه اليوم في منزل غير مهيأ أبداً.

دمار هائل في مخيم نور شمس. 1 يوليو 2024 (ناصر اشتيه/Getty)
دمار هائل في مخيم نور شمس. 1 يوليو 2024 (ناصر اشتيه/Getty)

ضمت رحلة النزوح من الحي نفسه، الفلسطينية نهاية الجندي، وهي رئيسة جمعية نور شمس لتأهيل المعاقين، والتي نزحت مع زوجها المسن، ومسنة أخرى مقعدة لم يُسمح للمركبات بالوصول لنقلهم، بل اضطر الأهالي لحمل المسنَين إلى مركبة الإسعاف.
تقول الجندي لـ"العربي الجديد": "الطريق كانت صعبة، ليس لوعورتها فحسب، بل بسبب الطائرة المُسيّرة التي كانت تسير فوق رؤوسنا ونحن نغادر المخيم، رغم إبلاغنا مسبقاً بالسير في طريق معين وعدم المرور من أي طريق آخر. لم أعرف الطريق بسبب تغيّر معالم المخيم".
تضيف الجندي: "يضم المخيم ومحيطه 13 ألف نسمة، من بينهم 250 شخصاً من ذوي الإعاقة، وقد عانى الكثير منهم خلال النزوح القسري، خصوصاً أن عدداً من أحياء المخيم تقع في مناطق جبلية، وتضاريس الطرق في المخيم صعبة، فضلاً عن كل ما قامت به جرافات الاحتلال من تجريف وتدمير. الهلال الأحمر الفلسطيني تمكن من نقل عدد من الأشخاص المعوقين، لكن جيش الاحتلال منع وصول الطواقم إلى عدد آخر منهم، وهناك مسنون وذوو إعاقة لا يزالون في منازلهم، وجمعينا وجهات أخرى وفرت لهم قبل الاقتحام بعض الاحتياجات، لكنها قد لا تكفي إن طال أمد الاقتحام".
من جانبه، يقول نائب مدير الإسعاف والطوارئ في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أحمد زهران، لـ"العربي الجديد"، إن الجمعية تعمل بتنسيق من خلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر على الاستجابة لنداءات المواطنين الذين يحتاجون إلى إجلاء، وتنجح في معظم الأحيان باستخدام عدة مركبات صغيرة، لكن الاحتلال لا يسمح دائماً بذلك، وعدد من المسنين أو ذوي الإعاقة يضطرون إلى المغادرة بأنفسهم، وفي بعض الحالات كانت تبلغ الطواقم بالسماح لها بالوصول إلى عائلات محددة، ثم يَمنع الجنود على الأرض ذلك.

يضيف زهران: "في مخيم طولكرم المجاور، اضطر شقيقان مسنان لمغادرة منزلهما سيراً على الأقدام، لكنهما لم يستطيعا استكمال الطريق بسبب حالتهما الصحية، فبقيا في الطريق من الخامسة عصراً حتى الثانية فجراً حين سُمح للطواقم بالوصول إليهما، وجرى نقلهما إلى المستشفى. دخول المخيم يعني تفتيش الطاقم كاملاً، ثم تفتيش الطاقم والحالات الإنسانية التي ينقلها عند المغادرة، وقد يجري التفتيش أكثر من مرة كلّما مر الطاقم قرب دورية لجيش الاحتلال، فضلاً عن احتجاز عدد من أفراد الطواقم لساعات، وتسيير طائرة مسيّرة فوق كل طاقم أثناء العمل. ويتلقى الهلال الأحمر مناشدات حول حالات من الأشخاص ذوي الإعاقة أو المسنين ممن لا يحملون هواتف، والذين بقوا في منازلهم، وتذهب الطواقم إلى منازلهم للبحث عنهم، ثم تخرجهم".
وبدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملية "السور الحديدي" من مدينة جنين ومخيمها في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، ثم توسعت في عدة مخيمات ومدن في شمالي الضفة الغربية، وتواصل قوات الاحتلال العدوان على مدينة ومخيم طولكرم لليوم العشرين على التوالي، وعلى مخيم نور شمس لليوم السابع على التوالي، كما تواصل عدوانها على مخيم جنين لليوم السابع والعشرين على التوالي، ما خلف أكثر من 50 شهيداً.

المساهمون